دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 06:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


خُطْبَةُ الحاجَةِ
قولُه: ( الحمدُ للَّهِ، نَحْمَدُه، ونَسْتَعِينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللَّهِ منْ شُرورِ أنْفُسِنَا ومنْ سَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِه اللَّهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآلِه وصَحْبِه وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا ).

التوضيحُ

اسْتَهَلَّ شيخُ الإسلامِ رِسالتَه الفَريدةَ بِخُطْبَةِ الحاجَةِ المأثورةِ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدْ أَكْثَرَ العُلماءُ منْ ذِكْرِ الفوائدِ فيها، وطَلَبًا للاختصارِ أَسْتَخْلِصُ منها ما يَلِي:

أَوَّلاً: معنى الْحَمْدِ:

الثَّناءُ باللسانِ خاصَّةً على الجميلِ الاختياريِّ منْ نِعمةٍ وغيرِها.
وللإتيانِ بالجملةِ الاسميَّةِ دونَ الفِعْلِيَّةِ فائدتانِ:

1- الاقتداءُ بالكتابِ الكريمِ في سورةِ الفاتحةِ.

2- لدَلاَلَةِ الاسمِ على الدوامِ والثَّبَاتِ.
ثانيًا: هلْ هناكَ فَرْقٌ بينَ الْحَمْدِ والشكْرِ؟
ثَمَّ خِلافٌ، والراجِحُ الفَرْقُ؛ فإنَّ الشكْرَ هوَ البَذْلُ في مقابِلِ النِّعمةِ، كما قالَ الناظِمُ:

الشكْرُ بَذْلُ العَبْدِ ما أَوْلاَهُ = مَوْلاَهُ منْ نَعْمَاهُ في رِضَاهُ

فبَيْنَ الحمْدِ والشكْرِ فَرْقٌ منْ جِهَتَيْنِ:

1- أنَّ الحمْدَ ثناءٌ باللسانِ خاصَّةً، والشكْرَ يكونُ باللسانِ والقلْبِ والجوارحِ . ودليلُ كَوْنِ الشكْرِ بالجوارحِ ما يَلِي:
من القرآنِ، قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} .
من السُّنَّةِ: قولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا))، وذلكَ عندَما كانَ يقومُ الليلَ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فسأَلَتْهُ عائشةُ عنْ ذلكَ، فأَجَابَها بالحديثِ .
ولذلكَ قالَ الناظِمُ:

أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثلاثةً = يَدِي ولِساني والضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَا

2- أنَّ الحمْدَ ثَنَاءٌ في مقابِلِ النِّعَمِ وغيرِها من الصِّفاتِ الْحَسَنَةِ، كالعلْمِ والقوَّةِ، بينَما الشكْرُ لا يكونُ إلَّا في مُقَابِلِ النِّعَمِ.

الْخُلاصَةُ: أنَّ العَلاقةَ بينَ الحمْدِ والشكْرِ عَلاقَةُ عمومٍ وخصوصٍ وَجْهِيٍّ، أيْ: منْ وَجْهٍ .فالحمْدُ أَعَمُّ منْ حيثُ الْمُوجِبُ لهُ، وهوَ الجميلُ منْ نِعمةٍ وغيرِها، وأَخَصُّ منْ حيثُ الأداةُ، وهوَ اللسانُ. والشكْرُ أخَصُّ منْ حيثُ الْمُوجِبُ لهُ، وهوَ النِّعمةُ فقطْ، وأعَمُّ منْ حيثُ الأداةُ، وهيَ القَلْبُ واللسانُ والجوارحُ.
قالَ ابنُ متالي الشِّنْقِيطِيُّ في تلخيصِ ذلك:

ونِسبَةُ العمومِ والْخُصوصِ مِنْ = وجهٍ فقطْ للحَمْدِ والشكْرِ تَعِنّ
فالحمْدُ بالثناءِ مُطْلَقًا بَــدَا = كان جَزاءَ نِعمَةٍ أو ابْتَـــدَا
والشكْرُ ما كانَ جَزَاءً للنِّعَمْ = فالحمْدُ منْ ذا الوجْهِ وَحْدَهُ أَعَمّ
والشكْرُ يأتي عندَ كلِّ شارِحِ = بالقلْبِ واللسانِ والجوارحِ
والحمْدُ باللسانِ لا غيرَ وُسِمْ = فالشكْرُ منْ ذا الوجْهِ وَحْدَهُ أعَمّ

ثالثًا: ( نَسْتَعِينُه ونَسْتَغْفِرُه )
أفعالٌ يُفْهَمُ منْ لفظِها الإخبارُ، لكنَّها مُتَضَمِّنَةٌ للطلَبِ المفهومِ من التاءِ والسينِ.
رابعًا: سببُ إفرادِ لفظِ الشَّهادةِ دونَ غيرِه
في هذهِ الْخُطبَةِ وَرَدَت الأفعالُ بصيغةِ جَمْعِ المتكلِّمِ، إلَّا الشهادةُ فوَرَدَتْ بالْمُفْرَدِ، فاستَنْبَطَ شيخُ الإسلامِ منْ ذلكَ حِكْمَتَيْنِ:

الأُولى: أنَّ هذهِ الأفعالَ ( الاستعانةَ والاستغفارَ والاستعاذةَ ) تَصِحُّ فيها النيابةُ بخلافِ الشهادتينِ.

الثانيةُ: أنَّ هذهِ الأفعالَ طَلَبٌ وسُؤَالٌ، فيُسْتَحَبُّ فيها الطلَبُ لنفسِه ولإخوانِه فجُمِعَتْ، أمَّا الشَّهادَةُ فخَبَرٌ عمَّا في القلْبِ؛ لذلكَ أُفْرِدَتْ.
ولكِنْ يُشْكِلُ على هذينِ التَّعْلِيلَيْنِ لفظُ الحمْدِ؛ فقدْ جاءَ مجموعًا معَ أنَّهُ لا تَصِحُّ فيهِ النيابةُ، وكذلكَ فهوَ خَبَرٌ وليسَ بطَلَبٍ؛ فلذلكَ الظاهِرُ أنَّ إفرادَ هذهِ الكلمةِ لبيانِ عَظَمَتِها ودَلالَتِها على التوحيدِ واللَّهُ أعْلَمُ .

خامسًا: في قولِه {مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ}، الهدايةُ نوعانِ على الْمَشهورِ:

1- هدايةُ توفيقٍ وإلهامٍ.
2- هدايةُ دَلالةٍ وإرشادٍ.

والفرْقُ بينَ الْهِدَايَتَيْنِ ما يَلِي:
1- أنَّ هدايةَ الإلهامِ لا يَقْدِرُ عليها إلَّا اللَّهُ، كما في قولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }. أمَّا هدايةُ الدَّلالةِ فيَقْدِرُ عليها العَبْدُ، كما في قولِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وهذا سبيلُ الجمْعِ بينَ الآيتيْنِ.
1- هدايةُ الإلهامِ خاصَّةٌ بالمؤمنينَ، ومنها قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاَمِ}. أمَّا هدايةُ الدَّلالةِ فعَامَّةٌ لجميعِ الخلْقِ، ومنها قَوْلُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}، ومنها قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}، أمَّا قولُه: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فيَشْمَلُ النوعينِ؛ لحاجَةِ الإنسانِ إليهما جميعًا.

سادسًا: كلمةُ التوحيدِ مُشْتَمِلَةٌ على نَفْيٍ وإثباتٍ:
ولها ثمانيةُ شروطٍ مجموعةٌ في قولِ الشاعِرِ:

عِلْمٌ يَقِينٌ وإخلاصٌ وصِدْقٌ معَ = مَحَبَّةٍ وانقيادٍ والقَبولِ لهـــا
وزِيدَ ثامنُها الكُفْرانُ منكَ بما = سِوَى الإلهِ من الأوثانِ قدْ أُلِّهَا


وتَفصيلُ هذهِ الشروطِ كما يَلِي:

1- العِلْمُ بمعناها نَفْيًا وإثباتًا، والدليلُ قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}.
2- اليقينُ الْمُنَافِي للشَّكِّ والرِّيبةِ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} .
3- الإخلاصُ الْمُنَافِي للشِّرْكِ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} .
4- الصِّدْقُ الْمُنَافِي للكَذِبِ الْمَانِعِ من النِّفاقِ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }.
5- الْمَحَبَّةُ لهذه الكلِمَةِ وَلِمَا دَلَّتْ عليهِ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} .
6- الانقيادُ بحقوقِها طَلَبًا لِمَرْضَاتِ اللَّهِ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} .
7- القَبولُ الْمُنَافِي للرَّدِّ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} .
8- الكُفْرُ بما يُعْبَدُ منْ دونِ اللَّهِ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، أيْ: بالتوحيدِ والإسلامِ.
سابعًا: الصلاةُ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَصَحُّ ما قِيلَ فيها: إنَّها من اللَّهِ الثناءُ عليهِ في الْمَلأَِ الْأَعْلَى كما ثَبَتَ عنْ أبي العَالِيَةِ في صحيحِ البخاريِّ، ومِن العِبادِ طَلَبُ هذا الثناءِ من اللَّهِ. فإذا قيلَ: إنَّ اللَّهَ يُصَلِّي على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أيْ: يُثْنِي عليهِ. وإذا قيلَ إنَّ الملائكةَ تُصَلِّي على النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أيْ: تَدْعُو اللَّهَ أنْ يُثْنِيَ عليهِ .
ثامنًا: اشْتَمَلَتْ خُطْبَةُ الحاجَةِ على أقسامِ التوحيدِ الثلاثةِ والقَدَرِ والرسالةِ
فتوحيدُ الأُلُوهيَّةِ في قولِه: نَستعينُه، أيْ: على عِبادتِه. وأصْلُ الاستعاذةِ والاستغفارِ عِباداتٌ.
والأسماءُ والصِّفاتُ في قولِه: نَحْمَدُهُ، أيْ: نُثْنِي عليهِ بأسمائِه الْحُسْنَى وصِفاتِه الْعُلَى.
والربوبيَّةُ في جميعِ ذلكَ؛ لأنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ للتَّوْحِيدَيْنِ السابقينِ.
والقَدَرُ في قولِه: مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فلا مُضِلَّ لهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لهُ.
والرسالةُ في قولِه: وأَشْهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبْدُه ورسولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .



موضوعُ الرسالةِ وسببُ التأليفِ

قولُه: ( أَمَّا بَعْدُ، فقدْ سَأَلَنِي مَنْ تَعَيَّنَتْ إجابتُهم أنْ أكتُبَ لهمْ مَضمونَ ما سَمِعُوهُ مِنِّي في بَعْضِ المجالِسِ من الكلامِ في التوحيدِ والصِّفاتِ، وفي الشرْعِ والقَدَرِ؛ لِمَسِيسِ الحاجةِ إلى تحقيقِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وكثرةِ الاضطرابِ فيهما، فإنَّهُما معَ حاجةِ كلِّ أَحَدٍ إليهما. ومعَ أنَّ أهْلَ النظَرِ والعلْمِ والإرادةِ والعِبادةِ لا بُدَّ أنْ يَخْطِرَ لهمْ في ذلكَ من الخواطِرِ والأقوالِ ما يَحتاجونَ معهُ إلى بيانِ الْهُدَى من الضَّلالِ، لا سِيَّمَا معَ كَثرةِ مَنْ خاضَ في ذلكَ بالْحَقِّ تَارةً وبالباطلِ تاراتٍ، وما يَعْتَرِي القلوبَ في ذلكَ من الشُّبَهِ التي تُوقِعُها في أنواعِ الضَّلالاتِ ) .

التوضيحُ

( أمَّا بَعْدُ ): كلمةٌ يُؤْتَى بها للانتقالِ منْ جُملةٍ إلى جُملةٍ، ومن الْمُقدِّمَةِ إلى الموضـوعِ، وهيَ نائبةٌ عنْ قولِنا: ( مَهْمَا يكُنْ منْ شيءٍ ) بعدُ . لذلكَ قالَ ابنُ مالِكٍ:

أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ منْ شيءٍ وَفَا = لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا

أيْ أنَّ تِلْوَ تِلْوِها، وهوَ ما يَأْتِي بعدَ كلمةِ ( بعدُ )، يَجِبُ اقترانُها بالفاءِ إلَّا في مواضعَ، وقيلَ: إنَّ أوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بها داوُدُ عليهِ السلامُ، وهيَ المقصودُ بفَصْلِ الْخِطابِ في قولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}، كما نُقِلَ عنْ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ والشَّعْبِيِّ . وفي معنى الآيةِ أقوالٌ أُخْرَى أَشْهَرُ منْ هذا القولِ، وقيلَ: أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بها قُسُّ بْنُ ساعِدَةَ في خُطْبَتِه الطويلةِ يومَ عُكاظٍ، وفيها: "أَعادَ وَأَبْدَى، وأَمَاتَ وأَحْيَا، وخَلَقَ الذكَرَ والأنثى، رَبُّ الآخِرَةِ والأُولى، أمَّا بَعْدُ: فيا مَعْشَرَ إيادٍ، أينَ ثمودُ وعادُ؟ وأينَ الآباءُ والأجدادُ؟...". وقيلَ: بل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في خُطْبَةِ الحاجَةِ السابِقَةِ، واللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي هذهِ الفِقرَةِ يَذْكُرُ شيخُ الإسلامِ أسبابَ التأليفِ وموضوعَ الرسالةِ، فأَبْدَأُ:

أوَّلاً:بموضوعِ الرسالةِ: وهوَ الكلامُ في أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ.

الأوَّلُ: التوحيدُ والصِّفاتُ.
الثاني: الشرْعُ والقَدَرُ.

ثانيًا: أسبابُ تأليفِ الرسالةِ: الذي يَظْهَرُ أنَّهما سَبَبَانِ أَساسيَّانِ.

الأوَّلُ: أهَمِيَّةُ السائلِ: وتَظْهَرُ أهَمِّيَّتُهم في قولِه: ( مَنْ تَعَيَّنَتْ إِجَابَتُهم )، أيْ: وَجَبَ علَيَّ عَيْنِيًّا أنْ أَستجيبَ لسؤالِهم لي، وهمْ بعضُ طُلَّابِ الْعِلْمِ منْ أهْلِ تَدْمُرَ، وإليهم نُسِبَت الرِّسالةُ. وقيلَ: سُمِّيَتْ تَدْمُرِيَّةً لتَدْمِيرِهَا لشُبُهَاتِ أهْلِ الباطلِ، ولكنَّ الأوَّلَ أظْهَرُ لُغَةً ووَاقِعًا.

الثاني: أَهَمِّيَّةُ المسْئُولِ عنهُ: وهما الْأَصْلاَنِ السابقانِ. وتَتَجَلَّى أهَمِّيَّتُهُما فيما يَلِي:

1- حاجةُ كلِّ إنسانٍ إليهما؛ فالإنسانُ بفِطْرَتِه مُتَطَلِّعٌ إلى إدراكِ حقائقِ الأمورِ.
2-كَثْرَةُ الاضطرابِ الواقِعِ فيهما بينَ أهْلِ الْمِلَّةِ كما سَيَتَّضِحُ أثناءَ الرسالةِ.
3- أنَّ أهْلَ الإسلامِ، وهمْ قِسمانِ: أهْلُ العلْمِ والنَّظِرِ، وأهْلُ الإرادةِ والسلوكِ والعِبادةِ، لا بُدَّ أنْ يَخْطِرَ لهم من الخواطِرِ والأقوالِ ما يَحتاجونَ معها إلى تَمييزٍ بينَ الْهُدَى والضَّلالِ، فأَهْلُ العلْمِ لهمْ عِنايةٌ بالقضايا العِلْمِيَّةِ، وأهلُ العِبادةِ لهم عِنايةٌ بالقضايا العَمَلِيَّةِ، وكُلَّمَا جَمَعَ الإنسانُ بينَهما كانَ أَكْمَلَ .

قولُه: ( أَهْلَ النَّظَرِ )، قدْ يَقْصِدُ بهما الْمُتَكَلِّمِينَ، وسُمُّوا بذلكَ لقولِهم بوجوبِ النظَرِ والاستدلالِ، أوْ لادِّعائِهم التحقيقَ والتدقيقَ في العِلْمِيَّاتِ .
4-كثرةُ مَنْ خاضَ في هذين الأَصْلَيْنِ إمَّا بالحَقِّ أوْ بالباطِلِ؛ فلذلكَ كانَ لِزَامًا الحُكْمُ بينَهُم.
5- كَثْرَةُ الشُّبُهَاتِ الواردةِ على القلوبِ في هذا البابِ والتي تُوقِعُ صاحبَها في أنواعِ الضَّلالاتِ.

ملحوظةٌ: قولُه: ( فإنَّهما معَ حاجَةِ كلِّ أحَدٍ ... )، هذهِ العبارةُ تَفْتَقِرُ إلى خبَرٍ لإنَّ، ولَعَلَّهُ سَقَطَ كما نَبَّهَ عليهِ بعضُ الشُّرَّاحِ؛ فإنَّهُ لا يَستقيمُ لُغةً، ولذلكَ يُقَدَّرُ الخبَرُ فيُقالُ: ( فإنَّهما مُهِمَّانِ معَ حاجةِ كلِّ أَحَدٍ ... )، أوْ نحوَ ذلكَ مِمَّا تَكْتَمِلُ بهِ الْعِبارةُ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التدمرية, خطبة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir