وَقَالَ غُرَيْقَةُ بْنُ مُسَافِعٍ الْعَبْسِيُّ:
تَقُولُ سُلَيْمَى مَا لِجِسْمِكَ شَاحِبًا = كَأَنَّكَ يَحْمِيكَ الشَّرَابُ طَبِيبُ
فَقُلْتُ وَلَمْ أَعْيَ الْجَوَابَ وَلَمْ أُلِحْ = ولِلدَّهْرِ فِي صُمِّ السِّلاَمِ نَصِيبُ
تَتَابُعُ أَحْدَاثٍ تَخَرَّمْنَ إِخْوَتِي = وَشَيَّبْنَ رَأْسِي وَالْخُطُوبُ تُشِيبُ
أَتَى دُونَ حُلْوِ الْعَيْشِ حَتَّى أَمَرَّهُ = نُكُوبٌ عَلَى آثَارِهِنَّ نُكُوبُ
لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتْ أَصَابَتْ مُصِيبَةٌ = أَخِي وَالْمَنَايَا لِلرِّجَالِ شَعُوبُ
أَخِي كَانَ يَكْفِينِي وَكَانَ يُعِينُنِي = عَلَى نَائِبَاتِ الدَّهْرِ حِينَ تَنُوبُ
هَوَتْ أُمُّهُ مَاذَا تَضَمَّنَ قَبْرُهُ = مِنَ الْجُودِ وَالْمَعْرُوفِ حِينَ يَنُوبُ
جَمُوعُ خِلاَلِ الْخَيْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ = إِذَا جَاءَ جَيَّاءٌ بِهِنَّ ذَهُوبُ
مُفِيدٌ مُلَقَّى الْقَائِدَاتِ مُعَوَّدٌ = لِفِعْلِ النَّدَى لِلْمُعْدَمَاتِ كَسُوبُ
فَتًى لاَ يُبَالِي أَنْ يَكُونَ بِجِسْمِهِ = إِذَا نَالَ خَلَّاتِ الْكِرَامِ شُحُوبُ
غَنِينَا بِخَيْرٍ حِقْبَةً ثُمَّ جَلَّحَتْ = عَلَيْنَا الَّتِي كُلَّ الرِّجَالِ تُصِيبُ
فَأَبْقَتْ قَلِيلاً ذَاهِبًا وَتَجَهَّزَتْ = لآخَرَ وَالرَّاجِي الْحَيَاةَ كَذُوبُ
وَأَعْلَمُ أَنَّ الْبَاقِيَ الْحَيَّ مِنْهُمَا = إِلَى أَجَلٍ أَقْصَى مَدَاهُ قَرِيبُ
فَلَوْ كَانَ مَيْتٌ يُفْتَدَى لَفَدَيْتُهُ = بِمَا لَمْ تَكُنْ عَنْهُ النُّفُوسُ تَطِيبُ
بِعَيْنَيَّ أَوْ يُمْنَى يَدَيَّ وَقيِلَ لِي = هُوَ الْغَانِمُ الْجَذْلاَنُ حِينَ يَؤُوبُ
فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ أَحْسَنَّ مَرَّةً = إِلَيَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّ ذُنُوبُ
كَثِيرُ رَمَادِ القِدْرِ رَحْبٌ فِنَاؤُهُ = إِلَى سَنَدٍ لَمْ تَحْتَجِنْهُ غُيُوبُ
قَرِيبٌ ثَرَاهُ لاَ يَنَالُ عَدُوُّهُ = لَهُ نَبَطًا عِنْدَ الْهَوَانِ قَطُوبُ
لَقَدْ أَفْسَدَ الْمَوْتُ الْحَيَاةَ وَقَدْ أَتَى = عَلَى يَوْمِهِ عِلْقٌٌ إِلَيَّ حَبِيبُ
حَلِيمٌ إِذَا مَا الْحِلْمُ زَيَّنَ أَهْلَهُ = مَعَ الْحِلْمِ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ مَهِيبُ
إِذَا مَا تَرَاءَاهُ الرِّجَالُ تَحَفَّظُوا = فَلَمْ تُنْطَقِ الْعَوْرَاءُ وَهْوَ قَرِيبُ