(3) مالك:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (3)
مالك
مالك صلوات الله عليه وعلى ملائكته أجمعين، ملك كريم، شرفه الله عز وجل بتسميته في القرآن، على غير سابقة في التوراة والإنجيل: {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} [الزخرف: 74 – 78]، فتستدل من هذا على أن «مالكا» رضي الله عنه وأرضاه هو خازن النار، أي الملك الموكل بعذاب من حق عليه العذاب. وتستدل من قوله رضي الله عنه «لقد جئناكم بالحق» إن أسندته إليه كما هو السياق، على أنه يتحدث باسم الملائكة جميعًا، فهو ملك مقرب رفيع الرتبة في ملائكة الله عز وجل. وقد مر بك أن ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في رضوان الله سواء، وفي القرب منه عز وجل سواء، لا فرق بين المنفذين وعده والمنفذين وعيده.
وربما لبس عليك إبليس فأشفقت على ملائكة العذاب من جوار أهل النار: ماذا جنى مالك وأعوانه المكرمون، بل وزبانية النار، حتى يخلدوا مع الأشرار {في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم} [الواقعة: 42 – 44]؟ في حين أن خزنة الجنة رضوان الله عليهم مع أصحاب اليمين: {في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود} [الواقعة: 28 – 30]؟
لا عليك. ليس الملائكة إنسا ولا جنًا. الملائكة لا ينعمون كالذي تنعم، ولا يألمون كالذي تألم. لا يلذهم الذي تلذ به، ولا يمضهم الذي تمض أنت به أو تجوى. بل نعيمهم وعذابهم رضوان الله أو سخطه، وقد أعاذهم الله من سخطه بأن خلقهم – وليس بعد إنس ولا جان – على الطاعة، لا يعصون له أمرًا، فهم في رضوانه عز وجل منذ أن خُلقوا، لأنهم في شُغلٍ بأمره عز وجل عما سواه. هذا ومن النار برد
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/185]
وسلام: قد ألقى بإبراهيم في جوف نار أكلت كل ما حوله، وهو في جوفها كمن في روضة من رياض الجنة. كانت هذه تكرمة لإبراهيم خليل الرحمن، وخزنة النار – رضوان الله عليهم – بهذه التكرمة أولى.
ولفظ «مالك» عَلَمُ عربيٌ مقطوعٌ بعربيته بلا خلاف، لا مدخل فيه لشبهة عجمة. ومن ثم فهو يقع خارج نطاق مباحث هذا الكتاب.
ولكنك تستنبط من عربية هذا الاسم أمرًا خطير الدلالة: العلم غير الموحي به في التوراة والإنجيل، ولا ذكر له في كتبهم وقصصهم، يجيء في القرآن على أصله عربيًا، على خلاف الأعلام التي ثبتت لها العلمية من قبل بغير لغة القرآن، فيعربها القرآن.
وربما استنبطت من هذا أيضًا مستدلاً بقوله عز وجل: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} [الزخرف: 77] – أن ثبوت العلمية على النداء من أهل النار لمالك باسم عربي – وأهل النار أمم شتى يتفاوتون لغات وأجناسًا – يعني أن لسان الخلق أجمع سيرتد في الآخرة عربيًا. وهو نفس ما تستنبطه من قيل الملائكة: {سلاما سلاما} [الواقعة: 26] لأهل الجنة عربًا وغير عرب، فتفهم أن لسان أهل الجنة عربي، وقد روي بمعناه عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/185 -186]