دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #3  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


أصْلُ الإسلامِ الشهادتانِ
قولُه: ( فهذا أَصْلٌ عظيمٌ على الْمُسْلِمِ أن يَعْرِفَه فإنه أصْلُ الإسلامِ الذي يَتَمَيَّزُ به أهلُ الإيمانِ من أهْلِ الكُفْرِ، وهو الإيمانُ بالوحدانيَّةِ والرسالةِ ( شهادةُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ ) وقد وَقَعَ كثيرٌ من الناسِ في الإخلالِ بحقيقةِ هذين الأصلَيْنِ، أو أحدِهما مع ظَنِّه أنه في غايةِ التحقيقِ والتوحيدِ، والعلْمِ والْمَعْرِفَةِ. فإقرارُ المرءِ بأنَّ اللهَ ربُّ كلِّ شيءٍ ومَلِيكُه وخالِقُه لا يُنْجِيه من عذابِ اللهِ، إن لم يَقْتَرِنْ به إقرارُه بأنه لا إلهَ إلا اللهُ فلا يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ أحدٌ إلا هو. وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ فيَجِبُ تصديقُه فيما أَخْبَرَ، وطاعتُه فيما أَمَرَ، فلا بُدَّ من الكلامِ في هذينِ الأصلَيْنِ ).

التوضيحُ
بعدَ أن بَيَّنَ أنَّ الضَّلالَ في الأمْرِ والنهيِ والوَعْدِ والوعيدِ-وهو الشرْعُ-أعْظَمُ من الضلالِ في القدَرِ، أرادَ أن يُبَيِّنَ أنَّ أَصْلَ الشرْعِ مَبْنِيٌّ على الشهادةِ فشَهادةُ أن لا إلهَ إلا اللهُ تَعْنِي وَحدانيَّةَ اللهِ في عُبوديَّتِه، وشهادةُ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ تَعْنِي مُتابَعَةَ الرسولِ في تحقيقِ تلك العُبودِيَّةِ، فالوحدانيَّةُ والرسالةُ هما حقيقةُ الشرْعِ، وهما اللذان يُفَرَّقُ بهما بينَ المسلمينَ وغيرِهم، لا مُجَرَّدُ الربوبيَّةِ.

وقد لَخَّصَ العُلَماءُ ( شَهادةَ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ ) بما يَلِي:
تصديقُه فيما أَخْبَرَ.
طاعتُه فيما أَمَرَ.
اجتنابُ ما نَهَى عنه وزَجَرَ.
أن لا يُعْبَدَ اللهُ إلا بما شَرَعَ.

وسَيُفَصِّلُ شيخُ الإسلامِ في هذينِ الأصلينِ، وهما الوحدانيَّةُ، أي:توحيدُ الأُلوهيَّةِ والرسالةِ كما يَلِي:

الأصْلُ الأوَّلُ: توحيدُ الأُلُوهِيَّةِ
قولُه: ( الأصْلُ الأوَّلُ: توحيدُ الأُلوهِيَّةِ فإنه سبحانَه أخْبَرَ عن الْمُشركينَ - كما تَقَدَّمَ - بأنهم أَثْبَتُوا وسائِطَ بينَهم وبينَ اللهِ يَدْعُونَهم ويَتَّخِذُونَهم شُفعاءَ بدونِ إذنِ اللهِ. قالَ تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ * وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
وقالَ عن مؤمِنِ يس: { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِي عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينِ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ } وقالَ تعالى: { وَلَقَدْ جَئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ * وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَراَءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ } وقالَ تعالى: { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَ لَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.

وقالَ تعالى: { مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ } وقالَ أيضًا: { وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } وقالَ تعالى: { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وقالَ تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } وقالَ تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ * لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }.

وقالَ تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهُمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا }.

قالَ طائفةٌ من السلَفِ: كان قومٌ يَدْعُون العُزَيْرَ والمسيحَ والملائكةَ فأَنْزَلَ اللهُ هذه الآيةَ،يُبَيِّنُ فيها أنَّ الملائكةَ والأنبياءَ يَتَقَرَّبون إلى اللهِ ويَرْجُون رَحْمَتَه ويَخافون عَذَابَه ).

التوضيحُ

هذه الفِقرةُ غيرُ مُحتاجَةٍ لإيضاحٍ،ولكن نَتَنَاوَلُها من خلالِ مسائلَ أربعٍ كما يَلِي:

أوَّلاً: إنَّ شِرْكَ العَرَبِ كان في توحيدِ الألوهيَّةِ كما سَبَقَ، وذلك باتِّخاذِهِم وسائطَ يَعْبُدُونَهم ويَزْعُمون أنها شفعاؤُهم عندَ اللهِ كما قالَ تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ * وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. وغيرُها من الآياتِ المذكورةِ في الرسالةِ.

ثانيًا: إن الشفاعةَ جميعَها مَرَدُّها إلى اللهِ تعالى وَحْدَه فلا يَسأَلُ الشفاعةَ أحدٌ إلا من اللهِ،كما قالَ تعالى: { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَ لَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.

ثالثًا: إنَّ للشفاعةِ شَرْطَيْنِ هما:
الإذنُ للشافِعِ أن يَشْفَعَ.
الرِّضَا عن المشفوعِ له.
ودليلُ هذينِ الشرْطَيْنِ قولُه تعالى: { وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى } وفي هذا تأكيدٌ لِمَا سَبَقَ من أنَّ الشَّفاعةَ للهِ وَحْدَه.

رابعًا: في قولِه تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا }.

قالَ شيخُ الإسلامِ: ( قالَتْ طائفةٌ من السلَفِ: كان قومٌ يَدْعونَ الْعُزَيْرَ والمسيحَ والملائكةَ فأَنْزَلَ اللهُ هذه الآيةَ؛ يُبَيِّنُ فيها أنَّ الملائكةَ والأنبياءَ يَتَقَرَّبُونَ إلى اللهِ ويَرجونَ رحمتَه ويَخافون عَذابَه ) أقولُ: هذا القولُ في سببِ النزولِ مَنْقُولٌ عن ابنِ عبَّاسٍ، ومُجاهِدٍ والحسَنِ، وهناك قولٌ ثانٍ ثابتٌ عن ابنِ مسعودٍ في صحيحِ مسلِمٍ وفيه أنها نَزَلَتْ في نَفَرٍ من العَرَبِ كانوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا من الْجِنِّ، فأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ، والإنسُ الذين يَعْبُدُونَهم لا يَشْعُرونَ، واختارَ هذا السببَ ابنُ جريرٍ، وَرَدَّ السببَ الأوَّلَ. وهناك سببٌ ثالثٌ وهو أنه أصابَ المشرِكينَ قَحْطٌ حتى أَكَلُوا الكِلابَ والْجِيَفَ، فاستغاثوا بالنبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ لِيَدْعُوَ لهم،فنَزَلَتْ هذه الآيةُ، وهذا ذَكَرَه بعضُ الْمُفَسِّرِينَ ولم يُسْنِدُوه، واللهُ أَعْلَمُ.

وقالَ ابنُ القَيِّمِ في معنى الآيةِ: " والمعنى أنَّ الذين تَدْعُونَهُم من دونِ اللهِ من الملائكةِ والأنبياءِ والصالحينَ يَتَقَرَّبُون إلى ربِّهم ويَخافونَه ويَرجونَه فهم عَبيدُه،كما أنكم عَبيدُه فلماذا تَعْبُدونَهم من دونِ اللهِ، وأنتم وهم عَبيدٌ له ".

تحقيقُ الشهادةِ بإفرادِه بجميعِ العِباداتِ
قولُه: ( ومن تحقيقِ التوحيدِ أن يُعْلَمَ أنَّ اللهَ تعالى أَثْبَتَ له حقًّا لا يَشْرَكُه فيه مخلوقٌ كالعِبادةِ والتوكُّلِ والخوفِ والتقوى، كما قالَ تعالى: { لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً } وقالَ تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } وقالَ تعالى: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } إلى قولِه:{ الشَّاكِرِينَ } وكلُّ واحدٍ من الرُّسُلِ قالَ لقومِه { اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }.
وقد قالَ تعالى في التوكُّلِ { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} وقالَ:{ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } وقالَ: { قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }.

التوضيحُ

سَبَقَ بيانُ العِبادةِ وأنها كُلُّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَرضاه من الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطِنَةِ، وأَرادَ شيخُ الإسلامِ أن يُبَيِّنَ أنَّ حقيقةَ التوحيدِ هي إفرادُ اللهِ بجميعِ العِباداتِ الظاهرةِ منها كالصلاةِ والصيامِ والْحَجِّ وغيرِها، والباطنَةِ كالتوكُّلِ والخوفِ والتَّقْوَى والْمَحَبَّةِ وغيرِها، فذَكَرَ هنا الأدلَّةَ على إخلاصِ العِبادَةِ للهِ إِجمالاً، وهي:
قولُه: { لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ }.
وقولُه: { فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ }.
وقولُه: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ }.
وقولُه: { اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }. ثم ذَكَرَ أدلَّةَ التوَكُّلِ، وسيأتي بعدَ ذلك بأدلَّةِ الخوْفِ والْخَشْيَةِ والتَّقْوَى.
وَقْفَةٌ مع قولِه تعالى: { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ }.
قولُه: ( وقالَ تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ * سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ * إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ } فقالَ في الإيتاءِ: { مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ} وقالَ في التوكُّلِ: { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ } ولم يَقُلْ: ورسولُه؛ لأنَّ الإيتاءَ هو الإعطاءُ الشرْعيُّ، وذلك يَتَضَمَّنُ الإباحةَ والإحلالَ الذي بَلَّغَهُ الرسولُ، فإنَّ الْحَلالَ ما أَحَلَّه، والحرامَ ما حَرَّمَهُ، والدِّينَ ما شَرَعَهُ، قالَ تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }.

وأمَّا الْحَسْبُ فهو الكافي، واللهُ وَحْدَه هو كافٍ عبدَه، كما قالَ تعالى: { الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ * فَاْخَشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا * وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } فَهُوَ وَحْدَهُ حَسْبُهُمْ كُلِّهِمْ ).

التوضيحُ

هنا قالَ تعالى في التوكُّلِ حَسْبُنا اللهُ أي:كافينا، ولم يَقُلْ ورسولُه، بينَما قالَ في الإيتاءِ: { سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } وقبلَ ذلك قالَ: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ }.
والسببُ في ذلك أنَّ الإيتاءَ هو الإعطاءُ الشرْعيُّ من الإباحةِ والتحريمِ الذي شَرَعَه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لذلك قالَ تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }.
وأمَّا الْحَسْبُ فهو الكافي واللهُ تعالى وَحْدَه كافٍ عِبادَه،كما قالَ تعالى: { أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } وقالَ: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } قالَ ابنُ كثيرٍ: ( فتَضَمَّنَتْ هذه الآيةُ الكريمةُ أَدَبًا عظيمًا وسِرًّا شريفًا، حيث جَعَلَ الرِّضَا بما آتاه اللهُ ورسولُه، والتوكُّلَ على اللهِ وَحْدَه، وهو قولُه: { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ } ).

وَقْفَةٌ مع قولِه تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
قولُه: ( وقالَ تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أي:حَسْبُكَ وحَسْبُ مَن اتَّبَعَكَ من المؤمنينَ هو اللهُ، فهو كافيكم كلِّكم، وليس المرادُ: أنَّ اللهَ والمؤمنينَ حَسْبُكَ، كما يَظُنُّه بعضُ الغالِطِينَ، إذ هو وَحْدَه كافٍ نبيَّهُ، وهو حَسْبُه، ليس معه مَن يكونُ هو وإيَّاه حَسْبًا للرسولِ، وهذا في اللغةِ كقولِ الشاعِرِ " فحَسْبُكَ والضَّحَّاكَ سيفٌ مُهَنَّدٌ " وتقولُ العرَبُ: حسْبُكَ وزيدًا دِرْهَمٌ، أي:يَكفيكَ وزَيْدًا جميعًا دِرْهَمٌ ).

التوضيحُ

اختُلِفَ في معنى هذه الآيةِ على ثلاثةِ أقوالٍ:

الأوَّلُ: حَسْبُكَ وحَسْبُ مَن اتَّبَعَكَ من المؤمنينَ هو اللهُ، وهذا قولُ جمهورِ المفسِّرينَ اختارَه ابنُ جَريرٍ وابنُ كثيرٍ وهو مَنقولٌ عن عبدِ الرحمنِ بنِ زيدٍ وعَطاءٍ، فيكونُ المعنى كافِيَكَ اللهُ وكافِيَ مَن اتَّبَعَكَ من المؤمنينَ، ( فمَنْ ) في مَحَلِّ جَرٍّ بالعَطْفِ على الكافِ في حَسْبُكَ.

الثاني: حَسْبُكَ اللهُ والمؤمنون، فتكونُ ( مَن ) في مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفًا على اسمِ اللهِ تعالى، وهذا الذي غَلَّطَه شيخُ الإسلامِ هنا، وقد نُقِلَ عن الْحَسَنِ، وعَزاه القُرطبيُّ إلى النَّحَّاسِ.

الثالثُ: يَكفيكَ اللهُ ويَكْفِي مَن اتَّبَعَكَ من المؤمنينَ، فتكونُ ( مَن ) في مَحَلِّ نصْبِ مفعولٍ معه، وهذا المعنى موافِقٌ للمعنى الأوَّلِ، وإنما الاختلافُ في الإعرابِ فقط، وقد نَسَبَه الشوكانيُّ إلى النَّحَّاسِ أيضًا،حيث قالَ " واختارَ النصْبَ على المفعولِ معه النحَّاسُ ".
ولا يَصِحُّ القولُ بأنَّ المعنى " حَسْبُكَ اللهُ وحَسْبُكَ المؤمنونَ " لأنَّ الحسْبَ والكِفايةَ والتوكُّلَ للهِ تعالى وَحْدَه، ولا يُوجَدُ آيةٌ في كِتابِ اللهِ أَسْنَدَت الْحَسْبَ إلى غيرِه،وقد سَبَقَت الآياتُ في ذلك، وأمَّا قولُه: { وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } فهنا فَرَّقَ بينَ الْحَسْبِ فجَعَلَه للهِ وَحْدَه وبينَ التأييدِ بالنصْرِ وبالمؤمنينَ.
فإن قيلَ في قولِه: { حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ } لا يَصِحُّ تقديرُ الجَرِّ؛لأنَّ العَطْفَ على الضميرِ المجرورِ من غيرِ إعادةِ الجارِّ ضَعَّفَهُ عُلماءُ اللغةِ كما قالَ ابنُ مالِكٍ:

" وعَوْدُ خافِضٍ لَدَى عَطْفٍ على = ضميرِ خَفْضٍ لازِمًا قد جُعِلاَ "

فالجوابُ: أنَّ هذا صَحَّحَه جماعةٌ من العُلَماءِ، وشواهدُه كثيرةٌ في الشعْرِ والنثْرِ، لذلك قالَ ابنُ مالِكٍ:

وليس عندي لازِمًا إذا قد أَتَى = في النظْمِ والنَّثْرِ الصحيحِ مُثْبَتًا

والصحيحُ في هذا، جَوازُ التقديراتِ الثلاثةِ؛الْجَرِّ والنصْبِ والرفْعِ، فالجَرُّ كما سَبَقَ عَطْفًا على الكافِ، والنصْبُ بكونِ ( من ) مفعولاً معه كما قالَ الشاعِرُ:

" إذا كانت الْهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ الْعَصَا = فحَسْبُكَ والضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ "

والرفْعُ ( بِجَعْلِ مَن ) مبتدأً خبَرُه محذوفٌ، والتقديرُ: حَسْبُكَ اللهُ، ومَن اتَّبَعَكَ من المؤمنين حَسْبُهُم اللهُ أيضًا. واللهُ أَعْلَمُ.
وفَضَّلَ ابنُ القيِّمِ النصْبَ كما تقولُ: حَسْبُكَ وزيدًا دِرْهَمٌ، وهو مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَه شيخُ الإسلامِ.

متابَعَةُ الأدلَّةِ على وُجوبِ إفرادِ اللهِ بجميعِ العِباداتِ
قولُه: ( وقالَ في الخوفِ والْخَشيَةِ والتَّقْوَى:{ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } فأَثْبَتَ الطاعةَ للهِ وللرسولِ، وأَثْبَتَ الْخَشيةَ والتقوى للهِ وَحْدَه، كما قالَ نوحٌ عليه السلامُ { إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ }. فجعلَ العِبادةَ والتَّقْوَى للهِ وَحْدَه، وجَعَلَ الطاعةَ له، فإنه مَن يُطِعِ الرسولَ فقد أَطاعَ اللهَ، وقد قالَ تعالى: { فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } وقالَ تعالى: { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } وقالَ الخليلُ عليه السلامُ: { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } وقالَ تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }.

وفي الصحيحينِ عن ابنِ مَسعودٍ أنه قالَ:" لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآيةُ شَقَّ على أصحابِ رسولِ اللهِ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: وأَيُّنَا لم يَظْلِمْ نَفْسَه؟ فقالَ النبيُّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما هو الشرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا إلى قولِ العبْدِ الصالِحِ:{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } وقالَ تعالى: { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }، { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } ).

التوضيحُ

ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ هنا بعضَ العِباداتِ الباطِنةِ التي يَجِبُ إفرادُ اللهِ تعالى بها، ومنها الخوفُ والْخَشيةُ والتقوى، ولم يُرِدْ هنا بيانَ جميعِها ولا أعْظَمِها، وإنما المقصودُ بيانُ وجوبِ إفرادِ اللهِ بها، ففي قولِه تعالى: { مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقِهِ } فجَعَلَ الطاعةَله تعالى ولرسولِه، وأَمَّا الْخَشيةُ والتقوى فخَصَّها له وَحْدَه، والفرْقُ بينَ الخوفِ والْخَشيةِ - كما قالَ ابنُ القيِّمِ - أنَّ الْخَشيةَ أخَصُّ من الخوفِ فهي خوفٌ مَقرونٌ بمعرِفَةٍ، ولذلك قَرَنَها اللهُ تعالى بالعُلَماءِ، كما في قولِه تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }.

وأُصولُ العِبادةِ هي الْمَحَبَّةُ والخوفُ والرجاءُ، وقد جَمَعَهَا اللهُ تعالى في قولِه: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } فابتغاءُ القُرْبِ إشارةٌ إلى الْمَحَبَّةِ، ثم الرجاءُ، وبَعدَه الخوفُ، وجَعَلَ ابنُ القيِّمِ مَنزِلَةَ الْمَحَبَّةِ أرْفَعَ من مَنْزِلَةِ الخوفِ، وذلك لسببينِ:

أحدُهما: أنَّ الْمَحَبَّةَ مقصودةٌ لذاتِها، وأمَّا الخوفُ فمقصودٌ لغيرِه، ولذلك يَزولُ بزوالِ الْمَخُوفِ، فأَهْلُ الجنَّةِ لا خوفٌ عليهم، ولا هم يَحْزَنُون.

ثانيهما: أنَّ الخوفَ يَتَعَلَّقُ بأفعالِ اللهِ، والْمَحَبَّةَ تَتَعَلَّقُ بذاتِه وصِفاتِه؛ ولهذا تَتَضَاعَفُ مَحَبَّةُ المؤمنينَ لرَبِّهِم إذا دَخَلوا الْجَنَّةَ.

فائدةٌ في حَديثينِ

قولُه: ( ومِن هذا البابِ أنَّ النبيَّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقولُ في خُطْبَتِه:" مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ إِلاَّ نَفْسَهُ، وَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا " وقالَ:" لاَ تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ " ففي الطَّاعةِ قَرَنَ اسمَ الرسولِ باسمِه بحرْفِ الواوِ، وفي المشيئةِ أمَرَ أن يُجْعَلَ ذلك بحرفِ " ثم "؛وذلك لأنَّ طاعةَ الرسولِ طاعةٌ للهِ، فمَن أطاعَ الرسولَ فقد أَطاعَ اللهَ، وطاعةَ اللهِ طاعةُ الرسولِ بخِلافِ المشيئةِ، فليست مشيئةُ أحدٍ من العِبادِ مشيئةً للهِ، ولا مَشيئةُ اللهِ مُستلزِمَةً لمشيئةِ العِبادِ، بل ما شاءَ اللهُ كان، وإن لم يَشَأ الناسُ، وما شاءَ الناسُ لم يكنْ، إن لم يَشَأ اللهُ ).

التوضيحُ

بعدَ أنْ ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ بعضَ الدقائِقِ القُرآنِيَّةِ والأسرارِ البَلاغيَّةِ قالَ هنا: إنَّ من هذه الدقائِقِ كثيرًا في السنَّةِ أَيْضًا، ومنها حَديثان نُوَضِّحُهما كما يَلِي:

الحديثُ الأوَّلُ: " مَنْ يُطِعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشَدَ ومَن يَعْصِهِما فلا يَضُرُّ إلا نفسَه.... " والحديثُ روايةٌ من رواياتِ خُطْبَةِ الحاجَةِ،ضَعَّفَ هذه الروايةَ الْمُنْذِرِيُّ والشوكانيُّ والألبانيُّ، وصَحَّحَها النوويُّ، ولا يَضُرُّ تضعيفُها بما أَرادَه شيخُ الإسلامِ هنا، فإنَّ ما أَرادَه لا يَتَوَقَّفُ على هذه الروايةِ فقط بل شواهِدُه في القرآنِ والسُّنَّةِ كثيرةٌ، ومنها قولُه تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }.

الحديثُ الثاني " لاَ تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ مَا شَاءَ فُلاَنٌ ".
فلاحِظْ أنه صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الطاعَةِ قَرَنَ اسمَهُ باسمِ اللهِ تعالى بحرْفِ " الواوِ "، وفي المشيئةِ أَمَرَ أن يُقْرَنَ بـ" ثم "؛ وذلك لأنَّ طاعةَ الرسولِ طاعةٌ للهِ تعالى، بخِلافِ المشيئةِ فليست مشيئةُ أحَدٍ من العِبادِ مَشيئةً للهِ، بل ما شاءَ اللهُ كان، وإن لم يَشَأ الناسُ، وما شاءَ الناسُ لم يكنْ إلا أن يَشاءَ اللهُ، وما أَحْسَنَ قولَ الإمامِ الشافعيِّ:

فما شِئْتَ كان وإن لم أَشَـأْ = وما شئتُ إن لم تَشَأْ لم يَكُنْ
خَلَقْتَ العِبادَ على ما عَلِمْتَ = ففي العلْمِ يَجري الفَتَى والْمُسِنّْ
على ذا مَنَنْتَ وهذا خَـذَلْتَ = وهـذا أَعَـنْتَ وذا لم تُعِـنْ
فمِنهم شَقِـٌّي ومنهم سَعيـدٌ = ومنهم قَبيـحٌ ومنهم حَسَـنْ

قولُه: " ومَن يَعْصِهِما " قلنا:إنَّ الحديثَ ضعيفٌ، لكن وَرَدَ الجمْعُ بينَ ضميرِ اللهِ تعالى وضميرِ رسولِه صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديثِ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ خَيْبَرٍ أمَرَ مُناديًا، فنادَى في الناسِ: " إنَّ اللهَ ورسولَه يَنْهَيَانِكُمْ عن لُحومِ الْحُمُرِ الأهليَّةِ.. " وأيضًا قالَ رسولُ اللهِ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا... ".

وقد ثَبَتَ أنَّ رَجُلاً خَطَبَ عندَ النبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: مَن يُطِعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشَدَ ومَن يَعْصِهِما فقد غَوَى. فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:بِئْسَ الخطيبُ أنتَ، قلُ: " وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ " فنهاهُ عن الجمْعِ بينَ ضميرِ اللهِ تعالى وضَميرِ رسولِه صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيفَ يُجْمَعُ بينَ نَهْيِه وقولِه مع إِقرارِه؟

أجابَ العُلَماءُ عن هذا الإشكالِ بأَجْوِبَةٍ كثيرةٍ منها:
الجوابُ الأوَّلُ: أنَّ الْمُرادَ في الْخُطَبِ الإيضاحُ، وأمَّا في تلك الأحاديثِ فالْمُرادُ الإيجازُ في اللفظِ ليُحْفَظَ.
الجوابُ الثاني: أنَّ ذلك خاصٌّ بالنبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛لأنَّ إطلاقَ غيرِه قد يُوهِمُ التسويةَ بخِلافِه صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتعظيمِه لربِّه تعالى.
الجوابُ الثالثُ: في قولِه صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا " جَمَعَ بينَهما للتَّلاَزُمِ بينَ الْمَحَبَّتَيْنِ، وفي المعصِيَةِ فَرَّقَ بينَ الضميرينِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من العِصْيَانَيْنِ مُسْتَقِلٌّ في استلزامِ الغِوايةِ، واستحْسَنَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ هذا الجوابَ.

الأصلُ الثاني: الرسالةُ
قولُه: ( الأصلُ الثاني في حقِّ الرسولِ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَلَيْنَا أن نُؤْمِنَ به صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونُطِيعَه، ونُرْضِيَه ونُحِبَّهُ، ونُسَلِّمَ لِحُكْمِه، وأمثالُ ذلك: قالَ تعالى: { مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ } وقالَ تعالى: { وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ } وقالَ تعالى: { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا، وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ } وقالَ تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وقالَ تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } وأمثالُ ذلك ).

التوضيحُ

قد سَبَقَت الإشارةُ إلى حَقِّ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذَكَرَ هنا بعضًا من ذلك كما يَلِي:
أن نُؤمِنَ به لقولِه تعالى: { آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ}.
ونُطيعَه لقولِه تعالى: { وَمَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهُ } وغيرُها كثيرٌ.
ونَتَّبِعَه لقولِه تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ }.
ونُرْضِيَهُ لقولِه تعالى: { وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ }.
ونُحِبَّه لقولِه تعالى: { إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا * وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ } اقْتَرَفْتُمُوها أي: اكْتَسَبْتُمُوها.
ونُسَلِّمَ لِحُكْمِه لقولِه تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وأمثالِ ذلك.

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أصل, الإسلام

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:10 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir