(2) (ولا يَقْتَضِي الفَوْرَ) لأنَّ الغَرَضَ منهُ إيجادُ الفعْلِ مِنْ غيرِ اختصاصٍ بالزمانِ الأوَّلِ دونَ الزمانِ الثانِي.
وهذهِ المسألةُ فَرْعٌ على التي قَبْلَها، وذلكَ أنَّ مَنْ قالَ: إنَّ الأمرَ للتَّكرارِ، قالَ: إنَّهُ يَقْتَضِي الفَوْرَ؛ فإنَّ الفعلَ في الزمانِ الماضي بعدَ الْخِطابِ مُمْكِنٌ، وهوَ مُتناوِلٌ لهُ، فيَجِبُ الفعلُ ليَتحَقَّقَ التَّكرارُ بحَسَبِ الطاقةِ،
ومَنْ قالَ: لا يَقتضِي التَّكرارَ. اختَلَفُوا في اقتضائِهِ الفَوْرَ:
- قالَ قومٌ: يَقتضِي الفَوْرَ لقولِهِ تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}، وكلُّ ما أَمَرَ الشرْعُ بهِ فهوَ مِن الخيراتِ، فتَجِبُ المبادَرَةُ إليهِ.
- وأُجيبَ عنْ هذا بأنَّ المرادَ بالخيراتِ الجنَّةُ وما أُعِدَّ فيها، والمعنى: بادِرُوا إلى الجنَّةِ بفِعْلِ الطاعاتِ.
- وقيلَ: معنى الآيَةِ التحريضُ على المُبَادَرَةِ في الطاعاتِ والمسابَقَةِ إليها، وذلكَ غيرُ ما نحنُ فيهِ مِنْ وُجوبِ تَعجيلِ الامتثالِ.
- إحْتَجُّوا على الفَوْرِيَّةِ أيضًا بأنَّ التأخيرَ لوْ جازَ لجازَ إمَّا إلى غايَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وإمَّا إلى غايَةٍ غيرِ مُعَيَّنَةٍ، والقِسمانِ باطلانِ؛ فالقولُ بِجَوازِ التأخيرِ باطلٌ.
بيانُ الأوَّلِ أنَّ التأخيرَ لوْ جازَ فإِمَّا أنْ يُعْلَمَ الوقتُ الذي إذا خَرَجَ عنهُ أَثِمَ الْمُكَلَّفُ أوْ لا، والأوَّلُ التأخيرُ إلى غايَةٍ مُعَيَّنَةٍ، والثاني التأخيرُ إلى غايَةٍ غيرِ مُعَيَّنَةٍ.
بيانُ بُطلانِ القِسمَيْنِ:
أمَّا الأوَّلُ:
فِلأََنَّ جوازَ التأخيرِ إلى وقتٍ مَعلومٍ إحالةٌ للمسألةِ؛ فإنَّ الكلامَ في الأمْرِ الْمُجَرَّدِ، وإذا كانَ آخِرُ وقتِ التأخيرِ مُعَيَّنًا كانَ ذلكَ أَمْرًا مُقَيَّدًا بوقتٍ مُعَيَّنٍ، وليسَ الكلامُ فيهِ.
وأمَّا القِسْمُ الثاني:
وهوَ التأخيرُ إلى غيرِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فباطلٌ؛ فإنَّ ذلكَ تَجهيلٌ لا يُناسِبُ التكْليفَ، وأُجيبَ بأنَّهُ يَجُوزُ للمكلَّفِ التأخيرُ بشَرطِ سلامةِ العاقبةِ.
ما ذَكَرَهُ مِن الدليلِ لعَدَمِ الفَوْرِ يَصْلُحُ دليلاً لعَدَمِ التَّكرارِ؛ فإنَّ الأمرَ يَقتضِي إيجادَ الفعلِ، وذلكَ يَتحقَّقُ بالإيجادِ مَرَّةً واحدةً، ولا خُصوصيَّةَ لهُ بالزمانِ.
وقَطَعَ الشيخُ أبو إسحاقَ في (لُمَعِهِ) بوُجُوبِ العزْمِ على الامتثالِ على الفَوْرِ.
- وقالَ ابنُ بُرهانَ في (وَجِيزِهِ في الأصولِ): (العزْمُ تابعٌ للفعْلِ، فإنْ كانَ المعزومُ عليهِ على الفَوْرِ كانَ العزْمُ على الفَوْرِ، وإنْ كانَ على التَّرَاخِي كانَ على التَّرَاخِي).