ثم قال: " الكلام على الخبر " أي: هذا المبحث معقود للكلام على ضروب الخبر وأحواله , فقال: الخبر إما أن يكون جملة فعلية أو اسمية " الخبر وهو كما ذكرنا إخبار بأمر قد حصل , أو قل: هو ما يحتمل الصدق والكذب , إما أن يكون بجملة اسمية وإما أن يكون بجملة فعلية ، فالأولى , أي الجملة الاسمية...
فالأول أيى الجملة الفعلية أقصد من ثابت الحدوث في زمن مخصوص , لماذا إذا أردت أن تعبر عن معنى تعبر بالجملة الفعلية؟ إنما تعبر بها إذا أردت التجدد والحدوث , إذا أردت أن الأمر جديد , أو أردت ارتباطه بالزمن , قام زيد , أردت هنا إثبات حصول هذا الحكم في الزمان الماضي ، سيقوم زيد غدا ,{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} , {سيقول} هذه جملة فعلية , والمقصود بها الإخبار أنهم سيقولون هذا في المستقبل , {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} هذه جملة فعلية , والمقصود بها إثبات أن الله قد قال ذلك في الماضي ـ فهمت؟ ـ فإذن الفعل يدلك علي التجدد والارتباط بالزمن , سواء كان الزمان ماضيا أو كان مستقبليا , فإن كان ماضيا عبر بالفعل الماضي , وإن كان مستقبليا عبر بالفعل المضارع ، مع الاختصار . مع الاختصار؛ لأن الجملة الاسمية قد تدل أيضا على التجدد , وقد تدل على الارتباط بالزمن , لكن ذلك يُحتاج فيه إلى الإتيان بظرف , زيد قادم غدا , فالجملة الاسمية هنا دلت علي التجدد وعلى أن القدوم سيكون غدا , لكن ليس مع الاختصار؛ لأنك أتيت الاسم الكامل وهو الظرف المنصوب , بينما لو قلت: يقدم زيد , لا تحتاج إلى هذا الظرف ، فحصل الاختصار , وقد تفيد الاستمرار التجددي بالقرائن , إذا احتفت الجملة الفعلية بالقرائن فاقترنت بما يدل على الاستمرار , فإنها حينئذ تفيد الاستمرار , لكن ذلك الاستمرار تجددياً , أي أنه يأتي فترة بعد أخرى , وذلك فيما إذا كان الفعل مضارعا , دليله قول الشاعر:
أوكلما وردت عكاظ قبيلة ...... بعثوا إليّ عريفهم يتوسم
أو كلما , كلما هنا أداة شرط تدل على التجدد , وأن ذلك يحدث ثم ينقطع ثم يحدث ثم ينقطع , كلما قام زيد فعل كذا , كلما أتى عمرو استقبلناه , كلما سمعت علما فاكتبه ، وهكذا , فهذا يدل على التجدد ، على الاستمرار في التجدد , الاستمرار المتجدد.
أو كلما وردت عكاظ قبيلة ....... بعثوا إلي عريفهم يتوسم
فالجملة هنا فعلية وهي تفيد التجدد .
والثانية وهي الجملة الاسمية موضوعة لمجرد ثبوت المسند للمسند إليه , أي أن المقصود بها في الأصل حصول الحكم , أي الحكم على المسند إليه بالمسند , بغض النظر عن الزمان , وبغض النظر عن التجدد أو عدمه , إذا قلت: زيد قائم , فالأصل أنه قائم الآن , لكن لا ينفي ذلك أن يكون كان قائماً في الماضي , وسيبقى قائما في المستقبل. زيد حسن , أراه أنه حسن الآن , لكن لا ينفي ذلك أن يكون كان حسناً في الماضي وسيبقى حسنا في المستقبل وهكذا. مثل: الشمس مضيئة , معناه هي الآن مضيئة , لكن لا ينفي ذلك أن تكون مضيئة فيما قبل وفيما بعد , وقد تفيد الاستمرار بالقرائن , وذلك إذا لم يكن في خبرها فعل؛ لأنه إذا كان في خبرها فعل رجعنا إلى الجملة الفعلية التي تفيد التجدد , ومثال ذلك قول الشاعر:
قالت أمامة ما تبقــى دراهمنا ...... وما لنا سرف فيها ولا خُرق
إنا إذا اجتمعــت يوما دراهمنا ...... ولت إلى طرق المعروف تستبق
لا يألف الدرهم المضروب سرتنا ....... لـكن يمر عليها وهو منطلق
حتى يصير إلى نـذل يخــلده ...... وكاد من صدره إياه يمزق
فهنا:
لا يألف الدرهم المضروب سرتنا ....... لكن يمر عليها وهو منطلق
وهو منطلق جملة اسمية , وهي تفيد الاستمرار , أنه يمر دون توقف , لكن يمر عليها وهو منطلق.
والأصل في الخبر أن يلتقي لإفادة المخاطب الحكم الذي يتضمنه ، تتضمنه الجملة , فالإخبار قسمان , الخبر كله ينقسم إلى قسمين: إلى فائدة الإخبار ، ولازم فائدة الإخبار.
القسم الأول: هو فائدة الإخبار , وهو إخبارك لإنسان بأمر كان يجهله , كما إذا قلت لي: مات زيد ولم أكن أعلم أنه مات , فهذا يسمى فائدة الإخبار لأنك أفدتني بأمر لم أكن أعلمه.
والقسم الثاني: هو لازم فائدة الإخبار , كما إذا قلت لي: أنت موجود هنا , فهذا معناه أنك تعلم أنني موجود , وإلا فلن تخبرني فأنا أدرى بذلك , فإذن هذا القسم الثاني يسمى لازم فائدة الإخبار.
قال: " والأصل في الخبر أن يلقى لإفادة المخاطب الحكم الذي تتضمنه الجملة " وهذا هو القسم الأول. وهو الأصل كما في قولنا: حضر الأمير , فحضر الأمير خبر بأمر لم تكن تعلمه فأخبرت به.
قوله: " أو لإفادة أن المتكلم عالم به " وهذا القسم الثاني , هو ألا يفيدك أمراً جديداً عليك ولكن يفيدك أنه هو علم به , نحو أنت حضرت أمس , فمثال هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري حين أخبره أنه سمعه يقرأ القرآن فأوتي مزمارا من مزامير آل داود , فقال: لو كنت أعلم أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرا. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر أبا موسى بأمر مجهول لديه , وهو أنه كان يقرأ في المسجد , لكن يخبره ليعلم أنه هو علم بذلك وهو سمعه , فهذا لازم فائدة الإخبار , ويسمى الحكم أي القسم الأول فائدة الإخبار , فائدة الخبر , ويسمى كون المتكلم عالما به وهو القسم الثاني , لازم فائدة الإخبار ، لازم الفائدة.