· أيهما أفضل: المبتلى الصابر أم المعافى الشاكر
اختلف أهل العلم في المفاضلة بين المبتلى الصابر والمعافى الشاكر ، وفي المفاضلة بين الصبر والشكر.
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الكلام في هذه المسألة في مواضع من كتبهما، وأفرد لها ابن القيم ثلاثة أبواب في كتابه "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين".
والخلاصة أنّ المفاضلة العامّة تختلف عن المفاضلة الخاصّة.
فقد يكون جنس أحد العملين أفضل من الآخر، لكن في حقّ المعيّن قد يقع العكس، لأنَّ الأكرم عند الله تعالى والأفضل من الطائفتين هو الأتقى لله تعالى؛ كما قال الله تعالى: {إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم}
ومن الناس من يصلحه الغنى والعافية فإذا ابتلي شقّ عليه الأمر وعجز عنه أو فتن به، ومنهم من هو على العكس من ذلك؛ فيصبر على البلاء والضراء صبراً حسناً، فإذا عوفي وأنعم عليه عجز عن الصبر في السراء فربما طغى أو ألهته دنياه عن ذكر الله.
فمعيار التفاضل هو التقوى.
- قال ابن القيّم رحمه الله: (ولا يصح التفضيل بغير هذا البته؛ فإنَّ الغني قد يكون أتقى لله في شكره من الفقير في صبره، وقد يكون الفقير أتقى لله في صبره من الغني في شكره؛ فلا يصح أن يقال: هذا بغناه أفضل، ولا هذا بفقره أفضل.
ولا يصح أن يقال: هذا بالشكر أفضل من هذا بالصبر، ولا بالعكس؛ لأنهما مطيتان للإيمان لا بد منهما، بل الواجب أن يقال: أقومُهما بالواجب والمندوب هو الأفضل؛ فإن التفضيل تابع لهذين الأمرين؛ كما قال تعالى فى الأثر الالهى: [ما تقرب إليَّ عبدي بمثل مداومة ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه]
فأيّ الرجلين كان أقوم بالواجبات وأكثر نوافل كان أفضل)ا.هـ.
والسلف قد اختلفوا في المفاضلة الخاصة أيضاً:
فمنهم من لم يفضّل، وقال أحبّهما إليّ أحبهما إلى الله، كما تقدّم مثله عن عمران بن الحصين رضي الله عنه، وروي عن عمر بن الخطاب.
- وقال مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير: (لأن أعافى فأشكر أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر). رواه وكيع في الزهد.
- وقال مسلم البطين: قلت لسعيد بن جبيرٍ: الشّكر أفضل أو الصّبر؟ قال: (الصّبر، والعافية أحبّ إليّ ). رواه هناد في الزهد.