اختلف العلماء في تعيين في المراد بمواقع النجوم وقيل فيها :
أولاً: نجومالقرآن ، فالمراد به على أقوال :
1/قيل محكم القرآن، قاله عبدالله بنمسعود ومجاهد
_قال الفراء : حدثني الفضيل بن عياض, عن منصور, عن المنهالبن عمرو رفعه إلى عبد الله فيما أعلم شك الفراء قال: { فلا أقسم بموقع النجوم}, قال: بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبي صلى الله عليه نجوما).، وهذا القول شك بهالفراء فيما رواه .
_وروى ابن جرير الطبري : حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّقال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، {فلا أقسم بمواقعالنّجوم}. قال: هو محكم القرآن.
_وكما ذكر في صحيح البخاري قوله : بمحكم القرآن،ويقال: بمسقط النّجوم إذا سقطن، ومواقع وموقعٌ واحدٌ ").
وعند السلف رضوان اللهعليهم ،أن المحكم ما ظهر معناه وانكشف كشفا يزيل الإشكال ويرفع الاحتمال وهو موجودفي كلام الله تعالى ويقابله المتشابه .
لكن محكم القرآن بصفة عامة يراد به،الإحكام العام لوصف كتاب الله ، فهو محكم القرآن وآياته ومعجزاته ، قال تعالى :( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) ، فكما النجم نهتدي به من ظلمات البحر والبحر ، فكذلكالقرآن هداية للبشر من الظلمات إلى النور وهو أبلغ تشبيه. والله أعلم .
2/وقيل منازل القرآن،، إذ أنزل منجماً على رسول الله سنيناً . قاله ابن عباس ، وعكرمة
_قول ابن عباس
روى ان جرير :حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا حصينٌ، عنحكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: نزل القرآن في ليلة القدر منالسّماء العليا إلى السّماء الدّنيا جملةً واحدةً، ثمّ فرّق في السّنين بعد قال: وتلا ابن عبّاسٍ هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: نزل متفرّقًا .
قول عكرمة
وروى ابنجرير : حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عنعكرمة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. قال: أنزل اللّه القرآن نجومًا ثلاثآياتٍ وأربع آياتٍ وخمس آياتٍ.
قال الزجاج : وقيل إن مواقع النجوم يعنى به نجومالقرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء , ودليل هذا القول : {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم}).
فمعنى ذلكمواقعها هو نزولها ، ونجوماً هو نزولها متفرقة شيئاً بعد شيء في سنين ، فالقرآنأنزل جملة واحدة في السماء ، ثم أنزل متفرقاً على النبي صلى الله عليه وسلم .
فمعنى ذلكمواقعها هو نزولها ، ونجوماً هو نزولها متفرقة شيئاً بعد شيء في سنين ، فالقرآنأنزل جملة واحدة في السماء ، ثم أنزل متفرقاً على النبي صلى الله عليه وسلم
3/وقيل مستقر الكتاب أوله وآخره). قاله ابن عباس
روى بن جريرقال حدثني محمد بن سعد قال :ثنى أبي قال : ثنى عمي قال :ثني أبي ,عن أبيه , عن ابن عباس رضيالله عنهما {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: مستقر الكتاب أوله وآخره) .
فكما أنزلالقرآن منجماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا مبتداه ومنتهاه ، فنزولهعلى مراحل من اللوح المحفوظ للسماء الدنيا ثم نزوله متفرقاً على رسول الله صلى اللهعليه وسلم .
قال السدي : وقِيلَ المُرادُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ نُزُولُ القُرْآنِنُجُومًا مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ .
فكما في الأثر عن ابن عباس نزوله منجماًعلى على رسول الله ،فهو من الاخبار مما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثانياً: وقيل الكواكب. ومنها نجوم السماء، مما أجمع عليه جمهورالمفسرين لكن الاختلاف في مواقعها على أقوال :
1/مواقعها و مساقطها , ومغايبها .
قاله مجاهد ، وقتادة ، والحسن , وأبو عبيدة في مجاز القرآن
_روى ابنجرير الطبري : حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى،وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عنمجاهدٍ، قوله: {بمواقع النّجوم}. قال في السّماء ويقال مطالعها ومساقطها.
_وروى ابنجرير الطبري : حدّثني بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها.
_قول الحسن : ذكره السيوطي ,بقوله أخرجه عبد بن حمد .
هذه الأحوال تكون في الدنيا ،. منغروبها ، وسقوطها ، ومواقعها ، فهذا دليل عظمة خالقهاوقدرته وبديع صنعه .
قال ابنتيمية : أن الرب تعالى يقسم بالنجوم وطلوعها وجريانها وغروبها إذ فيها وفي أحوالهاالثلاث آية وعبرة ودلالة كما تقدم في قوله تعالى ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) وقال ( والنجم إذا هوى ) وقال ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ,
قال الزجاج :ومواقعالنجوم مساقطها، كما قال عزّ وجلّ : {فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب} .
فمعنى ذلكسقوط النجوم سواء في المشارق أو المغارب ، فهو محل الوقوع لخط سيرها ، ومكان مغيبهابعلم الله سبحانه .
2/وقيل منازل النجوم , وانتظام سيرها في الآفاق .
قاله قتادة ، وعطاء بن رباح ,وذكره ابن عاشور قولاً
-رواهعبدالرازق : عن معمر عن قتادة في قوله فلا أقسم بمواقع النجوم قال منازل النجوم،كذلك قاله عطاء .
_أما قول عطاء ,ذكره ابن الجوزي لكن لم يسنده .
وقال ابن عاشور : والمواقع هي : أفلاك النجوم المضبوطة السير فيأفق السماء ، وكذلك بروجها ومنازلها ،فيقصد بالمنازل هي أماكنها في بروجها ، فهيكسابقتها مواقعها ومحل خط سيرها بمنظومة عالية ،تدل على قدرة الخالق ، وحال غروبهاوزوال أثرها.
3/وقيل انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
قاله الحسن .
رواه ابنجرير : حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فلاأقسم بمواقع النّجوم} قال: قال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
هذا القولهو التفسير باللازم ، وهو دليل على أهوال يوم القيامة من انكدار النجوم لقوله (وإذاالنجوم انكدرت ) .
وهو اثبات وقوع يوم القيامة ومافيها من أهوال ورد على الكفارلإنكارهم البعث .
قال ابن عطية : ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة ، والتخصيصلما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل ، وتحقق ما ينكره الكفار من البعث .
4/وقيل هيالأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ مُطِرْنا بِنَوْءِكَذا ,ذكره ابن كثير والماوردي قولاً عنالضحاك .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾يَعْنِي بِذَلِكَ: الْأَنْوَاءَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَامُطِروا، قَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا.
ولحديث ابن عباس : عن النبيصلى الله عليه وسلم أنه قال للناس : ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: اللهورسوله أعلم، قال: ((قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطِرْنابفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنَوْء كذاوكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب) رواه مسلم
وبهذا يتبين أن سبب النزول ليس خاص به , لكن يؤخذ منه مما يشمله معنى الآية , فما نسب للضحاك بقوله كون النجوم هي الأنواء , فذلك لايلزم نفي القسم , لأنه قسم صريح بقوله ( وإنه لقسم لوتعلمون عظيم ) , والأنواء من مخلوقات الله ,ونزول المطر بأمر الخالق وتقديره ,فالتفسير من هذا الجانب لايمنع ذلك . والله أعلم
قال ابن الأثير : المراد بالنوء فيحديث الباب النجم ، وسمي نوءاً ،لأنه إذا سقط الساقط منها في المغرب ناء الطالعبالمشرق ، ينوء نوءاً ، أي :نهض وطلع ،وقيل : سقط وغاب .
فالعرب في الجاهليةيعتقدون بالنجوم إذا سقط منها نجم طلع بدله نجم ، فينزل المطر ، فينسبونه للإنواء ،ويقولون مطرنا بنوء كذا .
5/وقِيلَ: مَواقِعُها عِنْدَ الِانْقِضاضِ إثْرَالعَفارِيتِ، ذكره ابن عطية وفخر الدين الرازي قولاً في تفسيرهما ولم ينسباه .
فدلالة هذا القول,قوله تعالى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (سورة الصافات:6-10], وقال تعالى :( قال تعالى :(وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَوَجَعَلْنَٰهَا رُجُومًا لِّلشَّيَٰطِينِ ) ,فمن وظائف النجوم زينة للسماء , وعلامات يهتدى بها في البحر والبر , وحفظاً من الشياطين .
قال الرازي : مَواقِعُها في اتِّباعِ الشَّياطِينِ عِنْدَ المُزاحَمَةِ.
فمن وظائف النجوم رجومللشياطين ، ولكل من يسترق السمع منهم ، فهي من اعجاز الله وحفظه لكتابه من الاستراق .
وقال ابن عاشور : أي لا يتركهم الرمي بالشهب منتهين إلى الملأ الأعلى انتهاء الطالب المكان المطلوببل تدحرهم قبل وصولهم فلا يتلقفون من عِلم ما يجري في الملأ الأعلى الأشياء مخطوفةغير متبينة ، وذلك أبعد لهم من أن يسمعوا لأنهم لا ينتهون فلا يسمعون .
فالراجحأن المراد بمواقع النجوم ،عند أكثر المفسرين على قولين :
1/نجوم السماء وهي الكواكب المعروفة ، وجريانهاومنازلها ، ومطالعها ، فهي إعجاز من الخالق ، لكل مستقر ومستودع فسبحان الله أحسنالخالقين .
2/نجوم القرآن ,نزوله منجماً من السماء الدنيا .
قال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النّجوم ومغايبها في السّماء، وذلك أنّ المواقع جمع موقعٍ، والموقعالمفعل من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك،ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.
و قال ابن القيم : لأن النجوم حيث وقعت فيالقرآن فالمراد بها الكواكب .