هذا مبحث طريف وشائق غير أنه مخيف وشائك. أما طرافته وشوقه فلأنه يرينا مظهرا من مظاهر رحمة الله وتخفيفه على عباده وتيسيره لكتابه على كافة القبائل العربية بل على جميع شعوب الأمة الإسلامية من كل جيل وقبيل حتى ينطقوا به لينة ألسنتهم سهلة لهجاتهم برغم ما بينهم من اختلاف في اللغات وتنوع في الخصائص والميزات.
ومن طرافة هذا المبحث أيضا أنك تشاهد فيه عرضا عاما لمنتجات أفكار كثيرة وتشهد جيشا جرارا من مذاهب وآراء كلها تحاول العمل لخدمة العلم وإظهار الحق والدفاع عن عرين القرآن والإسلام.
وأما مخافة هذا المبحث وشوكه فلأنه كثر فيه القيل والقال إلى حد كاد يطمس أنوار الحقيقة حتى استعصى فهمه على بعض العلماء ولاذ بالفرار منه وقال: إنه
مشكل. وحتى اضطر جماعة من كبار المحققين أن يفردوه بالتأليف قديما وحديثا ما بين العلامة المعروف بأبي شامة في القرن السابع الهجري والعلامة الشيخ محمد بخيت في القرن الرابع عشر.
أضف إلى ذلك أن الخطأ في هذا الباب قد يتخذ منه أعداء الإسلام سبيلا عوجا إلى توجيه المطاعن الخبيثة إلى القرآن كما وقعت أو وقع علي كتاب لمن يدعون أنفسهم مبشرين أسموه مباحث قرآنية وجعلوا موضوع الجزء الأول منه هل من تحريف في الكتاب الشريف؟ وتصيدوا فيه من الآراء المزيفة ما الحق منه بريء {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} .
ونحن نستعين الله ونستهديه أن يخلص لنا الورد من الشوك في هذا الموضوع الشائق الشائك وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا.
وسنجول في هذا الميدان إن شاء الله جولات عدة نتحدث فيها عن أدلة نزول القرآن على سبعة أحرف وعن شواهد بارزة في هذه الأحاديث الواردة بينها فوائد كثيرة لاختلاف الحروف والقراءات وعن معنى نزول القرآن على سبعة أحرف وعن الوجوه السبعة في المذهب المختار وعن تحقيق النسبة بين المذهب المختار وأشباهه وعن وجوه اختيار هذا المذهب وعن دفع الاعتراضات الواردة عليه وعن بقاء هذه الأحرف السبعة في المصاحف وعن الأقوال الأخرى وتفنيدها وعن دفع إجمالي للأقوال الأخيرة منها ثم نختتم المبحث بعلاج الشبهات الواردة على هذا الموضوع والله المستعان.
أدلة نزول القرآن على سبعة أحرف
...
1- أدلة نزول القرآن على سبعة أحرف
لا سبيل إلى الاستدلال على هذا إلا مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد جاء هذا النقل الصحيح من طرق مختلفة كثيرة وروي حديث نزول القرآن على سبعة أحرف عن جمع كبير من الصحابة.
منهم عمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة وأبو بكر وأبو جهم وأبو سعيد الخدري وأبو طلحة الأنصاري وأبي بن كعب وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وسلمان بن صرد وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن أبي سلمة وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وهشام بن حكيم وأنس وحذيفة وأم أيوب امرأة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين. فهؤلاء أحد وعشرون صحابيا ما منهم إلا رواه وحكاه.
وروى الحافظ أبو يعلى في مسنده الكبير أن عثمان رضي الله عنه قال يوما وهو على المنبر: أذكر الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف" لما قام. فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف" فقال عثمان رضي الله عنه: وأنا أشهد معهم.
وكأن هذه الجموع التي يؤمن تواطؤها على الكذب هي التي جعلت الإمام أبا عبيد بن سلام يقول بتواتر هذا الحديث. لكنك خبير بأن من شروط التواتر توافر جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة من طبقات الرواية. وهذا الشرط إذا كان موفورا هنا في طبقة الصحابة كما رأيت فليس بموفور لدينا في الطبقات المتأخرة.
وهاك طائفة من تلك الأحاديث نسوقها إليك استدلالا من ناحية وتنويرا في بيان المعنى وإقامة لمعالم الحق فيه من ناحية ثانية:
1 -روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريل على حروف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" زاد مسلم: قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
2- وروى البخاري ومسلم أيضا واللفظ للبخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت هشام ابن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فانتظرته حتى سلم ثم لببته بردائه أو بردائي فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت له: كذبت فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها وأنت أقرأتني سورة الفرقان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسله يا عمر" : اقرأ يا هشام فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه" .
3- وروى مسلم بسنده عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوق قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه. فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد
غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي: "يا أبي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه: أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها. فقلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي. وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم" . ا هـ.
واعلم أن معنى قول أبي بن كعب رضي الله عنه فسقط في نفسي من التكذيب الخ أن الشيطان ألقى إليه من وساوس التكذيب ما شوش عليه حاله حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن القراءتين وصوبهما على ما بينهما من اختلاف وكانتا في سورة واحدة هي سورة النحل على ما رواه الطبري. وكأن الذي مر بخاطره وقتئذ أن هذا الاختلاف في القراءة ينافي أنه من عند الله. لكنه كان خاطرا من الخواطر الرديئة التي لا تنال من نفس صاحبها منالا ولا تفتنها عن عقيدة ولا يكون لها أثر باق ولا عمل دائم.
ومن رحمة الله بعباده أنه لا يؤاخذهم بهواجس النفوس وخلجات الضمائر العابرة. ولكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم حين يفتح الإنسان للشبهة صدره يوجه إليها اختياره وكسبه ثم يعقد عليها فؤاده وقلبه.
قال القرطبي فكان هذا الخاطر يشير إلى ما سقط في نفس أبي من قبيل ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم حين سألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "أوقد وحدتموه؟" قالوا: نعم. قال: "ذلك صريح الإيمان" . رواه مسلم ا هـ.
ومن هذا تعلم أن ما خطر لسيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه لا يمس مقامه
ولا يصادم إيمانه ما دام قد دفعه بإرشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا كما في الحديث الشريف.
وأي إنسان يستطيع أن يحمي نفسه خواطر السوء الهوجاء ورياح الهواجس الشنعاء إنما الواجب على المؤمن أن يحارب تلك الخواطر الرديئة بأسلحة العلم وتعاليم الشريعة ولا يستسلم لها ولا يسترسل معها. وعلينا أن نتعاون في هذا الميدان كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بأبي إذ ضرب في صدره ليصرفه بشدة عن الاشتغال بهذا الخاطر وليلفته بقوة إلى ما قصه عليه علاجا لشبهته من أن القرآن أنزل على سبعة أحرف تهوينا على أمته وتيسيرا لها. ولقد نجح الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا العلاج أيما نجاح حتى قال أبي نفسه: ففضت عرقا وكأني أنظر إلى الله عز وجل فرقا.
ذلك ما نراه مخلِّصا في هذا المقام الذي زلت فيه بعض الأقدام وللعلامة الشيخ محمد عبد الله دراز كلام جيد في مثل هذا الموضوع من كتابه المختار فارجع إليه إن أردت التوسع ومزيد البيان.
أضف إلى ما ذكرنا أن خصومة أبي بن كعب في أمر إختلاف القراءة على هذا النحو إنما كانت من قبل أن يعلم أن القرآن أنزل على سبعة أحرف فهو وقتئذ كان معذورا بدليل أنه لما علم بذلك وأطمأنت إليه نفسه عمل بما علم وكان مرجعا مهما من مراجع القرآن على اختلاف رواياته وكان من رواة هذا العلم للناس كما تلاحظه في الحديثين المسندين إليه بعد.
4- روى مسلم بسنده عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار. قال: فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق
ذلك" . ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك" ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك" ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف. فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا ا هـ.
وأضاة بني غفار بفتح الهمزة في أضاة وبكسر الغين في غفار: مستنقع الماء كالغدير وكان بموضع من المدينة المنورة ينسب إلى بني غفار لأنهم نزلوا عنده.
5 - وروى الترمذي عن أبي بن كعب أيضا قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المروة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: "إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام". قال: فمرهم فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف" قال الترمذي: حسن صحيح.
وفي لفظ: فمن قرأ بحرف منها فهو كما قرأ وفي لفظ حذيفة فقلت: "يا جبريل إني أرسلت إلى أمة أمية فيهم الرجل والمرأة والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط" قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" .
6- أخرج الإمام أحمد بسنده عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال له عمرو: إنما هي كذا وكذا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا" . ا هـ.
قال في القاموس: ماراه مماراة ومراء وأمترى فيه وتمارى: شك. والمرية بالكسر والضم: الشك والجدل. ا هـ.
7- روى الحاكم وابن حبان بسندهما عن ابن مسعود قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة من آل حم فرحت إلى المسجد فقلت لرجل: أقرأها. فإذا هو يقرؤها حروفا ما أقرؤها. فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فتغير وجهه وقال: "إنما أهلك من قبلكم الاختلاف" ثم أسر إلى علي شيئا. فقال علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم. قال: فانطلقنا وكل رجل يقرأ حروفا لا يقرؤها صاحبه ا هـ.
8- وأخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود أيضا أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها. قال: فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلاكما محسن فاقرأ" قال شعبة أحد رواة هذا الحديث: أكبر علمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكوا" .
9- روى الطبري والطبراني عن زيد بن أرقم قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأني ابن مسعود سورة أقرأنيها زيد بن ثابت وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم فبقراءة أيهم آخذ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي إلى جنبه فقال علي: ليقرأ كل إنسان منكم كما علم فإنه حسن جميل.
10- وأخرج ابن جرير الطبري عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة" .
شواهد بارزة في هذه الأحاديث الواردة
...
2 - شواهد بارزة في هذه الأحاديث الواردة
إن الناظر في هذه الأحاديث الشريفة وما ماثلها يستطيع أن يقيم منها شواهد بارزة تكون منارات هدى ومصادر إشعاع ونور ترشده إلى ما عسى أن يكون هو الحق والصواب في بيان معنى الأحرف السبعة كما يستطيع أن يأخذ منها موازين ومقاييس يحاكم إليها كل ما شجر من هذا الخلاف البعيد في هذا الموضوع الدقيق.
الشاهد الأول: أن الحكمة في نزول القرآن على الأحرف السبعة هي التيسير على الأمة الإسلامية كلها خصوصا الأمة العربية التي شوفهت بالقرآن فإنها كانت قبائل كثيرة وكان بينها اختلاف في اللهجات ونبرات الأصوات وطريقة الأداء وشهرة بعض الألفاظ في بعض المدلولات على رغم أنها كانت تجمعها العروبة ويوحد بينها اللسان العربي العام. فلو أخذت كلها بقراءة القرآن على حرف واحد لشق ذلك عليها كما يشق على القاهري منا أن يتكلم بلهجة الأسيوطي مثلا وإن جمع بيننا اللسان المصري العام وألفت بيننا الوطنية المصرية في القطر الواحد. وهذا الشاهد بحده ماثلا بوضوح بين الأحاديث السالفة في قوله صلى الله عليه وسلم في كل مرة من مرات الاستزادة فرددت إليه أن هون على أمتي وقوله أسأل الله معافاته ومغفرته وأن أمتي لا تطيق ذلك ومن أنه صلى الله عليه وسلم لقي جبريل فقال: "يا جبريل إني أرسلت إلى أمة أمية فيهم الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط" الخ.
قال المحقق ابن الجزري: وأما سبب وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق وحبيب الحق حيث أتاه جبريل فقال:
إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال صلى الله عليه وسلم: "أسأل الله معافاته ومعونته فإن أمتي لا تطيق ذلك ولم يزل يردد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف" ثم قال: وكما ثبت أن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف وأن الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد وذلك أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يبعثون إلى قومهم الخاصين والنبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم وكان العرب الذي نزل القرآن بلغتهم. لغاتهم مختلفة وألسنتهم شتى ويعسر على أحدهم الانتقال من لغة إلى غيرها أو من حرف إلى آخر. بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج لا سيما الشيخ والمرأة ومن لم يقرأ كتابا كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع وما عسى أن يتكلف المتكلف وتأبى الطباع ا هـ.
فوائد أخرى لاختلاف القراءة وتعدد الحروف
كل ما مر عليك في الشاهد الأول تقرير لحكمة واحدة وفائدة واحدة من فوائد اختلاف القراءات وتعدد الحروف التي نزل عليها القرآن الكريم وهي أبرز الفوائد وأشهرها وأقربها إلى الذهن. ونحيطك علما هنا بأن لهذا الاختلاف والتعدد فوائد أخرى:
منها: جمع الأمة الإسلامية الجديدة على لسان واحد يوحد بينها وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن الكريم والذي انتظم كثيرا من مختارات ألسنة القبائل العربية التي كانت تختلف إلى مكة في موسم الحج وأسواق العرب المشهورة. فكان القرشيون يستملحون ما شاؤوا ويصطفون ما راق لهم من ألفاظ الوفود العربية القادمة إليهم من كل صوب وحدب ثم يصقلونه ويهذبونه ويدخلونه
في دائرة لغتهم المرنة التي أذعن جميع العرب لها بالزعامة وعقدوا لها راية الإمامة. وعلى هذه السياسة الرشيدة نزل القرآن على سبعة أحرف يصطفي ما شاء من لغات القبائل العربية على نمط سياسةالقرشيين بل أوفق. ومن هنا صح أن يقال: إنه نزل بلغة قريش لأن لغات العرب جمعاء تمثلت في لسان القرشيين بهذا المعنى. وكانت هذه حكمة إلهية سامية فإن وحدة اللسان العام من أهم العوامل في وحدة الأمة خصوصا أول عهد بالتوثب والنهوض.
ومنها: بيان حكم من الأحكام كقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} قرأ سعد بن أبي وقاص {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} من أم بزيادة لفظ من أم فتبين بها أن المراد بالإخوة في هذا الحكم الإخوة للأم دون الأشقاء ومن كانوا لأب وهذا أمر مجمع عليه.
ومثل ذلك قوله سبحانه في كفارة اليمين: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وجاء في قراءة: أو تحرير رقبة مؤمنة بزيادة لفظ مؤمنة فتبين بها اشتراط الإيمان في الرقيق الذي يعتق كفارة يمين. وهذا يؤيد مذهب الشافعي ومن نحا نحوه في وجوب توافر ذلك الشرط.
ومنها: الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين كقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} قرئ بالتخفيف والتشديد في حرف الطاء من كلمة يطهرن ولا ريب أن صيغة التشديد تفيد وجوب المبالغة في طهر النساء من الحيض لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. أما قراءة التخفيف فلا
تفيد هذه المبالغة. ومجموع القراءتين يحكم بأمرين: أحدهما أن الحائض لا يقربها زوجها حتى يحصل أصل الطهر. وذلك بانقطاع الحيض. وثانيهما أنها لا يقربها زوجها أيضا إلا إن بالغت في الطهر وذلك بالاغتسال فلا بد من الطهرين كليهما في جواز قربان النساء. وهو مذهب الشافعي ومن وافقه أيضا.
ومنها الدلالة على حكمين شرعيين ولكن في حالين مختلفين: كقوله تعالى في بيان الوضوء {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قرئ بنصب لفظ أرجلكم وبجرها. فالنصب يفيد طلب غسلها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ وجوهكم المنصوب وهو مغسول.
والجر يفيد طلب مسحها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ رؤوسكم المجرور وهو ممسوح وقد بين الرسول أن المسح يكون للابس الخف وأن الغسل يجب على من لم يلبس الخف.
ومنها دفع توهم ما ليس مرادا كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وقرئ فامضوا إلى ذكر الله. فالقراءة الأولى يتوهم منها وجوب السرعة في المشي إلى صلاة الجمعة ولكن القراءة الثانية رفعت هذا التوهم لأن المضي ليس من مدلوله السرعة.
ومنها بيان لفظ مبهم على البعض نحو قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} وقرئ كالصوف المنفوش فبينت القراءة الثانية أن العهن هو الصوف.
ومنها تجلية عقيدة ضل فيها بعض الناس: نحو قوله تعالى في وصف الجنة وأهلها: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} جاءت القراءة بضم الميم
وسكون اللام في لفظ وملكا كبيرا وجاءت قراءة أخرى بفتح الميم وكسر اللام في هذا اللفظ نفسه فرفعت هذه القراءة الثانية نقاب الخفاء عن وجه الحق في عقيدة رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة لأنه سبحانه هو الملك وحده في تلك الدار {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} .
والخلاصة : أن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات. وذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدئ من جمال هذا الإيجاز وينتهي إلى كمال الإعجاز.
أضف إلى ذلك ما في تنوع القراءات من البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء وتضاد ولا إلى تهافت وتخاذل بل القرآن كله على تنوع قراءاته يصدق بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير وهدف واحد من سمو الهداية والتعليم. وذلك من غير شك يفيد تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف.
ومعنى هذا أن القرآن يعجز إذا قرئ بهذه القراءة ويعجز أيضا إذا قرئ بهذه القراءة الثانية ويعجز أيضا إذا قرئ بهذه القراءة الثالثة وهلم جرا. ومن هنا تتعدد المعجزات بتعدد تلك الوجوه والحروف.
ولا ريب أن ذلك أدل على صدق محمد لأنه أعظم في اشتمال القرآن على مناح جمة في الإعجاز وفي البيان على كل حرف ووجه وبكل لهجة ولسان. {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
الشاهد الثاني: أن مرات استزادة الرسول للتيسير على أمته كانت ستا غير الحرف الذي أقرأه أمين الوحي عليه أول مرة فتلك سبعة كاملة بمنطوقها ومفهومها.
تأمل حديث ابن عباس السابق وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى بلغ سبعة أحرف" وكذلك جاء في حديث لأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهت العدة" يضاف إلى ذلك المراجعات الثابتة في الأحاديث الأخرى وإن كانت لم تبلغ ستا صراحة غير أن الحديث جاء بلفظ السبعة فيعلم من مجموع تلك الروايات أن المراد بلفظ سبعة حقيقة العدد المعروف في الآحاد بين الستة والثمانية.
الشاهد الثالث: أن من قرأ حرفا من هذه الحروف فقد أصاب شاكلة الصواب أيا كان ذلك الحرف كما يدل عليه فيما مضى قوله صلى الله عليه وسلم: "فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا" وقوله صلى الله عليه وسلم لكل من المختلفين في القراءة "أصبت" وقوله صلى الله عليه وسلم لهما في رواية ابن مسعود: "كلا كما محسن" وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عمرو بن العاص: "فأي ذلك قرأتم أصبتم" . وعدم موافقته صلى الله عليه وسلم لعمر وأبي وابن مسعود وعمرو بن العاص على معارضة مخالفيهم بالطرق الآنفة في الأحاديث السالفة. ودفعه في صدر أبي حين استصعب عليه أن يقر هذا الاختلاف في القراءة. ولا ريب أن ذلك كله فيه معنى النهي البالغ عن منع أي أحد من القراءة بأي حرف من الأحرف السبعة النازلة.
الشاهد الرابع: أن القراءات كلها على اختلافها كلام الله لا مدخل لبشر فيها. بل كلها نازلة من عنده تعالى مأخوذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. يدل على ذلك أن الأحاديث الماضية تفيد أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرجعون فيما يقرؤون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون عنه ويتلقون منه كل حرف يقرؤون عليه انظر قوله صلى الله عليه وسلم في قراءة كل من المختلفين: "هكذا أنزلت" وقول المخالف لصاحبه: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أضف إلى ذلك أنه لو صح لأحد أن يغير ما شاء من القرآن بمرادفه أو غير مرادفه لبطلت قرآنية القرآن وأنه كلام الله ولذهب الإعجاز ولما تحقق قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
ثم إن التبديل والتغيير مردود من أساسه بقوله سبحانه في سورة يونس: {قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} .
فإذا كان أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قد تحرج من تبديل القرآن بهذا الأسلوب فكيف يسوغ لأحد مهما كان أمره أن يبدل فيه ويغير بمرادف أو غير مرادف؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} .
الشاهد الخامس: أنه لا يجوز منع أحد من القراءة بأي حرف من تلك الأحرف السبعة النازلة. يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا تماروا فيه فإن المراء فيه كفر" وعدم موافقته لعمر وأبي وابن مسعود وعمرو بن العاص على معارضة مخالفيهم بالطرق الآنفة في الأحاديث السالفة. ويدل على ذلك أيضا دفعه في صدر أبي حين استصعب عليه أن يقر هذا الاختلاف في القراءة. ولا ريب أن ذلك كله فيه معنى النهي البالغ عن منع أي أحد من القراءة بأي حرف من الأحرف السبعة النازلة.
الشاهد السادس: أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا متحمسين في الدفاع عن القرآن مستبسلين في المحافظة على التنزيل متيقظين لكل من يحدث فيه حدثا ولو كان عن طريق الأداء واختلاف اللهجات مبالغين في هذه اليقظة حتى ليأخذون
في هذا الباب بالظنة وينافحون عن القرآن بكل عناية وهمة. وحسبك استدلالا على ذلك ما فعل عمر بصاحبه هشام بن حكيم على حين أن هشاما كان في واقع الأمر على صواب فيما يقرأ وأنه قال لعمر تسويغا لقراءته: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن عمر لم يقنع بل لببه وساقه إلى المحاكمة ولم يتركه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهشام بأنه أصاب. قل مثل ذلك فيما فعل أبي بن كعب بصاحبه وما كان من ابن مسعود وعمرو بن العاص وصاحبيهما. والأحاديث بين يديك عن كثب فارجع إليها إن أردت.
الشاهد السابع: أنه لا يجوز أن نجعل اختلاف القراءات معركة جدال ونزاع وشقاق ولا مثار تردد وتشكيك وتكذيب ولا سلاح عصبية وتنطع وجمود. على حين أن نزول القرآن على سبعة أحرف إنما كانت حكمته من الله التيسير والتخفيف والرحمة والتهوين على الأمة فما يكون لنا أن نجعل من هذا اليسر عسرا ومن هذه الرحمة نقمة. يرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما سبق "فلا تماروا فيه فإن المراء فيه كفر". وكذلك تغير وجهه الشريف عند اختلافهم مع قوله: "إنما أهلك من قبلكم الاختلاف" وضربه في صدر أبي بن كعب حين جال بخاطره حديث السوء في هذا الموضوع الجليل.
الشاهد الثامن: أن المراد بالأحرف في الأحاديث السابقة وجوه في الألفاظ وحدها لا محالة. بدليل أن الخلاف الذي صورته لنا الروايات المذكورة كان دائرا حول قراءة الألفاظ لا تفسير المعاني مثل قول عمر: إذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حكم الرسول أن يقرأ كل منهما وقوله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" . وقوله: "أي ذلك قرأتم فقد أصبتم" ونحو ذلك ولا ريب أن القراءة أداء الألفاظ لا شرح المعاني.
معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
...
3- معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
يهمنا بعد الذي أسلفنا إليك أن نبين لك معنى الجملة الشريفة: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فإليك:
أما لفظ القرآن فقد أشبعناه كلاما في المبحث الأول. وأما الإنزال فقد استوفيناه تحقيقا في المبحث الثالث.
وأما السبعة فقد علمت في الشاهد الثاني من الشواهد الماضية أن المراد بها حقيقتها وهي العدد المعروف في الآحاد بين الستة والثمانية. وأما الأحرف فجمع حرف والحرف يطلق على معان كثيرة أتى عليها صاحب القاموس إذ يقول ما نصه: الحرف من كل شيء طرفه وشفيره وحده ومن الجبل أعلاه المحدد وواحد حروف التهجي والناقة الضامرة أو المهزولة أو العظيمة ومسيل الماء وآرام سود ببلاد سليم. وعند النحاة ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} أي وجه واحد وهو أن يعبده على السراء لا على الضراء أو على شك أو على غير طمأنينة من أمره أي لا يدخل في الدين متمكنا. ونزل القرآن على سبعة أحرف: سبع لغات من لغات العرب. وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه وإن جاء على سبعة أو عشرة أو أكثر ولكن معناه أن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن ا هـ بتصرف قليل. وهذه الإطلاقات الكثيرة تدل على أن لفظ الحرف من قبيل المشترك اللفظي والمشترك اللفظي يراد به أحد معانيه التي تعينها القرائن وتناسب المقام.
وأنسب المعاني بالمقام هنا في إطلاقات لفظ الحرف أنه الوجه بالمعنى الذي سنقصه عليك لا بالمعنى الذي ذهب إليه صاحب القاموس وغيره من أنه اللغة أو غيرها. فسيأتيك تفنيد هذه الآراء بعد.
ثم إن كلمة على في قوله صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" تشير إلى أن المسألة على هذا الشرط من التوسعة والتيسير أي أنزل القرآن موسعا فيه على القارىء أن يقرأه على سبعة أوجه يقرأ بأي حرف أراد منها على البدل من صاحبه كأنه قال: أنزل على هذا الشرط وعلى هذه التوسعة.
وليس المراد أن كل كلمة من القرآن تقرأ على سبعة أوجه إذا لقال صلى الله عليه وسلم إن هذا القرآن أنزل سبعة أحرف بحذف لفظ على. بل المراد ما علمت من أن هذا القرآن أنزل على هذا الشرط وهذه التوسعة بحيث لا تتجاوز وجوه الاختلاف سبعة أوجه مهما كثر ذلك التعدد والتنوع في أداء اللفظ الواحد ومهما تعددت القراءات وطرقها في الكلمة الواحدة. فكلمة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} التي ورد أنها تقرأ بطرق تبلغ السبعة أو العشرة وكلمة {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} التي ورد أنها تقرأ باثنتين وعشرين قراءة وكلمة {أُفٍّ} التي أوصل الرماني لغاتها إلى سبع وثلاثين لغة وكل أولئك وأشباه أولئك لا يخرج التغاير فيه على كثرته عن وجوه سبعة.
الوجوه السبعة في المذهب المختار
...
4- الوجوه السبعة في المذهب المختار
بقي علينا أن نتساءل: ما هي تلك الوجوه السبعة التي لا تخرج القراءات عنها مهما كثرت وتنوعت في الكلمة الواحدة؟.
هنا يحتدم الجدال والخلاف ويكثر القيل والقال.
والذي نختاره بنور الله وتوفيقه من بين تلك المذاهب والآراء هو ما ذهب إليه الإمام أبو الفضل الرازي في اللوائح إذ يقول:
الكلام لا يخرج عن سبعة أحرف في الاختلاف:
الأول : اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث.
الثاني : اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
الثالث : اختلاف وجوه الإعراب.
الرابع : الاختلاف بالنقص والزيادة.
الخامس : الاختلاف بالتقديم والتأخير.
السادس : الاختلاف بالإبدال.
السابع : اختلاف اللغات يريد اللهجات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإظهار والإدغام ونحو ذلك ا ه غير أن النقل كما ترى لم يشفع بتمثيل فيما عثرنا.
ويمكن التمثيل للوجه الأول منه وهو اختلاف الأسماء. بقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} قرئ هكذا: {لِأَمَانَاتِهِمْ} جمعا وقرئ {لأِمَانَتِهِم} بالإفراد.
ويمكن التمثيل للوجه الثاني وهو اختلاف تصريف الأفعال بقوله سبحانه: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} قرئ هكذا بنصب لفظ {رَبَّنَا} على أنه منادى وبلفظ {بَاعِدْ} فعل أمر وبعبارة أنسب بالمقام فعل دعاء
وقرئ هكذا: {رَبَّنَا بَاعِدْ} برفع رب على أنه مبتدأ وبلفظ بعد فعلا ماضيا مضعف العين جملته خبر.
ويمكن التمثيل للوجه الثالث وهو اختلاف وجوه الإعراب بقوله سبحانه: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} قرئ بفتح الراء وضمها فالفتح على أن لا ناهية فالفعل مجزوم بعدها والفتحة الملحوظة في الراء هي فتحة إدغام المثلين. أما الضم فعلى أن لا نافية فالفعل مرفوع بعدها.
ومثل هذا المثال قوله سبحانه: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} قرئ برفع لفظ المجيد وجره. فالرفع على أنه نعت لكلمة ذو والجر على أنه نعت لكلمة العرش. فلا فرق في هذا الوجه بين أن يكون اختلاف وجوه الإعراب في اسم أو فعل كما رأيت.
ويمكن التمثيل للوجه الرابع: وهو الاختلاف بالنقص والزيادة. بقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}
قرئ بهذا اللفظ. وقرئ أيضا والذكر والأنثى بنقص كلمة ما خلق.
ويمكن التمثيل للوجه الخامس- وهو الاختلاف بالتقديم والتأخير- بقوله سبحانه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وقرئ: وجاءت سكرة الحق بالموت.
ويمكن التمثيل للوجه السادس- وهو الاختلاف بالإبدال- بقوله سبحانه: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} بالزاي وقرئ {نُنْشِزُهَا} بالراء وكذلك قوله سبحانه {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} بالحاء وقرئ وطلع بالعين.
فلا فرق في هذا الوجه أيضا بين الاسم والفعل.
ويمكن التمثيل للوجه السابع- وهو اختلاف اللهجات- بقوله سبحانه: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} تقرأ بالفتح والإمالة في أتى ولفظ موسى فلا فرق في هذا
الوجه أيضا بين الاسم والفعل. والحرف مثلهما نحو بلى قدرين القيامة قرئ بالفتح والإمالة في لفظ بلى.
لماذا اخترنا هذا المذهب؟
...
5- لماذا اخترنا هذا المذهب
وإنما اخترنا هذا المذهب لأربعة أمور:
أحدها : أنه هو الذي تؤيده الأدلة في الأحاديث العشرة الماضية وما شابهها.
ثانيها : أنه هو الراجح في تلك الموازين التي أقمناها شواهد بارزة من تلك الأحاديث الواردة.فأرجع النظر إليها ولا داعي لإعادتها. أما المذاهب الأخرى فسترى أن التوفيق أخطأها في رعاية تلك الأدلة أو بعضها وستطيش بين يديك في موازين هذه الشواهد قليلا أو كثيرا.
ثالثها : أن هذا المذهب يعتمد على الاستقراء التام لاختلاف القراءات وما ترجع إليه من الوجوه السبعة بخلاف غيره فإن استقراءه ناقص أو في حكم الناقص. فكلمة أف التي أوصلها الرماني إلى سبع وثلاثين لغة يمكن رد لغاتها جميعا إلى هذه الوجوه السبعة ولا تخرج عنها. وكذلك الاختلاف في اللهجات وهو اختلاف شكلي يرد إليها ولا يخرج عنها. بخلاف الآراء الأخرى فإنه يتعذر أو يتعسر الرجوع بالقراءات كلها إليها.
وليس من صواب الرأي أن يحصر النبي صلى الله عليه وسلم الأحرف التي نزل عليها القرآن في سبعة ثم نترك نحن طرقا في القراءات المروية عنه دون أن نردها إلى السبعة لأن ذلك يلزمه أحد خطرين: فإما أن تكون تلك الطرق المقروء بها غير نازلة وإما أن يكون هنا حرف نازل وراء السبعة الأحرف التي نزل عليها القرآن ويكون الحصر في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم غير صحيح. وكلا هذين خطأ عظيم وإثم كبير.
رابعها : أن هذا الرأي لا يلزمه محذور من المحذورات الآتية التي يستهدف لها الأقوال الأخرى وسنزجيها إليك قريبا فاصبر وما صبرك إلا بالله.
الذين قالوا بهذا المذهب
...
الذين قالوا بهذا المذهب
ولا يعزبن عن بالك أن هذا المذهب قد اختاره في جملته فحول من العلماء وقاربه كل القرب مذهب الإمام ابن قتيبة والمحقق ابن الجزري والقاضي ابن الطيب كما يأتي:
ولا فرق بين آرائهم وبين هذا الرأي إلا اختلاف في طرق التتبع والاستقصاء والتعبير والأداء. وسيظهر لك أن الرازي كان أهدى منهم سبيلا وأكثر توفيقا حتى لقد ذهب العلامة ابن حجر إلى أن مذهب الرازي هو مذهب ابن قتيبة بعد تنقيحه وتهذيبه فقال ما نصه: وقد أخذ أي الرازي كلام ابن قتيبة ونقحه ا. هـ.
وقد اختار هذا المذهب أيضا من المتأخرين بعض أعلام المحققين كالعلامة المرحوم الشيخ الخضري الدمياطي والعلامة المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعي. لكن منهم من تغاضى عن الفروق الدقيقة التي بين الرازي ومذاهب أولئك الثلاثة الذين تشاركت آراؤهم في الجملة ومنهم من صرح بالاتحاد بين هذه المذاهب جميعا وما شابهها واعتبر الخلاف بينها لفظيا فحسب.
لهذا نرى أن نسوق إليك في هذا المقام تلك المذاهب الثلاثة أيضا جمعا بين المتشابهات من ناحية وتمهيدا لتحقيق الفرق بينها وبين مذهب الرازي من ناحية أخرى وزيادة في تنوير المذهب المختار وغيره من ناحية ثالثة.
أما ابن قتيبة فيقول:
إن المراد بالأحرف السبعة الأوجه التي يقع بها التغاير:
فأولها: ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ} بفتح الراء وضمها.
وثانيها ما يتغير بالفعل مثل: بعد وباعد بلفظ الطلب والماضي.
وثالثها ما يتغير باللفظ مثل: ننشرها و {نُنْشِزُهَا} بالراء المهملة والزاي المعجمة.
ورابعها ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} وطلع منضود.
وخامسها: ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وجاءت سكرة الحق بالموت.
وسادسها: ما يتغير بالزيادة والنقصان مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} . والذكر والأنثى بنقص لفظ ما خلق.
وسابعها: ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} . وكالصوف المنفوش.
وأما ابن الجزري فيقول:
قد تتبعت صحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها.
1- وذلك إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو البخل بأربعة أوجه ويحسب بوجهين.
2- أو بتغير في المعنى فقط نحو {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} . برفع لفظ آدم ونصب لفظ كلمات وبالعكس.
3- وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو {تَبْلُو} وتتلو.
4- عكس ذلك نحو بصطة و {بَسْطَةً} ونحو {الصِّرَاطَ} والسراط.
5- أو بتغيرهما نحو فامضوا {فَاسَعَوْا} .
-6 وإما في التقديم والتأخير نحو {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} بفتح ياء المضارعة مع بناء الفعل للفاعل في إحدى الكلمتين وبضمها مع بناء الفعل للمفعول في الكلمة الأخرى.
7- أو في الزيادة والنقصان نحو أوصى {وَوَصَّى} .
فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها.
وأما القاضي ابن الطيب فيقول فيما يحكيه القرطبي عنه:
تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا:
1- منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته. مثل {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ، وأطهر أي بإسكان الراء وضمها ويضيق صدري، {وَيَضِيقُ صَدْرِي} أي بإسكان القاف وضمها.
2- ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} وباعد أي بصيغة الماضي والطلب.
3- منها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل قوله: ننشرها و {نُنْشِزُهَا} أي بالراء والزاي.
4- ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه مثل: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} وكالصوف المنفوش.
5- ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} وطلع منضود.
6- ومنها التقديم والتأخير مثل: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وجاءت سكرة الحق بالموت.
7- ومنها الزيادة والنقصان نحو: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} . وله تسع وتسعون نعجة أنثى أي بزيادة لفظ أنثى.
النسبة بين هذه المذاهب ومذهب الرازي
...
6- النسبة بين هذه المذاهب ومذهب الرازي
ويذهب بعض الجهابذة إلى القول بالاتحاد بين هذه المذاهب الثلاثة ومذهب الرازي بل بينها جميعا وبين ما يشابهها ويجعل الخلاف بينها كلها لفظيا لا حقيقيا. وذلك تكلف بعيد فيما أرى لأننا نلاحظ وجها كاملا في كلام الرازي لم ينوه به واحد من أولئك الثلاثة. فهو فضلا عن أنه أدمج وجوههم السبعة في وجوه ستة بطريقته الدقيقة نجده قد عقد الوجه السابع لاختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم ونحو ذلك.
على حين أننا ما رأينا واحدا من أولئك الأعلام الثلاثة عرض لهذا النوع من الاختلاف. بل وجدنا في كلامهم ما جعلهم يهملون هذا الوجه عن قصد وعمد.
فهذا ابن قتيبة يقول:
وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام. والروم والإشمام والتخفيف والتسهيل ونحو ذلك فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع في اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا ا هـ.
ولكني أرى أن هذا العذر الذي قدمه ابن قتيبة لإهمال هذا الوجه لا يسوغ ذلك الإهمال. فإن المسألة ليست مسألة أسماء وعناوين يترتب عليها أن اختلاف اللهجات في اللفظ الواحد تخرجه عن أن يكون واحدا أو لا تخرجه بل المسألة مسألة رعاية أمر واقع تختلف به القراءات فعلا ويمكن أن يكون مثار النزاع السابق الذي دب بين الصحابة في اختلاف القراءات كما يكون أيضا مثارا للنزاع في كل عصر ومصر بين القراء إذا لم يعلموا أن الجميع من عداد الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن. وذلك لأن تحريف القرآن
يحرم بما يمس صورته وطريق أدائه وكيفية لهجاته كما يحرم بما يمس جوهره وتغيير حروفه وكلماته وحركاته وترتيبه.
أمر آخر: هو أن التيسير على الأمة وهي الحكمة البارزة في نزول القرآن على سبعة أحرف لا يتحقق على الوجه الأكمل إلا بحسبان هذا الوجه الذي نوه به الرازي وهو اختلاف اللهجات. بل هذا قد يكون أولى بالحسبان وأحرى بالرعاية في باب التخفيف والتيسير لأنه قد يسهل على المرء أن ينطق بكلمة من غير لغته في جوهرها ولا يسهل عليه أن ينطق بكلمة من غير لغته نفسها بلهجة غير لهجته وطريقة في الأداء غير طريقته. ذلك لأن الترقيق والتفخيم والهمز والتسهيل والإظهار والإدغام والفتح والإمالة ونحوها ما هي إلا أمور دقيقة وكيفيات مكتنفة بشيء من الغموض والعسر في النطق على من لم يتعودها ولم ينشأ عليها.
واختلاف القبائل العربية فيما مضى كان يدور على اللهجات في كثير من الحالات وكذلك اختلاف الشعوب الإسلامية وأقاليم الشعب الواحد منها الآن يدور في كثير من الحالات أيضا على اختلاف اللهجات.
وإذن فتخفيف الله على الأمة بنزول القرآن على سبعة أحرف لا يتحقق إلا بملاحظة الاختلاف في هذه اللهجات. حتى إن بعض العلماء جعل الوجوه السبعة منحصرة في اللهجات لا غير كما يأتي.
قال الإمام ابن قتيبة نفسه في كتاب المشكل ما نصه: فكان من تيسير الله تعالى أن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرئ كل أمة لعله يريد بالأمة القبيلة بلغتهم وما جرت به عادتهم فالهذلي يقرأ "عتى حين" يريد {حَتَّى حِينٍ} هكذا يلفظ بها ويستعملها أي يقلب الحاء عينا في النطق. والأسدي يقرأ {يَعْلَمُونَ، وَنَعْلَمَ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، أَلَمْ أَعْهَدْ} بكسر حروف المضارعة في ذلك كله والتميمي يهمز والقرشي لا يهمز. والآخر يقرأ {قِيلَ لَهُمْ وَغِيضَ الْمَاءُ} بإشمام الضم مع الكسر
و {بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} بإشمام الكسر مع الضم. و {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا} بإشمام الضم مع الإدغام.
ثم قال ابن قتيبة أيضا: ولو أراد كل فريق من هؤلاء أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا ويافعا وكهلا لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه ولا يمكن إلا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل للسان وقطع للعادة. فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعا في اللغات ومتصرفا في الحركات كتيسيره عليهم في الدين ا هـ.
فأنت تراه قد اعتبر اللهجات وطرق الأداء صراحة في هذه الكلمات.
وكذلك نجد العلامة ابن الجزري يعترف بهذا الاختلاف في اللهجات ويقول ما نصه: وهذا يقرأ {عَلَيْهِمْ} و {فِيهِمْ} بضم الهاء والآخر يقرأ عليهمو ومنهمو بالصلة. وهذا يقرأ {قَدْ أَفْلَحَ} و {قُلْ أُوحِيَ} {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} بالنقل والآخر يقرأ {مُوسَى} و {عِيسَى} بالإمالة. وغيره يلطف. وهذا يقرأ {خَبِيراً بَصِيراً} بترقيق الراء والآخر يقرأ {الصَّلاةَ} و {الطَّلاقَ} بالتفخيم إلى غير ذلك ا هـ.
ولكن من العجب العاجب أن هذين الإمامين الجليلين اللذين اعترفا صراحة باختلاف اللهجات وطرق الأداء على هذا الوجه فاتهما أن ينظماه في سلك الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن تيسيرا على الأمة. والعصمة لله وحده.
فالأحق والأدق ما ذهب إليه الرازي.
ولعل هذه الدقة وهذا الشمول الذي وفق إليه الرازي في الوجوه السبعة هو التنقيح الذي نوه به ابن حجر إذ قال: وقد أخذ أي الرازي كلام ابن قتيبة ونقحه. وليس معناه الاتحاد بينهما لما علمت من وضوح الفرق وأن كلام الرازي أعم من كلام أولئك الثلاثة عموما مطلقا.
دفع الاعتراضات الواردة على هذا المذهب
...
7- دفع الاعتراضات الواردة على هذا المذهب
اعترض على هذا المذهب وما قاربه من مذهب ابن قتيبة وابن الجزري وابن الطيب بجملة اعتراضات نقدمها إليك ثم نفندها بين يديك فيما يأتي:
الاعتراض الأول يقولون: إن هذا القول مع اختلاف قائليه في بيانه لم يذكر واحد منهم دليلا إلا أنه تتبع وجوه الاختلاف في القراءة فوجدها لا تخرج عن سبعة. وهذا لا ينهض دليلا لأي واحد منهم على أن المراد بالأحرف السبعة الأوجه التي تختلف فيها القراءة.
ونجيب أولا: بأن هذا المذهب الذي اخترناه لم نختلف ولم نتردد في بيانه. ثانيا : أنا أيدناه بعدة أدلة لا بدليل واحد. ثالثا: أنا لا نسلم كون تتبع وجوه الاختلاف في القراءة لا يصلح دليلا لبيان الأحرف السبعة بهذه الوجوه السبعة. كيف؟ والاستقراء التام دليل من جملة الأدلة التي يحترمها المنطق القديم والمنطق الحديث ما دام مستوفيا لشروطه الثلاثة التي أولها أن تكون القضية الاستقرائية متضمنة حكما حقيقيا وثانيها أن تكون كلية حقيقية أي موضوعها كليا حقيقيا صادقا على ما وجد من أفراده فيما مضى وما هو موجود في الحال وما يمكن أن يوجد في المستقبل. وثالثها أن يكون الوصول إلى القضية الاستقرائية بواسطة الملاحظة والتجربة.
ولا ريب أن الوجوه السبعة التي ذكرها أبو الفضل الرازي تحقق في استقرائها الشروط الثلاثة لأن الرازي لاحظ كل وجوه الاختلاف فوجدها لا تخرج عن هذه السبعة ثم أصدر بعد هذا الاستقراء التام حكما حقيقيا بأنه لا معنى لهذه الأحرف السبعة في الحديث الشريف سوى تلك الأوجه السبعة. وهو حكم يقوم على قضية كلية سالبة كما ترى.
الاعتراض الثاني يقولون: إن طريق تتبع أبي الفضل الرازي وابن قتيبة وابن الجزري وابن الطيب يخالف بعضها بعضا. وهذا يدل على أنه يمكن الزيادة على سبعة وجوه.
ونجيب : بأن مجرد الاختلاف في طرق استقراء هؤلاء الأئمة لا يلزم منه إمكان الزيادة على سبعة في مذهب كل منهم. إنما يلزم ذلك من كان استقراؤه ناقصا دون من كان استقراؤه تاما. وقد أثبتنا أمامك أن استقراء الرازي تام مستوف لجميع شروط الإنتاج. ولا يضيره أن يسلك في طريقة استقرائه سبيلا لم يسلكها مخالفوه فلكل إنسان أن يختار في استقرائه ما شاء من الطرق التي يراها أصوب وأقرب ما دام ملتزما لشرائط إنتاجه. وإذا كان غيره قد وقع في نقص من تتبعه واستقصائه فلا يضير ذلك مذهب الرازي القائم على الاستقراء التام في قليل ولا كثير. {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
الإعتراض الثالث يقولون: إنك قد علمت أن الزيادة إلى سبعة أحرف كان الغرض منها الرخصة وأكثر الأمة يومئذ أمي لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها فحسب والرخصة ليست ظاهرة في قراءة الفعل المبني للمجهول أو للمعلوم أو في إبدال حركة بأخرى أو حرف بآخر أو تقديم وتأخير فإن القراءة بأحدها لا توجب مشقة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المعافاة منها ويقول: "إن الأمة لا تطيق ذلك" ويطلب التيسير على الأمة بإبدال حرف أو تغيير فعل من المضي إلى الأمر أو من البناء للمعلوم إلى البناء للمجهول هذا لا تفيده الروايات السابقة ولا تدل عليه.
ونجيب : بأنا لا نسلم خفاء الرخصة في قراءة الفعل المبني للمجهول أو للمعلوم أو في إبدال حركة بأخرى أو حرف بآخر أو تقديم وتأخير. كيف؟ والرخصة في ذلك ظاهرة أيضا. بل هي ظاهرة فيما كان دونها وهو اختلاف اللهجات مع بقاء الكلمة والحرف،
والحركة والترتيب بين الكلمات والحروف. وهذا نشاهده نحن ونحسه في تيسر أو تعسر بعض صفات الحروف على بعض الناس في النطق دون صفات أخرى. فالبعض يسهل عليه التفخيم دون الترقيق أو الفتحة دون الإمالة أو الإظهار دون الإدغام والبعض يصعب عليه ذلك ويسهل عكسه. فكيف إذا تغيرت الكلمات أو الحروف أو الحركات أو الترتيب.
الاعتراض الرابع يقولون: إنه لا يتصور وجود أوجه الخلاف في القراءات المذكورة في كلمة واحدة حتى يكون ذلك تيسيرا وتخييرا كما تقدم. وإن أرادوا أن ذلك متفرق في القرآن جميعه كالقائل باللغات السبع المتفرقة في القرآن لم يكن ثمة رخصة ولا اختلاف بين الصحابة.
ونجيب : بأن هذا الإعتراض مبني من أساسه على غفلة عن حقيقة هذا المذهب المختار وأشباهه لأنه عبارة عن وجود سبعة إليها ترجع جميع الاختلافات في القراءة دون أن تلتزم هذه الوجوه السبعة في الكلمة الواحدة ودون أن يقال: إنها موزعة أشتاتا على أبعاض القرآن. وإذا فالرخصة متحققة بل لا تتحقق على الوجه الأكمل إلا بهذا القول. وماذا عسى أن يبقى من التيسير والتخفيف وقد جمعت هذه الوجوه كل اختلاف في القراءات متواترها وصحيحها وضعيفها وشاذها بكل طريق من طرق الإختلاف حتى ولو كان في اللهجات ولو وصلت لغات الكلمة إلى سبع وثلاثين كما أسلفنا في كلمة {أُفٍّ} حكاية عن الرماني.
الاعتراض الخامس يقولون: إن الرخصة قد وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها.
وأجيب باحتمال أن يكون الانحصار المذكور وقع اتفاقا وإنما اطلع عليه بالاستقرار والأقعد من هذا في الجواب أن يقال: إن الانحصار المذكور عرف بطريق الاستقراء التام وهو دليل من الأدلة القاطعة كما تقدم الكلام عليه جوابا عن اعتراض سابق. وكون الرخصة وقعت وأكثرهم أميون لا يقدح في بيان الحروف السبعة المذكورة لأن الحاجة لم تكن ماسة إلى تحديد معنى الأحرف السبعة بهذا الوصف العنواني الذي اعتبرت به تلك الوجوه سبعة فحسبهم أن يعلموا أن وجوه الاختلاف بينهم سبعة وجوه ولا يضيرهم ألا يستطيعوا العنونة عنها بما نعنون نحن ما داموا يعرفون السبعة تطبيقا في جميع مفردات القرآن وما داموا يعولون في القراءة على تلقيهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يؤمنون بأنه لا يغادر في إبلاغ القرآن وجها من وجوهه السبعة. ونظير ذلك أنهم كانوا لا يعرفون تلك العناوين والأسماء والقوانين التي تتصل بالإعراب والبناء ولكنهم كانوا يعرفون أكثر منا كيف ينطقون نطقا صحيحا فصيحا منطبقا عليه ما عرفنا نحن بعد من تلك الأسماء والقواعد المتصلة بالإعراب والبناء.
بقاء الأحرف السبعة في المصاحف
...
8- بقاء الأحرف السبعة في المصاحف
ننتقل بك إلى نقطة أخرى: هل الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم لها وجود في المصاحف العثمانية.
ذهب جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أن جميع هذه الأحرف موجودة بالمصاحف العثمانية.
واحتجوا بأنه لا يجوز للأمة أن تهمل نقل شيء منها وأن الصحابة أجمعوا على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك. ومعنى هذا أن الصحف التي كانت عند أبي بكر جمعت الأحرف السبعة ونقلت منها المصاحف العثمانية بالأحرف السبعة كذلك.
وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل متضمنة لها.
وذهب ابن جرير الطبري ومن لفَّ لفَّه إلى أن المصاحف العثمانية لم تشتمل إلا على حرف واحد من الحروف السبعة وتأثروا في هذا الرأي بمذهبهم في معنى الحروف السبعة وما التزموه فيه من أن هذه السبعة كانت في صدر الإسلام أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان.
ثم رأت الأمة بقيادة عثمان أن تقتصر على حرف واحد من السبعة جمعا لكلمة المسلمين فأخذت به وأهملت كل ما عداه من الأحرف الستة ونسخ عثمان المصاحف بهذا الحرف الذي استبقته الأمة وحده. وسيأتي بيان هذا المذهب وما ورد عليه من توهين.
والتحقيق أن القول باشتمال المصاحف العثمانية على الأحرف السبعة كلها أو بعضها يتوقف على أمرين: أحدهما تحديد المراد من الأحرف السبعة وثانيهما الرجوع إلى ما هو مكتوب وماثل بتلك المصاحف في الواقع ونفس الأمر.
ولقد أسلفنا لك ما اخترنا في تحديد المراد من الأحرف السبعة وأنها الأوجه التي يرجع إليها كل اختلاف في القراءات سواء منها ما كان صحيحا وشاذا ومنكرا وأنها تنحصر في سبعة على ما ذكره الرازي الذي حالفه التوفيق في الدقة والاستقراء التام.
ونحن إذا رجعنا بهذه الأوجه السبعة إلى المصاحف العثمانية وما هو مخطوط بها في الواقع ونفس الأمر نخرج بهذه الحقيقة التي لا تقبل النقض ونصل إلى فصل الخطاب في هذا الباب وهو أن المصاحف العثمانية قد اشتملت على الأحرف السبعة كلها ولكن على معنى أن كل واحد من هذه المصاحف اشتمل على ما يوافق رسمه من هذه الأحرف كلا أو بعضا بحيث لم تخل المصاحف في مجموعها عن حرف منها رأسا.
ولنبين ذلك في المذهب الذي اخترناه:
أما الوجه الأول: منه وهو اختلاف الأسماء إفراده وجمعا الخ نحو قوله سبحانه {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} المقروءة بجمع الأمانة وإفرادها فقد اشتمل عليهما المصحف إذ كان الرسم العثماني فيه هكذا:
{لأمنتهم} برسم المفرد في الحروف ولكن عليها ألف صغيرة لتشير إلى قراءة الجمع وغير منقوطة ولا مشكولة.
وأما الوجه الثاني: وهو اختلاف تصريف الأفعال نحو قوله سبحانه {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} المقروءة بكسر الكاف وضمها في الفعل فقد وافقت كلتا القراءتين رسم
المصحف العثماني أيضا لأن هيكل الفعل واحد في الخط لا يتغير في كلتا القراءتين والمصحف العثماني لم يكن معجما ولا مشكولا.
وأما الوجه الثالث: وهو اختلاف وجوه الإعراب كقراءة {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ} بفتح الراء وضمها فإن الرسم يحتملهما كالوجه السابق وهو واضح.
وأما الوجه الرابع: وهو الاختلاف بالنقص والزيادة فمنه ما يوافق الرسم في بعض المصاحف نحو قوله سبحانه في سورة التوبة: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} وقرئ {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} بزيادة لفظ {مِنْ} وهما قراءتان متواترتان وقد وافقت كلتاهما رسم المصحف بيد أن ذات الزيادة توافق رسم المصحف المكي لأن لفظ من ثابتة فيه. أما حذفها فإنه يوافق رسم غير المصحف المكي حيث لم تثبت فيه أي في غير المصحف المكي. ومن هذا الوجه ما لا يوافق رسم المصحف بحال من الأحوال نحو قوله سبحانه: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} وقرأ ابن عباس هكذا "يأخذ كل سفينة صالحة غصبا" بزيادة كلمة صالحة فإن هذه الكلمة لم تثبت في مصحف من المصاحف العثمانية فهي مخالفة لخط المصحف وذلك لأن هذه القراءة وما شاكلها منسوخة بالعرضة الأخيرة أي عرض القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل آخر حياته الشريفة. ويدل على هذا النسخ إجماع الأمة على ما في المصاحف فتلخص مما ذكرنا أن بعض هذا الوجه الرابع اشتملت عليه المصاحف وبعضه لم تشتمل عليه لأنه نسخ.
وأما الوجه الخامس : وهو الاختلاف بالتقديم والتأخير فهو مثل سابقه. منه ما هو موافق لرسم المصحف نحو قوله سبحانه في سورة التوبة: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً} قرئ الفعل بالبناء للفاعل في الأول وللمفعول في الثاني وقرئ بالعكس وهما قراءتان متواترتان ولا يخالف شيء منهما رسم المصحف. ومنه ما خالف رسم المصحف
نحو قوله سبحانه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وقرئ وجاءت سكرة الحق بالموت فإن هذه القراءة الثانية لا يحتملها رسم المصحف وإن كانت منقولة عن أبي بكر الصديق وطلحة بن مطرف وزين العابدين رضي الله عنهم لكنها لم تتواتر فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة وبإجماع الصحابة على المصحف العثماني فلا يجوز القراءة بها بخلاف القراءة الأولى لأنها وافقت خط المصحف واستقرت القراءة بها دون نسخ. ومثل ذلك قوله سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وقرئ إذ جاء فتح الله والنصر فالأولى هي التي وافقت الرسم. والثانية لم توافقه فهي منسوخة أيضا لما ذكرنا.
وأما الوجه السادس: وهو الاختلاف بالإبطال فقد وافق بعضه رسم المصحف وخالفه البعض أيضا. مثال ما وافق الرسم قوله سبحانه: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وقرئ فتثبتوا وهما قراءاتان متواترتان. وتوافق كلتاهما رسم المصحف. ومثال الثاني قراءة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله وقراءة "وتكون الجبال كالصوف المنفوش" فإنهما مخالفتان لرسم المصحف. وذلك لنسخهما بالعرضة الأخيرة أيضا واستقرار الأمر على ما وافق الرسم منه وهو قراءة {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وقراءة {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} .
وأما الوجه السابع: وهو الاختلاف بسبب تباين اللهجات فيوافق رسم المصحف موافقة تامة. لأنه اختلاف شكلي لا يترتب عليه تغيير جوهر الكلمة وهو ظاهر وتجد شواهد كثيرة في خط المصحف تدل على بعض هذا النوع من الاختلاف نحو {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} فإنها رسمت هكذا بياء في الفعل بعد التاء وبقلب ألف موسى ياء ومن غير شكل ولا إعجام.