(11) أثر دراسة الشعر الجاهلي على فتنة ترجمة القرآن
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر الحسيني (ت: 1418هـ): (11)
(فإذا تم ما دعونا إليه لأهل هذا اللسان العربي يومًا ما، وعسى أن يكون ذلك بتوفيق الله، فسيكون ذلك فتحًا مبينًا، لا في تاريخ البلاغة العربية وحدها، بل في تاريخ بلاغة الجنس الإنساني كله. وسيكون أيضًا مقنعًا ورضى لهذا (العقل الحديث) الذي يتطلب في معرفة (إعجاز القرآن) ما يرضى عنه ويطمئن إليه، وليس هذا فحسب، بل إن أهل الحق من أهل الإسلام،
[مداخل إعجاز القرآن: 189]
سيجدون يومئذ وسيلة لا تدانيها وسيلة، تسهل لهم ما استغلق عليهم من دعوة الناس إلى كتاب الله، الذي خص به العرب، وجعل فيه ذكرهم على الدهر حين أنزله بلسانهم، ولكنه جعله هدى للبشر جميعًا عربهم وعجمهم يومئذ ستبطل فتنة (ترجمة القرآن) من أصلها، لسبب ظاهر أشد الظهور. فإن البشر إذا لم يكن في طاقتهم بألسنتهم التي يبدعون في شعرهم ونثرها، أن يأتوا ببيان كبيان القرآن، تدل تلاوته على أنه بيان مفارق لبيان البشر، فمن طول السفه وغلبة الحماقة، أن يدعى أحد أنه يستطيع أن يترجم القرآن، فيأتي في الترجمة ببيان مفارق لبيان البشر. فإذا لم يكن ذلك في طاقة أحد، لم يكن لهذه الترجمة معنى، بل سيكون فيها من القصور والتخلف، ما يجعل القرآن كلامًا كسائر الكلام، لا آية فيه ولا حجة على أحد من العالمين، ولا توجب ترجمته على أحد أن يؤمن بما فيه، إن خالف ما يجرى عليه اعتقاده أو علمه، إلا إذا آمن من قبل أنه كتاب منزل من السماء. وهذا عكس لآية القرآن، وهي أن بيانه هو الدليل القاطع على أنه ليس من البشر، وأنه كتاب منزل من السماء، وأنه هو كلام رب العالمين الذي تعبدنا بتلاوته، والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة، الكرام البررة. والذي يقرأ القرآن
[مداخل إعجاز القرآن: 190]
ويتتعتع فيه، هو عليه شاق، له أجران). وقال أيضًا: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها. لا أقول (ألم) حرف، ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).[مداخل إعجاز القرآن: 189-191]