[أَفْرَاسُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودَوَابُّهُ وسِلاحُهُ]
ذِكْرُ أَفْرَاسِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أوَّلُ فَرَسٍ مَلَكَهُ (السَّكْبُ)، اشتراهُ منْ أعرابيٍّ منْ بني فَزارةَ بعَشْرِ أَوَاقٍ، وكان اسمُهُ عندَ الأعرابيِّ (الضَّرِسَ)، فسَمَّاهُ (السَّكْبَ)، وكان أَغَرَّ مُحَجَّلًا طَلْقَ اليُمْنِ، وهوَ أوَّلُ فرَسٍ غَزَا عليهِ [1].
وكان لهُ سَبْحَةٌ [2]، وهوَ الذي سابَقَ عليهِ، فسَبَقَ ففَرِحَ بهِ.
والْمُرْتَجِزُ [3]، وهوَ الذي اشتراهُ من الأعرابيِّ الذي شَهِدَ لهُ خُزيمةُ بنُ ثابتٍ، والأعرابيُّ منْ بَنِي مُرَّةَ.
وقالَ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ الساعديُّ: كانَ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْدِي ثلاثةُ أفراسٍ: لِزَازٌ، والظَّرِبُ، واللَّحِيفُ.
فأمَّا لِزَازٌ: فأَهْدَاهُ لهُ الْمُقَوْقِسُ.
وأمَّا اللَّحِيفُ: فأَهداهُ لهُ ربيعةُ بنُ أبي الْبَرَاءِ، فأثابَهُ عليهِ فرائضَ منْ نَعَمِ بَنِي كِلابٍ.
وأمَّا الظَّرِبُ: فأهداهُ لهُ فَرْوَةُ بنُ عمْرٍو الجذاميُّ [4].
وكان لهُ فَرَسٌ يُقالُ لهُ: الْوَرْدُ [5]، أهداهُ لهُ تَميمٌ الدَّارِيُّ، فأعطاهُ عُمَرَ، فحَمَلَ عليهِ [6]، فوَجَدَهُ يُباعُ [7].
وكانت بغْلَتُهُ الدُّلْدُلُ، يَرْكَبُها في الأسفارِ.
وعاشَتْ بعدَهُ حتَّى كَبِرَتْ وزَالَتْ أسنانُها، وكانَ يُجَشُّ لها الشعيرُ [8]، وماتَتْ بيَنْبُعَ [9].
وحمارُهُ عُفَيْرٌ ماتَ في حِجَّةِ الوداعِ.
وكان لهُ عشرونَ لِقْحَةً [10] بالغابةِ، يُراحُ إليهِ كلَّ ليلةٍ بقِرْبَتَيْنِ عظيمتَيْنِ منْ لَبَنٍ.
وكانَ فيها لِقاحٌ غِزارٌ: الْحَنَّاءُ، والسَّمْرَاءُ، والعُرَيِّسُ، والسعْدِيَّةُ، والْبَغُومُ، واليَسِيرَةُ، والرَّيَّا.
وكانتْ لهُ لِقْحَةٌ تُدعَى بُرْدَةَ، أهداها لهُ الضحَّاكُ بنُ سُفيانَ، كانتْ تَحْلِبُ كما تَحْلِبُ لِقْحَتَانِ غَزيرتانِ.
وكانتْ لهُ مُهْرَةُ، أَرْسَلَ بها سعدُ بنُ عُبادةَ منْ نَعَمِ بني عُقَيْلٍ والشَّقْرَاءُ.
وكانتْ لهُ العَضْبَاءُ، ابتاعها أبو بكرٍ منْ نَعَمِ بني الحَرِيشِ وأُخْرَى بثمانِمائةِ دِرْهَمٍ، فأَخَذَها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَرْبَعِمائةِ دِرْهَمٍ.
وهيَ التي هاجَرَ عليها، وكانتْ حينَ قَدِمَ المدينةَ رُبَاعِيَّةً، وهيَ القَصْوَاءُ والْجَدْعَاءُ، وقدْ سُبِقَتْ، فشَقَّ على المسلمينَ [11].
وكانَ لهُ مَنَائِحُ[12]:
سَبْعٌ من الْغَنَمِ: عِجْزَةُ، وزَمْزَمُ، وسُقْيَا، وبَرَكَةُ، ووَرْسَةُ، وأَطْلالُ، وأَطْرَافُ.
وكان له مِائةٌ من الغَنَمِ.
[سِلاحُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
وكانَ لهُ ثلاثةُ رِماحٍ أَصَابَها منْ سلاحِ بني قَيْنُقَاعٍ، وثلاثةُ قِسِيٍّ: قَوْسٌ اسْمُها الرَّوْحَاءُ، وقَوسُ شَوْحَطٍ، وقوسٌ صَفراءُ تُدْعَى الصفراءَ.
وكانَ لهُ تُرْسٌ فيهِ تمثالُ رَأْسِ كَبْشٍ، فكَرِهَ مَكانَهُ، فأَصْبَحَ وقدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ.
وكانَ سيْفَهُ ذُو الْفَقَارِ، تَنَفَّلَهُ يومَ بَدْرٍ، وهوَ الذي رأى فيهِ الرُّؤْيَا يومَ أُحُدٍ [13]، وكان لِمُنَبِّهِ بنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ.
وأصابَ منْ سلاحِ بني قَيْنُقَاعٍ ثلاثةَ أَسْيَافٍ: سيفٌ قَلَعِيٌّ [14]، وسيفٌ يُدْعَى بَتَّارًا، وسيفٌ يُدْعَى الْحَنِيفَ.
وكانَ عندَهُ بعدَ ذلكَ الْمُخَدَّمُ، ورَسُوبٌ، أَصَابَها من الفُلْسِ [15]، وهوَ صَنَمٌ لِطَيِّئٍ.
قالَ أَنَسُ بنُ مالكٍ: كانَ نَعْلُ [16] سيفِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً، وقَبِيعتُهُ فِضَّةً، وما بينَ ذلكَ حِلَقُ فِضَّةٍ.
وأصابَ منْ سلاحِ بني قَيْنُقَاعٍ دِرْعَيْنِ: دِرْعٌ يُقالُ لهُ: السَّعْدِيَّةُ، ودِرعٌ يُقالُ لهُ: فِضَّةُ.
ورُوِيَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ قالَ: رَأَيْتُ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ أُحُدٍ [17] دِرعَيْنِ: دِرْعُهُ ذاتُ الفُضولِ، ودِرْعُهُ فِضَّةُ، ورأيتُ عليهِ يومَ خَيبرٍ دِرعَيْنِ: ذاتُ الفضولِ والسَّعْدِيَّةُ.
تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
[1] وكانَ ذلكَ في أُحُدٍ كما ذَكَرَ الذهبيُّ في (تاريخِ الإسلامِ) (2/359).
والسَّكْبُ، كما في (النهايَةِ): الكثيرُ الجَرْيِ، كأنَّما يَصُبُّ جَرْيَهُ صَبًّا، وأَصْلُهُ مِنْ سَكَبَ الماءَ يَسْكُبُهُ.
[2] يُقالُ ذلكَ للفَرَسِ الحسَنِ مَدِّ اليديْنِ في الْجَرْيِ.
[3] وكانَ أبيضَ؛ وسُمِّيَ بذلكَ لِحُسْنِ صَهِيلِهِ.
[4] يُنْظَرُ: (الطبقاتُ) (1/488) لابنِ سعدٍ.
[5] الوَرْدُ بينَ الكُمَيْتِ الأحمرِ والأَشْقَرِ.
[6] أيْ: تَصَدَّقَ بهِ في سبيلِ اللَّهِ.
[7] الحديثُ في (صحيحِ البخاريِّ) (3636)، وتَمامُهُ: لَمَّا أَرادَ عُمَرُ شِراءَهُ قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ)).
[8] يُجَشُّ: بالجيمِ؛ أيْ: يُطْحَنُ لها الشعيرُ.
[9] وهيَ المدينةُ المعروفةُ اليومَ على ساحلِ البحرِ الأحمرِ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ حَرَسَها اللَّهُ، قالَ في (مُعجَمِ البُلدانِ): سُمِّيَتْ يَنْبُعُ بذلكَ؛ لكثرةِ يَنابيعِها وعُيونِها.
[10] اللِّقْحَةُ: هيَ الناقةُ الْحَلوبُ.
وكانتْ تلكَ الدوابُّ عندَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَ الفُتوحاتِ والْفَيْءِ الذي أَعطاهُ اللَّهُ.
[11] حيثُ كانتْ لا تُسْبَقُ كُلَّمَا سابَقوها، فلَمَّا سَبَقَها أعرابيٌّ على قَعودٍ اشْتَدَّ ذلكَ على الصحابةِ وشَقَّ عليهم، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَا وَضَعَهُ))، رواهُ البخاريُّ (6501).
[12] الْمَنَائِحُ: جَمْعُ مَنيحَةٍ، وهيَ ما يُمْنَحُ لَبَنُهُ ووَبَرُهُ ووَلَدُهُ. (القاموسَ مادَّةَ مَنَحَ).
[13] روى البخاريُّ (4081) ومسلمٌ (2272) عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهِ خَيْرًا، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ)).
[14] نِسْبَةً إلى مَوْضِعٍ بالباديَةِ يُقالُ لهُ: مَرْجُ القَلْعَةِ (مُعجَمَ البُلدانِ) (4/389).
[15] بضَمِّ الفاءِ وسكونِ اللامِ، كذا ضَبَطَهُ في (النهايَةِ) (3/ 0-47).
[16] نَعْلُ السيْفِ: حديدةٌ في أَسفلِ غِمْدِهِ. وقَبِيعَتُهُ: ما يكونُ على طَرَفِ مَقْبَضِهِ. (القاموسَ).
[17] زيادةٌ منْ مَطبوعةِ دارِ الْجِنانِ. وهوَ كذلكَ في (تَهذيبِ الكمالِ) (1/ 212) الذي أَصْلُهُ للمُؤَلِّفِ الحافظِ عبدِ الغنيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
ثمَّ اعلَمْ -وَفَّقَكَ اللَّهُ- أنَّ عِنايَةَ الصحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم بنَقْلِ هذهِ الأمورِ، حتَّى نَقَلُوا حياةَ دَوَابِّهِ وماذا كانتْ تَأْكُلُ وكمْ عاشَتْ وأينَ مَاتَتْ... إلخ، لدَليلٌ واضِحٌ على شِدَّةِ حِرْصِهم وعَظيمِ اجتهادِهم في نَقْلِ جميعِ أحوالِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأُمَّةِ، وإذا كانَ كذلكَ في أُمُورٍ كهذهِ؛ فإنَّهُ في أُمورِ الدِّينِ أَعْظَمُ وأَعْظَمُ، فجَزاهم اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عنهم وجَزَى مَنْ جاءَ بعدَهم من التابعينَ وعُمومِ علماءِ المسلمينَ أَعْظَمَ الجزاءِ، وضاعَفَ مَثوبَتَهم، وشَمِلَنا معهم بِمَنِّهِ وفَضْلِهِ.