القارئ:
(وليس واجب بلا اقتدارِ ولا محـرم مع اضـطرارِ)
الشيخ:
هذا البيت يتضمن قاعدتين:
القاعدة الأولى:
أن الواجبات تسقط مع عدم القدرة، والمراد بالقدرة الاستطاعة.
وأنتم تعرفون أن الفِرق قد اختلفت في معنى الاستطاعة:
- فمنهم من يفسر الاستطاعة بالقدرة السابقة للفعل فقط، وهذا مذهب المعتزلة.
- ومنهم من يفسر [الاستطاعة]: بالقدرة المرافقة للفعل، التي تكون عوناً من الله عز وجل، وهذا مذهب الأشاعرة.
- وأهل السنة يفسرون القدرة والاستطاعة بالمعنيين؛ فيقال: المراد بالاستطاعة ما كان قبل الفعل وما كان أثناء الفعل، لكنهم يفارقون المعتزلة في المعنى الأول، فإن المعتزلة يقولون: الاستطاعة السابقة للفعل خاصة من المكلف، ليست منسوبة للشارع، بخلاف أهل السنة.
والمراد بالقاعدة:
أن من لم يكن قادراً على فعل من الأفعال سقط عنه وجوبه.
ودليل ذلك قول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)).
وأنواع القدرة تختلف باختلاف الواجب:
-فالواجبات منها بدنية، فعدم القدرة يكون بعدم وجود جزء البدن المتعلق بذلك الواجب، مثل غسل اليد، قد تقطع اليد؛ فحينئذ لا يتمكن من غسل اليد.
- وقد يكون بعدم قدرة ذلك الجزء على العمل، مثل المُقْعَد الذي لا يستطيع القيام، والواجبات المالية قد يُعجز عنها لعدم وجود المال، أو لعدم القدرة على التصرف فيه، مثل من لم يجد الزاد والراحلة في الحج سقط عنه وجوب الحج.
- وهناك واجبات قولية، تسقط عن الأبكم الذي لا يستطيع الكلام.
وهذه الواجبات على نوعين:
- منها: ما له بدل فإذا عُجز عن الأصل صير إلى البدل، مثل: الوضوء والتيمم.
- ومنها: ما إذا سقط لا يكون له بدل،مثل وجوب الحج إذا سقط عن غير المستطيع.
وإذا تقرر ذلك هل العجز عن بعض الواجب يسقطه ؟
هذا يختلف باختلاف الواجبات.
فإن الواجبات على نوعين:
النوع الأول:واجبات لا تتبعض، وإنما هي جزء واحد، فإذا عجز العبد عن بعضه سقط الجميع.
ومثال ذلك: صاع الفِطرة، إذا عجز الإنسان عن بعضه سقط الجميع.
ومثال آخر: إذا وجبت على الإنسان رقبة وعجز عن بعضها لم يجد إلا نصف رقبة -ملك اليمين- فإنه حينئذ يسقط عنه الواجب.
وهذا يعبر عنه الفقهاء بقولهم: ما لا يتبعض فاختيار بعضه كاختيار كله، أو قالوا: فسقوط بعضه كسقوط كله.
والنوع الثاني: واجبات تتبعض، وليس بعضها مرتبطاً بالآخر، فحينئذ إذا عجز عن البعض لم يسقط الباقي.
مثل:ستر العورة في الصلاة، إذا عجزنا عن ستر بعض العورة وجب علينا ستر الباقي، ويعبر عنه الفقهاء بقولهم: الميسور لا يسقط بالمعسور.
وهناك واجبات تتردد بين الأمرين هل هي وحدة واحدة أو هي أجزاء تتبعض؟ فيقع الخلاف بين الفقهاء.
مثال ذلك: الوضوء، إذا عجز الإنسان عن غسل جميع أعضائه في الوضوء وتمكن من غسل بعض الأعضاء، فهل يجب غسل البعض المقدور عليه ؟ نقول: هل الوضوء يتبعض أو لا يتبعض؟ فإن كان الوضوء يتبعض؛ فإنه حينئذ يجب غسل ما يستطاع منه، وإن كان لا يتبعض؛ فإنه لا يجب الغسل.