12/1251 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الضَّبِّ، وَعَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهُ، وَعَن الْحَنَفِيَّةِ كَرَاهَتَهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وأَظُنُّهُ لا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالنَّصِّ، وَبِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ.
وَقَد احْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن الضَّبِّ. وَفِي إسْنَادِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَرِجَالُهُ شَامِيُّونَ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الشَّامِيِّينَ، فَلا يَتِمُّ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَلِكَ، وَلا قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ: فِيهِ ضَعْفٌ وَمَجْهُولُونَ؛ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلا قَوْلُ الْبَيْهَقِيِّ: فِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ أَنَّهُ رَوَاهُ عَن الشَّامِيِّينَ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُمْ.
وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ، أَنَّهُمْ طَبَخُوا ضِبَاباً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الأَرْضِ، فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ، فَأَلْقُوهَا)).
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالطَّحَاوِيُّ، وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَأُجِيبَ عَن الأَوَّلِ بِأَنَّ النَّهْيَ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ التَّحْرِيمَ، لكنْ صَرَفَهُ هُنَا إلَى الْكَرَاهَةِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((كُلُوهُ؛ فَإِنَّهُ حَلالٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي)). وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرُدُّ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الضَّبِّ: ((لا آكُلُهُ، وَلا أَنْهَى عَنْهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ))؛ وَلِذَا أَعَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، فَقَالَ: بِئْسَمَا مَا قُلْتُمْ، مَا بُعِثَ نَبِيُّ اللَّهِ إلاَّ مُحَرِّماً أَوْ مُحَلِّلاً. كَذَا فِي مُسْلِمٍ.
وَأُجِيبَ عَن الثَّانِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ؛ أَعْنِي خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ أُمَّةً مَمْسُوخَةً، قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَمْسُوخَ لا يَنْسُلُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، أَهِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْماً، أَوْ يَمْسَخْ قَوْماً، فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلاً وَلا عَاقِبَةً)). وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، فَقَالَ: قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَمْسُوخَ لا يَنْسُلُ دَعْوَى؛ فَإِنَّهُ لا يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ، وإنَّمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ، وَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَأُجِيبَ أَيْضاً بِأَنَّهُ لَوْ سَلِمَ أَنَّهُ مَمْسُوخٌ، فلا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ أَكْلِهِ؛ فَإِنَّ كَوْنَهُ كَانَ آدَمِيًّا قَدْ زَالَ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَصْلاً، وَإِنَّمَا كَرِهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَكْلَ مِنْهُ؛ لِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تعالى، كَمَا كَرِهَ الشُّرْبَ مِنْ مِيَاهِ ثَمُودَ.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرَ تَحْرِيمَهُ لَمَا أَمَرَ بِإِلْقَائِهَا، أَوْ بِتَقْرِيرِهِمْ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَلأَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْلِهِ. فَالْجَوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الأَحْسَنُ، وَيُسْتَفَادُ مِن الْمَجْمُوعِ جَوَازُ أَكْلِهِ، وَكَرَاهَتُهُ لِلنَّهْيِ.