20/271 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَاناً، وَيُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى، وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ) بِيَاءَيْنِ , تَثْنِيَةُ أُولَى.
(بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أي: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُمَا.
(وَسُورَتَيْنِ) أي: يَقْرَؤُهُمَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةً.
(وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَاناً) وَكَأَنَّهُ مِنْ هُنَا عَلِمُوا مِقْدَارَ قِرَاءَتِهِ.
(وَيُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى) يَجْعَلُ السُّورَةَ فِيهَا أَطْوَلَ مِن الَّتِي فِي الثَّانِيَةِ.
(وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) تَثْنِيَةُ أُخْرَى.
(بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
في الحديثِ دَلالَةٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِن الْأُولَيَيْنِ، وَأَنَّ هَذَا كَانَ عَادَتَهُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ "كَانَ يُصَلِّي"؛ إذْ هِيَ عِبَارَةٌ تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ غَالِباً.
وَإِسْمَاعُهُم الْآيَةَ أَحْيَاناً دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْإِسْرَارُ فِي السِّرِّيَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ.
وَفِي قَوْلِهِ: "أَحْيَاناً" مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ الظُّهْرَ وَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَلَكِنْ قَالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَوَجْهُهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا: وَظَنُّنَا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ: إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يُطَوِّلَ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِن كلِّ صلاةٍ حتى يَكْثُرَ الناسُ في الأولى، ويُقَصِّرَ في الثانيةِ.
والظاهرُ أن التطويلَ يكونُ بطولِ السورةِ في الرَّكْعَةِ الأولَى.
وَقَدِ ادَّعَى ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ التَّطْوِيلَ إنَّمَا هُوَ بِتَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْمَقْرُوءِ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ: كَانَ يُرَتِّلُ السُّورَةَ حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا.
وَقِيلَ: إنَّمَا طَالَتِ الْأُولَى بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِيهَا فَهُمَا سَوَاءٌ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي مَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى إنْ كَانَ يَنْتَظِرُ أَحَداً، وَإِلاَّ فَيُسَوِّي بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُزَادُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ فِي الْمَغْرِبِ، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ قَدْ أَخْرَجَ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ طَرِيقِ الصُّنَابِحِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ يَقْرَأُ فِيهَا: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا} الْآيَةَ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلاَنِ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِه (1) أَنْ يُخْبِرَ الْإِنْسَانُ بِالظَّنِّ؛ فإنَّ مَعْرِفَةَ الْقِرَاءَةِ بِالسُّورَةِ لاَ طَرِيقَ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ. وَإِسْمَاعُ الْآيَةِ أَحْيَاناً لاَ يَدُلُّ عَلَى قِرَاءَةِ كُلِّ السُّورَةِ.
وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ بِالظَّنِّ ، وَكَذَا حَدِيثُ خَبَّابٍ حِينَ سُئِلَ: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. وَلَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ فِيهِمَا بِخَبَرٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرُوهُ.
(1) كذا بالأصل، ولعل الصواب: جوازِ.