درجات الناس في العبادة والاستعانة
والناس في العبادة والاستعانة على أقسام فأفضلهم الذين أخلصوا العبادة والاستعانة لله تعالى فحققوا {إياك نعبد وإياك نستعين}وهؤلاء بأفضل المنازل ؛ فإنهم استعانوا بالله تعالى على عبادة الله كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل أن يقول دبر كل صلاة: ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))
وقد فقه معاذ بن جبل هذا الحديث أحسن الفقه؛ ففي الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذاً إلى اليمن فقال:((ادعوا الناس، وبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا)).
قال: فكان لكل واحدٍ منا قبة ٌ نزلها على حِدَةٍ.
فأتى معاذٌ أبا موسى وكانا يتزاوران..
ثم جلسا يتحدثان فقال معاذ: يا أبا موسى كيف تقرأ القرآن؟
قال: أتفوَّقُه تفوقاً على فراشي وفي صلاتي وعلى راحلتي.
ثم قال لمعاذ: كيف تقرأ أنت؟
قال: سأنبئك بذلك؛ أما أنا فأنام ثم أقوم فأقرأ فأحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي).
وهذا أمر قد يغفل عنه كثير من الناس ؛ فإن من أخلص قلبه لله جل وعلاجعل ما يفعله من المباحات سبباً للتقوي على طاعة الله جل وعلاوحسن عبادته حتى تكون حياته كلها لله كما قال الله تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}
والمسلمون يتفاضلون في هاتين الصفتين تفاضلاً عظيماً فهم على درجات فيهما لا يحصيهم إلا من خلقهم ، فمن حقق إخلاص العبادة والاستعانة فهو سابق بالخيرات بإذن ربه.
ويكون لدى بعض الناس ضعف في إخلاص العبادة ، وضعف في إخلاص الاستعانة.
والتقصير في إخلاص العبادة تحصل بسببه آفات عظيمة تحبط العمل أو تنقص ثوابه كالرياء والتسميع وابتغاء الدنيا بعمل الآخرة، وأخف من هؤلاء من يؤدي هذه العبادات لله لكن لا يؤديها كما يجب؛ فيسيء فيها ويخلّ بواجباتها لضعفٍ في إخلاصه وصدقه وإيمانه.
والتقصير في الاستعانة تحصل بسببه آفات عظيمة من الضعف والعجز والوهن فإن أصابه ما يحِبُّ فقد يحصل منه عجب واغترار بما يملك من الأسباب، وإن أصابه ما يكره فقد يبتلى بالجزع وقلة الصبر.
وكلا التقصيرين لا يحصل لصاحبه طمأنينة قلب ولا سكينة نفس ولا تطيب حياته حتى يحقق هذين الأمرين؛ إخلاص العبادة وإخلاص الاستعانة.