القارئ:
(وإن روى عمن دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء).
الشيخ:
(دون) هنا إما أن يكون دونه في السن، أو دونه في الشرف والمقدار، فإذا كان المروي عنه دون الراوي في السن، يعني: أصغر من الراوي في السن، أو كان أقل من الراوي علماً وفضلاً، فهذا يسمى من رواية الأكابر عن الأصاغر.
العلماء رحمهم الله في الاصطلاح يقسمون رواية الأكابر عن الأصاغر إلى ثلاثة أقسام:
الأول:
أن يكون الراوي أكبر سناً وطبقةً من المروي عنه، وهذا كرواية:يحيى بن سعيد الأنصاري، عن تلميذه الإمام مالك، فيحيى الأنصاري أكبر سناً من تلميذه الإمام مالك.
وأحياناً يكون الراوي أكبر قدراً وعلماً ممن روى عنه، ولكنه أصغر سناً، وهذا مثلوا له برواية الإماممالك، عن عبد الله بن دينار،عبد الله بن دينار من شيوخ الإمام مالك، وهو من الثقات، ومتوفى قبل الإمام مالك بما يزيد على خمسين سنة، ولكن الإمام مالك أجل قدراً وأعظم من عبد الله بن دينار، فعبد الله بن دينار أكبر سناً، لكن الإمام مالك أكبر قدراً، وعلماً، وفضلاً.
فهذه الرواية يسميها العلماء رواية الأكابر عن الأصاغر، يعني: رواية الأكابر في علمهم وفضلهم، عن الأصاغر.
وأحياناً يجتمع الأمران؛ يكون من رواية الأكابر عن الأصاغر في السن والقدر، يعني: يجتمع له كبر السن وكبر القدر، ابن مسعود رضي الله عنه، روى عن زر بن حبيش،زر بن حبيش من الرواة عنابن مسعود،وابن مسعود أكبر سناً وأعظم قدراً من زر،ابن عباس رضي الله عنه روى عن مولاه كريب، وابن عباس أكبر قدراً وأكبر سناً من مولاه كريب، رواية البخاري، عن الترمذي هذه من راوية الأكبر سناً وقدراً؛ لأن البخاري أكبر سناً من الترمذي؛ لأنه من شيوخه وأكبر قدراً.
الإمام أحمد روى هو وإسحاق بن راهويه، عن شيخهما عبيد الله بن موسى العبسي هو أكبر سناً، ولكنهما أكبر قدراً منه، فتحصل عندنا أن: رواية الأكابر عن الأصاغر:
1- إما أن يكون أكبر قدراً وسناً.
2- وأما أن يكون أكبر سناً.
3- وإما أن يكون أكبر قدراً لا سناً، هي ثلاثة أقسام.
رواية الأكابر عن الأصاغر هذه لها فائدة، وهي:
ألا يظن أن في الإسناد انقلابا بالتقديم والتأخير؛ لأنه إذا صار عندنا حديث يرويه صالح بن كيسان، عن الإمام مالك، صالح بن كيسان من شيوخ مالك، فإذا روى عن الإمام من رواية الأكابر عن الأصاغر ظن بعض الناس أن الإسناد منقلب، وأن الأصل أن يقدم صالح ثم يأتي بعده مالك.
أو مثلاً:
رأى في الإسناد رواية ابن عباس عن كريب، فاعتقد أن الإسناد فيه خطأ، وأن الصحيح أنه كريب، عن ابن عباس؛ لأنه هو العادة والكبير هو ابن عباس، والصغير كريب، فيذكره العلماء حتى لا يقع الإنسان في الغلط.
ومن هذا النوع رواية الصحابي عن التابعي،
الصحابة رووا عن التابعين عن الصحابة، فسهل بن سعد رضي الله عنه روى عن مروان بن الحكم، وهو تابعي، عن زيد بن ثابت في تفسير قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}، هذا في صحيح البخاري،والسائب بن يزيد، وهو صحابي روى عن عبدٌ الرحمن بن عبد القارئ - بتنوين عبدٌ - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(فيمن نام عن حزبه من الليل)، وهو في (صحيح مسلم)، فالصحابي يروي عن التابعي عن الصحابي، وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر؛ لأن الصحابة أكبر قدراً، وقد يكونون أكبر سناً من بعض التابعين، أو هي العادة أنهم أكبر سناً من التابعين، إن لم يكونوا من المخضرمين.
فالمطلع على هذا الإسناد إذا لم يعلم أن هناك رواية الأكابر عن الأصاغر يظن أن في الإسناد غلطاً، وأن الصحيح مروان، عن سهل، عن زيد، أو أن مروان هنا مقحم لا علاقة له في الرواية، يعني: أدرج إدراجاً على الإسناد، أو أدخل في الإسناد وليس منه، فيظن أن الصحيح: سهل عن زيد.
************************
القارئ:
(ومنه الآباء عن الأبناء).
الشيخ:
(ومنه) يعني: من رواية الأكابر عن الأصاغر (رواية الآباء عن الأبناء) فيروي الأب عن ابنه، العادة أن الذي يروي الابن عن أبيه، ولكن أحياناً يروي الأب عن ابنه.
ورواية الأب عن ابنه:
- إما أن تكون من رواية الأكابر عن الأصاغر سناً،
وهذا مجزوم به؛ لأن الأب أكبر من الولد.
- وقد يجتمع له كبر السن والقدر:
-اما السن فمقطوع به.
- أما القدر فقد يكون أكبر قدراً من ابنه، وقد يكون دونه، فعندنا روى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن ابنه الفضل، الأصل الفضل عن العباس فهذه من رواية الأكابر عن الأصاغر.
القارئ:
(وفي عكسه كثرة).
الشيخ:
رواية الأبناء عن الآباء، أو رواية الأصاغر عن الأكابر. لأن رواية الصغير عن الكبير هذه كثيرة جداً، خاصة ما يتعلق بالسن، فأكثر الرواة يروي عمن هو في سنه أو أكبر منه، ولا يروي عمن دونه إلا قليلاً، وكذلك: رواية الأبناء عن الآباء كثيرة، كثيراً ما يقع: حدثني أبي، حدثني أبي.
القارئ:
(ومنه من روى عن أبيه عن جده).
الشيخ:
يعني ومن رواية الأبناء عن الآباء ما رواه عن أبيه عن جده.
رواية الأبناء عن الآباء ثلاثة أقسام:
- رواية الابن عن الأب المسمى،
يقول: حدثني أبي، وهذه كثيرة، عبد الله بن عمر عن أبيه، عبد الله بن عمرو، في الصحابة كثيرة.
- يأتي بعد ذلك رواية الابن عن الأب غير المسمى،
مثل: رواية أبي العشراء الدارمي عن أبيه، أبوه هذا غير مسمى، الولد يكنى بأبي العشراء عن أبيه، لا يدرى من أبوه، فهذا رواية الابن عن أبيه غير المسمى.
والثالث:
رواية الابن عن أبيه عن جده، إذا قالوا: روى عن أبيه عن جده، وهذه كثيرة، وجمع فيها العلاءكتاباً، الجد أحياناً يراد به الجد الأدنى، وهو أب الأب، وأحياناً يراد به الجد الأعلى.
- صحيفةعمرو بن شعيب، وبهز بن حكيم، فكثيراً: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عمرو، هوعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص
فقوله: عمرو بن شعيب، عن أبيه، أي: شعيب عن جده، أي: جد شعيب، وهو عبد الله بن عمرو، وليس المراد عن جده أي: جد عمرو؛ لأنه لو كان عن جده لصار
محمداً، ومحمد تابعي لم يدرك النبي عليه الصلاة والسلام، فصار عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده يراد بهعمرو.. فيكونعبد الله بن عمرو بالنسبة إلىعمرو بن شعيب، جد أبيه، فهو جده الأعلى، ليس جده المباشر، فهذا النوع يطلقونه أحياناً، يقولون: عن أبيه، عن جده، ويقصدون الجد الأعلى الذي هو جد الأب، لا جد الراوي، وبهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، يروي عن أبيه، عن جده. والمراد هنا الجد الأدنى بهز عن أبيه، الذي هو حكيم، عن جده، أي: جد بهز، وهو معاوية بن حيدة الصحابي، فصار عندنا رواية الرجل، عن أبيه، عن جده، أحياناً يراد بها الجد الأعلى، وهو جد الأب، أو يراد بها الجد الأدنى، وهو جد الراوي مباشرة.