دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ربيع الثاني 1443هـ/26-11-2021م, 02:08 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(7) الفردوس (8) عدن:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (7) الفردوس (8) عدن
ليس في التوراة «فردوس» - وهي برديس العبرية (بإمالة الياء). وليس في التوراة أيضًا «عدن» - وهي عدن العبرية – لا بمعنى «النعيم» (من عدن العبري المكافئ في العربية للجذر «غدن»)، ولا بمعنى «الإقامة» (من «عدن» العربي)، وإنما «عدن» في التوراة اسم موضع في هذه الأرض التي نعيش عليها، يطلقه علماء التوراة على إقليم ما فيما بين النهرين (العراق). أما «الجنة» (جان العبرية) فهي «حديقة» لا أكثر ولا أقل في إقليم «عدن» هذا (جان بعدن، أي جنة في عدن) «غرسها الرب الإله في عدن شرقًا»، ووضع آدم هناك كالبستاني «يفلحها ويحفظها». ومن عدن هذه خرج نهر يسقي تلك الحديقة «الجنة»، ومن هناك ينقسم أربعة رؤوس أنهار، أصل كل أنهار الأرض (راجع في هذا كله سفر التكوين 2/8 – 15). ليست الجنة المعنية في التوراة هي «الجنة» المعنية في القرآن، وإنما هي حديقة صنعها الله لآدم ثم طرده منها لعصيانه، لا يعود إليها من بعد، لا هو ولا بنوه. ليست هي في السماء كما تستظهر من قوله عز وجل: {قال اهبطا منها}[طه: 123]، {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة} [الأعراف: 40]، {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى} [النجم: 13 – 15]، {فهو في عيشة راضية في جنة عالية} [الحاقة: 21 – 22]، {وفي السماء رزقكم وما توعدون} [الذاريات: 22]، وأكبر من هذا كله وأبين قوله عز وجل: {إن إلى ربك الرجعى} [العلق: 8]. وليست كذلك الجنة في التوراة. «جنة التوراة» هي جنة
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/198]
آدم، بقعة في إقليم من هذه الأرض، لا «جنة عرضها السماوات والأرض» كما أخبر القرآن: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133]، لا تسعها «عدن» التي في العراق، ولا العراق أجمع، ولا هذا الكوكب كله.
والحق أنك لا تجد في التوراة، ولا في الإنجيل أيضًا، حديثا عن الدار الآخرة، لا مستفيضًا ولا مجملاً، وكأن «أهل الكتاب» أعرف بتلك الدار من أن تعرف لهم. فقد شغل كتبة أسفار التوراة بالأخبار والأنساب والسير، وشغل كتبة الأناجيل بسيرة عيسى عليه السلام وأعمال «الرسل»، ومجيء المخلص «عند اكتمال الزمان يضعون عليه أحمالهم. كان على الذين يؤمنون بالله ورسله واليوم الآخر أن ينتظروا نزول القرآن حتى يعلموا علم تلك الدار مبسوطًا مفصلاً، مبينًا ومعرفًا: {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} [محمد: 6].
والإنجيل أيضًا يتابع التوراة في قصرها «الجنة» على تلك «الحديقة» التي طرد منها آدم وحواء (وهي باليونانية «يكبوس» Kipos). أما الجنة بمعنى دار النعيم في الآخرة فالإنجيل يسميها «ملكوت السماوات» (في أحد معاني هذا التعبير الإنجيلي)، و«بنو الملكوت» في لغة الإنجيل هم «أصحاب الجنة» بالمعنى القرآن، أما «أصحاب النار» فهم الممنوعون من دخول الملكوت. ولكنك لا تعلم من الإنجيل شيئًا في وصف نعيم «بني الملكوت» هؤلاء إلا أنهم في صحبة الملائكة والأنبياء والصديقين الأطهار. من هنا كانت السماء (Heaven) مرادفًا لمعنى الجنة عند الأوروبيين المسيحيين. ولئن كان الإنجيل – بوضعه الجنة في السماء قد سجل تقدمًا بالغ الخطورة على التوراة التي بين يديك، فقد كان التعبير لفظ «الملكوت» عن دار النعيم في الآخرة غير دقيق، لأنك تعلم من القرآن أن هذا الملكوت الذي في السماء يتجاور فيه على سواء أهل الجنة وأهل النار: {وبينهما حجاب}[الأعراف: 46] يتنادون: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة} [الأعراف: 50].
وينفرد الإنجيل من دون التوراة التي بين يديك بالنص في ترجمته العربية على «الفردوس» بالاسم: «فقال له يسوع الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس» (لوقا 23/43)، ترجمة لليونانية «براذيسو» Paradeiso التي أخذتها اللاتينية على علاتها Paradisus، ومنها Paradis الفرنسية و Paradise الإنجليزية.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/199]
وقد أعضلت «براذيوس» اليونانية هذه على الذين ترجموا من بعد الأناجيل اليونانية الأصل إلى العبرية (لغة المسيح)، ولكنهم فهموا من السياق وحده أن المسيح يعني «جنة عدن»، أي «الجنة التي في عدن»، أعني «جان بعدن»، فترجموا «اليوم تكون معي في الفردوس» إلى العبرية هكذا: «تهيه هيوم عمادى بجان عدن»، وقد مر بك أن «جنة عدن» في التوراة هي «جنة آدم»، لا شأن لها بدار النعيم في الآخرة، فتفهم أنهم لا يعرفون للفردوس مقابلاً في العبرية هو «برديس»، أو بالأحرى أنهم لا يفهمون من «برديس» العبرية المعنى الذي أراده المسيح والمفهوم من السياق. وتدرك أيضًا أن مترجمي الأناجيل إلى العربية ما كانوا ليضعوا «الفردوس» موضع «براذيسو» اليونانية لو لم يتنزل القرآن بتسمية «الفردوس»، وإلا لقالوا «البستان» أو «الحائط» (بمعنى البستان)، وهي الترجمة الدقيقة للفظ «براذيسو» اليونانية، كما تدرك لماذا لم يقولوا «الجنة»، لأنهم يعلمون أن «جان» العبرية هي «جنة آدم»، لا دار النعيم في الآخرة. وتدرك أخيرًا كم استفادت اليهودية والمسيحية من القرآن في جلاء الضباب عن كثير من غوامض تلك المعاني العليا.
ولكن المستشرقين مرضى الهوى والغرض يقولون لك إن القرآن نحت «فردوسه» من «براذيسو» التي في إنجيل لوقا، وأخذ «جنات عدن» عن تلك الجنة التي في عدن، «جان بعدن» من سفر التكوين.
أما «براذيسو» اليونانية هذه فليست يونانية، ولا علم لليونان بها قبل عصر المسيح، وإنما هي منحولة كما يقول اللغويون من الفارسية (بيري + ديزا) pairia + Deaza (بيري = حول، ديزا = جدار) فهي السور أو الحائط، استعير للبستان أو الحديقة، كما استعارت العربية لفظ «الحائط» أي المحوط، لهذا المعنى نفسه، باعتبار السور الذي يحوطه ويحفظه، لا باعتبار محتواه. فلا تدري لماذا يأخذ كتبة الأناجيل من الفارسية القديمة ولديهم في اليونانية «بريبولي» Periboli بنفس المعنى – أي الحائط بمعنى البستان – ولديهم أيضًا مطلق الحديقة Kipos، أما إن أرادوا حديقة الفاكهة خاصة فلديهم «أبوروكيبوس» Oporokipos. لا يفعل كتبة الأناجيل اليونانية هذا إلا إذا كان قد سمعوه من المسيح عليه السلام ملفوظًا على نحو قريب من «براذيسو» فتأول لها اللغويون هذا الأصل الفارسي القديم كما مر بك، دون أن
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/200]
يتساءلوا عن سبب نطق المسيح عليه السلام بهذا اللفظ الفارسي القديم، ولديه في لغته «جان» و«جنا»، إلا إن كان عليه السلام يقصد جنة بعينها، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ما معناه: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة».
وهذا يعود بك مباشرة إلى «برديس» العبرية، التي تنكر لها مترجمو «براذيسو» في الترجمة العبرية للأناجيل اليونانية.
ولكن «برديس» العبرية اسم جامد، لا اشتقاق له في المعجم العبري ولا جذر له في العبرية يرد إليه، فهو إما دخيل على تلك اللغة، وإما اسم أميت جذره وبقى الاسم بمعناه.
وردت الفردوس في القرآن مرتين فحسب، الأولى مضافًا إليها «الجنات» على النسب: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} [الكهف: 107]، والثانية منفردة: {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} [المؤمنون: 10 – 11]. والجمع بين حديثه صلى الله عليه وسلم في وصف الفردوس بأنه أوسط الجنة، وبين الفردوس في سورتي الكهف والمؤمنون، يقتضي فهم الفردوس بأنها علم على موضع متميز في قلب الجنة يرثه الأخيار من عباد الله الذين اكتملت فيهم صفة المؤمن على ما تعرف من أشراطها في أول سورة المؤمنون، تحيط به جنات تنسب إليه - «جنات الفردوس» في سورة الكهف – يرثها المؤمنون الذين يعلمون الصالحات بعامة، أي مطلق المؤمن، لا خيار المؤمن.
مصداق هذا التمييز بين «أصحاب اليمين» بعامة، وبين «السابقين المقربين»، أي الخيرة: {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} [الواقعة: 13 – 14]، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه، لا بعملنا وهو في جنب الله عز وجل قليل. ومصداقه أيضًا في سورة الرحمن، تمييزًا بين الجنتين اللتين لمن خاف مقام ربه: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46]، وبين الجنتين اللتين لمن دون هذا في المنزلة: {ومن دونهما جنتان} [الرحمن: 62]، أي لعموم المؤمن.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/201]
والقائلون بعربية الفردوس يشتقونها من «الفردسة»، أي التوسعة والتعريش، من فردس الكرم أي وسعه وعرشه، وفردس قرنه يعني صرعه، وفردس وعاء التمر ونحوه يعني حشاه وغلا ف يحشوه، ورجل فرادس يعني ضخم العظام، والفردوس بضم الفاء الزيادة والسعة في الحنطة ونحوها. وهذا كله يقطع ما بين اشتقاق «الفردوس» في العربية وما بين اشتقاق «براذيسو» اليونانية و«بيري + ديزا» الفارسية ومعناها السور أو الحائط: العربية من الضخامة والسعة والبسط، والأعجمية من التسوير والإحاطة.
«فردس» العربية كما ترى جذر رباعي. والمادة الرباعية في اللغات السامية ليست بالجذر الأصيل: إنها غالبًا إما على التضعيف مثل «زل + زل»، وإما ثلاثي زيد بحرف مثل «خثر + م» بمعنى غلظ الشفة أو طرف أرنبة (وخثر بمعنى غلظ)، وإما مزجى يجمع بين معنيين مثل «دح + رج» أي دفعه متحدرا، من الدحى والرجرجة.
أصل «فردس» إذن إما «فرد + س» من فرد بمعنى نثر وفرق وباعد مزيدا بالسين على المبالغة، كما في «قسط + س»، وإما أن تكون على المزجية «فر + دس» من الفراهة والدياسة، أو من الفرة والديسة. الولى - «فرد + س» - تطابق معاني «فردس» في المعجم العربي، أي البسط والسعة والتعريش، والثانية «فر + دس»، التي لم يقل بها أحد، تطابق تعريفه صلى الله عليه وسلم معنى «الفردوس» بأنه أوسط الجنة وأعلى الجنة. أما «الديسة» فمعناها العشب الطري (وهي «ديشه» العبرية و«ديثه» الآرامية)، ومعناها أيضًا – الذي أعنيه هنا – الغابة الكثيرة الشجر. وقد علمت أن «الجنة» في اللغة معناها الحديقة ذات النخل والشجر، من «جنه» يعني ستره، فالديسة بهذا المعنى تكافئ الجنة. وأما «فره» من الفراهة فمعناها جمل وحسن. وأما الفر والفرة (من الجذر ف/ر/ر) فهو خيار الشيء. فيكون معنى الفردوس «خيار الجنة» كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
وقد عرف العرب «الفردوس»، «الفراديس» قبل القرآن، يطلقونها على بساتين الكرم خاصة، ومنه «فراديس الشام»، ومنه أيضًا قول أمية بن أبي الصلت في عجز بيت له: «فيها الفراديس والفومان والبصل». ولأن «الكروم» هي «أكرم»
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/202]
البساتين عند العرب – وليس مصادفة أن يشتق الكرم من الكرم أو العكس – فقد شاع «الفردوس» على بساتين الكرم خاصة، وإن كان المعجم العربي يطلقه على «البستان الجامع لكل ما يكون في البساتين»، وهذا عندي محدث، متأثر في تأصيله بمعنى «الفردوس» في القرآن والحديث.
«أما» برديس «العبرية، فالمعجم الحديث لألفاظ التوراة «هملون هحداش لتتاخ» يعرفها دون تأصيل بأنها «جان عصى بري (جدور)»، أي «جنة الشجر المثمر (مسورة)»، فلا تدري كيف أقحم «التسوير» على اللفظ إلا إذا كان قد تاثر بلفظ «براذيسو» اليونانية بمعنى السور أو الحائط، المنسوبة إلى المسيح عليه السلام في إنجيل لوقا، وليس في «براذيسو» من الشجر المثمر شيء، رغم أن «جان» العبرية تفيد بذاتها التسوير والستر.
إن صحت نسبة «براذيسو» اليونانية إلى المسيح عليه السلام في إنجيل لوقا، فالراجح عندي أنه عليه السلام نطقها على العبرانية «برديس»، التي ترد آخر الأمر إلى العربية «فردوس»، لا حاجة به إلى اصطناع «براذيسو»، التي جاء بها لوقا في إنجيله – لا على الترجمة كما يُظن – وإنما على الرسم «اليوناني»، شأنها شأن كثير من ألفاظ الإنجيل العبرية – الآرامية.
لا يحتاج المسيح إلى «براذيسو» اليونانية وعنده «برديس»، وإنما احتاج إليها لوقا اليوناني. ولا يحتاج القرآن إلى «براذيسو» اليونانية، فليس «الفردوس» في القرآن سورًا أو حائطًا، وليس بستانا كأي بستان. ولا يحتاج القرآن من باب أولى إلى «برديس» العبرية ولديه العربية «فردوس»، خيار الجنة.
أما مفسرو القرآن (راجع تفسير القرطبي للآية 107 من سورة الكهف والآية 11 من سورة المؤمنون)، فهم يجمعون على عربية «الفردوس» من فَرْدَسَهُ» بمعنى وسعه وعرشه. وشذ بعضهم فقال بل هي يونانية (على ما مر بك من معنى «براذيسو»)، أو هي فارسية (على ما مر بك من إرجاع «براذيوس» الإنجيلية إلى «بيري + ديزا» الفارسية). وهذا يدلك على أن «براذيسو» و«بيري + ديزا»
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/203]
وقعتا في كلام الفرس والروم على السواء عصر تصنيف تفاسير القرآن. ولم يصب هؤلاء فيما قالوه – وتوكأ عليه من بعد أدعياء الاستشراق في العصر الحديث – لأن جعل «الفردوس» بمعنى الجنة أو البستان يصطدم بقوله عز وجل في سورة الكهف «جنات الفردوس» التي تؤول على هذا القول إلى «جنات الجنة» أو «جنات البستان»، وهو لغو يتنزه عنه القرآن، لأن إضافة الشيء إلى مرادفه لا تصح إلا بزيادة في معناه. وهو يصطدم أيضًا بتعريفه صلى الله عليه وسلم معنى الفردوس بأنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، أي «خيار الجنة».
الفردوس إذن عربية لا مشاحة. وسترى الآن توًا أن «عدن» كذلك.
عدن بالمكان عدنا يعني أقام. وعدن البلد عدنا يعني توطئه، لا يريم ولا يبرح. فـ«جنات عدن» يعني «جنات إقامة». مصداق هذا قول عز وجل: {ويبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا} [الكهف: 3]. ودفع عز وجل مظنة السأم من هذا التأبيد وإن كان في الجنة بقوله في ختام السورة: {لا يبغون عنها حولا} [الكهف: 108]. إنها جنة المأوى: {عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى} [النجم: 14 – 15]، {فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون} [السجدة: 19]، وهي دار المُقامة: {الذي أحلنا دار المقامة من فضله} [فاطر: 35]، وجنة الخلد: {جنة الخلد التي وعد المتقون}[الفرقان: 15]، ودار الخلود: {أدخلوها بسلام ذلك يوم الخلود} [ق: 34].
وردت «عدن» في كل القرآن إحدى عشرة مرة. وهي لا تجيء قط في القرآن منفردة، وإنما تجيء تسبقها «جنات» على الإضافة التي تفيد النعت، أي جنات يعدن بها، لا ريم ولا براح.
ولم تجيء قط في القرآن «جنة عدن» على إفراد لفظ «الجنة»، لأن مفرد «الجنة» معرفًا بالألف واللام، علم بذاته على دار النعيم في الآخرة بكل درجاتها، فدروسا وغير فردوس: إنه اسم جنس لمجموع «الجنات» التي في تلك الدار، يختص فيها كل مؤمن بجنته. ولأن الجنس لا يكون إلا مفردًا، فلم يقل القرآن «جنة عدن» على
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/204]
الإفراد، كي لا يظن أن «جنة عدن» اسم جنس لمطلق الجنة، كما وهم سفر التكوين، وكي لا يظن أن «جنة عدن» - كالحال في «فردوس» - جنة متميزة عما دونها من الجنات، كما تروى إسرائيليات دست على تفاسير القرآن، بل الجنات كلها جنات عدن على سواء، أي جنات إقامة، فردوسًا وغير فردوس: إنها {دار المقامة} [فاطر: 35]، {عطاء غير مجذوذ} [هود: 108].
ومن إعجاز القرآن – بل ومن دقيق القرآن – أنه في حديثه عن قصة آدم لا يسميها قط – على خلاف سفر التكوين - «جنة عدن»، لأنها لم تدم لآدم. وهذا يدلك على أن «عدن» ليست وصفًا للجنة بذاتها، لا على النسب إلى إقليم أرض كما وهم سفر التكوين، ولا بمعنى النعمة والتنعم من «عدن» العبري المأخوذ من «غدن» العربي، كما قال علماء العبرية من بعد، فقد كانت الجنة لآدم وزوجته نعيمًا أي نعيم: {وكلا منها رغدا حيث شئتما} [البقرة: 35]، ولكن «عدن» وصف لدوام الحال في تلك الجنة، فلا توصف به إقامة آدم فيها قبل إهباطه منها، وإنما توصف به الإقامة في تلك الجنة لمن حقت له الجنة في الدار الآخرة، ليطمئن القلب إلى أنها إقامة خالدة لا تزول، كما زالت من قبل عن آدم، وإيناسًا لآدم نفسه بعد أن تاب الله عليه كي يخرج منها على رجاء العودة إليها خالدًا فيها لا يخشى الخروج منها كرة أخرى.
إلى هذه الجنة «الدائمة» الخالدة، دعا آدم أبناء جيله، وتحدث بها من بعده أبناؤه وذراريه أجيالاً بعد أجيال، حثًا على طلب الجنة التي لا تزول، حتى التصق النعت بالمنعوت، فصار في العبرية الأولى «جان عدن»، نقلاً عن العربية الأم – أعني عربية آدم وبنيه – أي «جنة المقامة»، علمًا على مطلق تلك الجنة.
ولكن العبرية على عصر سفر التكوين تخلط بين العين والغين، أي بين «عدن»، «غدن»، تكتبهما وتنطقهما سواء بالعين غير منقوطة. وقد سقط من المعجم العبري «عدن» بمعنى أقام، وبقيت فيه «عدن» بمعنى «غدن» العربي، أي خصب ولان ونعم، ففهمها الكاتب بهذا المعنى، وراح كدأبه يلتمس لها التفاسير، حتى استقام له إسقاط تلك الجنة من السماء إلى الأرض، ينسبها إلى موضع في ذلك الإقليم الخصيب في العراق، إقليم «عدن»، وفاته ما كتبه هو نفسه (تكوين 3/22 – 24)
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/205]
من أن الله عز وجل خشى أن «يغافله» آدم إلى شجرة الحياة في «جان عدن» بعد طرده منها، فأقام على تلك الجنة حرسًا يمنعونه من دخولها، فكيف عاد إليها أبناء آدم الذين سكنوا إقليم «عدن» يحرثون ويزرعون ويأكلون ويتناسلون؟
شرط الوحي «الصادق» ألا تكذبه السنون: لم تعد على أرض هذا الكوكب، لا في العراق ولا في غيره، بقعة أرض لم تزر إن لم تعمر، ناهيك بأرض تمنع الملائكة الناس أن يطأوها. فهل غافل الإنسان الملائكة من بعد، أم حرمت الجنة على آدم، وأبيحت من بعدُ لبنيه؟
أما علماء العبرية الذين قالوا من بعد أن «جان عدن» يعني «جنة النعيم»، فليس بشيء، لأن سفر التكوين يضع الجنة «في عدن شرقًا» ، وينص تنصيصًا على «جان بعدن»، أي جنة في عدن (والباء في العبرية تكافئ «في» العربية). ليست «عدن» في سفر التكوين من أسماء المعاني، وإنما هي بيقين لا يصح فيه جدل اسم موضع، كيفما اخترت له الأرض والموقع).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/198-206]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:47 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir