634- وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ)). رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلاَّ النَّسائِيَّ، وفيهِ انْقِطَاعٌ.
635- وعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: أَرْسَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الجَمْرَةَ قَبْلَ الفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ، فَأفَاضَتْ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، وإِسْنادُه علَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
درجةُ الحديثَيْنِ:
أمَّا حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ، فحَسَّنَهُ الحافِظُ في الفتحِ، وله طُرُقٌ ذَكَرَها الألْبَانِيُّ في إِرْوَاءِ الغَلِيلِ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، لكنْ قالَ ابْنُ عَبْدِ الهادي والحافِظُ: في إسنادِه انقطاعٌ.
وأمَّا حديثُ عَائِشَة فأَخْرَجَهُ الحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ, ورجالُه رجالُ الصَّحيحِ.
وقالَ ابْنُ عَبْدِ الهادي: رِجَالُه رِجَالُ مُسْلِمٍ، وقالَ البَيْهَقِيُّ: إِسْنَادُه صَحِيحٌ لا غُبَارَ عليه.
مُفْرَداتُ الحديثِ:
-فَأَفَاضَتْ: قالَ الجَوْهَرِيُّ: أفَاضَ النَّاسُ مِن عَرَفَاتٍ إلى جَمْعٍ؛ أي: دَفَعُوا، وكلُّ دَفْعَةٍ إِفَاضَةٌ، والمُرَادُ هنا أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها لَمَّا رَمَتْ جَمْرَةَ العَقَبَةِ أَفَاضَتْ عَلَى مَكَّةَ فطَافَتْ طَوَافَ الإِفَاضَةِ، وهو أَحَدُ أَرْكَانِ الحَجِّ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثَيْنِ:
1-حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ يَدُلُّ على أنَّ وَقْتَ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ لا يَدْخُلُ إِلاَّ بعدَ طُلُوعِ الشمسِ، وحديثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ على جَوازِ رَمْيِها قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ وسيأتي تَحْقيقُ ذلك إنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
2- الحديثانِ يَدُلاَّنِ على جَوازِ دَفْعِ الضَّعَفَةِ مِن النِّسَاءِ والصِّبْيَانِ ونَحْوِهم مِن مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ.
3- حديثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ على أنَّ وَقْتَ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ يَبْدَأُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وحَدَّدَهُ الشافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ بدُخولِ النِّصْفِ الثاني من لَيْلَةِ النَّحْرِ.
قالَ ابْنُ القَيِّمِ: والذي دَلَّتْ عليهِ السُّنَّةُ إِنَّما هو التَّعْجِيلُ بعدَ غَيْبُوبَةِ القَمَرِ، لا نِصْفِ اللَّيْلِ، ولَيْسَ معَ مَن حَدَّه بالنِّصْفِ دَلِيلٌ، واللهُ أعْلَمُ.
4- فيه دَلِيلٌ عَلَى دُخولِ وَقْتِ الإِفَاضَةِ مِن مِنًى إلى البيتِ لطَوَافِ الحَجِّ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ مِن لَيْلَةِ النَّحْرِ، وحَدَّدَهُ الشافِعِيَّةُ والحنابِلَةُ بنصفِ الليلِ.
5- حديثُ عَائِشَةَ أَصَحُّ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، فعندَ تَعَارُضِ الحديثَيْنِ في دُخولِ وَقْتِ الرمْيِ يَكُونُ العَمَلُ بحَديثِ عَائِشَةَ أَوْلَى، على أنَّه يُمْكِنُ الجَمْعُ بينَهما بحَمْلِ حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ على النَّدْبِ وحديثِ عَائِشَةَ على الجَوازِ، معَ أنَّه من الرحْمَةِ واليُسْرِ العَمَلُ بحديثِ عَائِشَةَ في هذه الأَزْمِنَةِ، التي تَضَخَّمَتْ فيهِ أَعْدَادُ الحُجَّاجِ، ووُجِدَتِ المَشَقَّةُ العَظِيمَةُ عندَ رَمْيِ الجِمَارِ.