[ تابع لما سبق ]
الفائدة/39-الواجب على المسلمين-جميعا-وعلى طلبة العلم-بخاصة-أن يحذروا من مزالق الكلام؛ لأن كثيرين يتكلمون بكلام لا يلقون له بالا، ربما استهزءوا، أو ربما تكلموا بكلام فيه شيء من الهزل، وفيه شيء من الضحك، وكان في اثناء هذا الكلام ذِكر الله، أو فيه قراءة القرآن، أو فيه ذِكر بعض العلم، وهذا مما لا يجوز وقد يدخل أحدهم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي بها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً)) نسأل الله-جل وعلا-السلامة والعافية.
الفائدة/40-قال شيخ الإسلام وغيره من المحققين: إنه ما من معصية يَعصي بها العبد ربه إلا وسببها طاعة الشيطان أو طاعة الهوى، وذلك نوع تشريك، وهذا هو الذي حصل من آدم وحواء عليهما السلام، وهو لا يقتضي نقصا في مقامهما، ولا يقتضي شركا بالله-جل وعلا-وإنما هو نوع تشريك في الطاعة.
الفائدة/41-كل من جعل هواه متبَّعاً فقد جعله مطاعا، وهذا نوع تأليه، لكن لا يقال: عبد غير الله، أو ألَّه غير الله، أو أشرك بالله-جل وعلا-لكن هو نوع تشريك، فكل طاعة للشيطان أو الهوى فيها هذا النوع من التشريك، إذ الواجب على العبد أن يُعظِّم الله-جل وعلا-وأن لا يطيع إلاَّ أمره-جل وعلا-وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
الفائدة/42-يستنبط من تفسير ابن عباس-رضي الله عنهما-لآية {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وقول قتادة بسند صحيح: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته: هذا دليل على التفريق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة، فالشرك في العبادة كفر أكبر مخرج من الملة، أما الشرك في الطاعة فله درجات يبدأ من المعصية والمحرم وينتهي بالشرك الأكبر، فالشرك في طاعته درجاته كثيرة، وليس درجة واحدة، فقد يحصل الشرك في الطاعة فيكون معصية، ويحصل شرك في الطاعة فيكون كبيرة ، ويحصل الشرك في الطاعة فيكون كفرا أكبر، ونحو ذلك، أما الشرك في العبادة فهو كفر أكبر بالله-جل وعلا-،؛ ولهذا فَرَّق أهل العلم بين شرك الطاعة وشرك العبادة، مع أنَّ العبادة مستلزمة للطاعة، والطاعة مستلزمة أيضا للعبادة، لكن ليس في كل درجاتها.
الفائدة/43-كثير من المسلمين يقول كلمة (السلام عليكم) وهو لا يعي معناها، لأنه حين قال لمن أتاه: السلام عليكم، كأنه عاهده بأنه لن يأتيه منه إلا السلامة، ثم هو يخفر هذه الذمة، وربما أضره، أو تناول عرضه، أو تناول ماله، أو نحو ذلك. فهذا فيه التنبيه على فائدة مهمة، وهي أنه ينبغي لكل طالب العلم، بل كل عاقل بعامة إذا نطق بكلام أن يتبين ما معنى هذا الكلام، فكونه يستعمل كلاما لا يعي معناه، هذا من العيب، إذ ليس من أخلاق الرجال أصلاً أن يتكلموا بكلام لا يعون معناه، فيأتي بكلام ثم ينقضه في فعله أو في قوله، هذا ليس من أفعال الذين يعقلون، فضلا أن يكون من أفعال أهل العلم، أو طلبة العلم الذين يعون عن الله-جل وعلا-شرعه ودينه.
الفائدة/44- قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه)) معناه: من صنع إليك معروفا فكافئه، ولتكن مكافأته من جنس معروفه، إن كان معروفه من جهة المال فكافئه من جهة المال، وإن كان من جهة الجاه فكافئه من جهة الجاه، وهكذا. وعلاقة هذا بالتوحيد كما قال المحققون: أن الذي صُنعَ له معروف يكون في قلبه ميل ونوع تذلل وخضوع في قلبه واسترواح لهذا الذي صنع إليه المعروف، ومعلوم أن تحقيق التوحيد لا يتم إلا بأن يكون القلب خاليا من كل ما سوى الله –جل جلاله-وأن يكون ذله وخضوعه وعرفانه بالجميل هو لله-جل وعلا-وتخليص القلب من ذلك يكون بالمكافأة على المعروف، وأنه إذا أدَّى إليك معروفا فخلّص القلب من رؤية ذلك المعروف بأن ترد إليه معروفه؛ ولهذا قال: ((فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تَروا أنكم قد كافأتموه))، لأجل أن يتخلَّص القلب من أثر ذلك المعروف، فترى أنك دعوت له بقدرٍ ترجو معه أنك قد كافأته، وهذا لتخليص القلب مما سوى الله –جل وعلا- وهذه مقامات لا يدركها إلا أرباب الإخلاص، وتحقيق التوحيد جعلنا الله وإياكم منهم.
الفائدة/45-النهي والتحريم في استعمال لفظ (لو) أو (ليت) وما شابهها من الألفاظ في التحسر على الماضي، وتمني أنْ لو فعل كذا حتى لا يحصل له ما سبق، كل ذلك فيما يتصل بالماضي. أما المستقبل كأن يقول: لو يحصل لي كذا وكذا في المستقبل، فإنه لا يدخل في النهي؛ لأنها حينئذ تكون للتعليق في المستقبل، وترادف (إن). فاستعمال (لو) في المستقبل الأصل فيه الجواز، إلا إن اقترن بذلك اعتقاد أن فعله سيكون حاكماً على القدر كاعتقاد بعض الجاهلين، أنه إن حصل لي كذا فعلت كذا، تكبراً وأنفة واستعظاما لفعلهم وقدرتهم، فإن هذا يكون من المنهي؛ لأن فيه تجبرا وتعاظما، والواجب على العبد أن يكون ذليلاً؛ لأن القضاء والقدر ماضٍ، وقد يحصل له الفعل ولكن ينقلب على عقبيه كحال الذي قال الله-جل وعلا-فيه: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ .فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}.
الفائدة/46-أيها المسلم-خاصة طالب العلم-؛ خلِّص قلبك من كل ظن سوء بالله-جل وعلا-، فلا تظنن في أمر قدَّر الله وجوده أن غيره أفضل منه، وأن عدم حصوله أصلح، ولا في أمر قدَّر الله عدم كونه إن وجوده أولى، فإن كل ذلك سوء ظن بالله-جل وعلا-، ولهذا قال العلماء في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والحسد، فإنه يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب)): سبب ذلك أن الحاسد ظَنَّ أن من أعطاه الله-جل وعلا-هذه النعمة ف‘نه لا يستحقها، فحسده وتمنى زوالها عنه، فصار في ظنِّ سوء بالله-جل وعلا-، فلهذا أكل ظنُّه حسناته، كما أكلت النار الحطب، نسأل الله-جل وعلا-السلامة والعافية من أن نظن بالله-جل وعلا-غير الحق، ونسأله أن يجعلنا من المعظمين له، ومن المجلين لأمره ونهيه، المعظمين لحكمته سبحانه وتعالى.
الفائدة/47-قول إبراهيم النخعي-رحمه الله-: ((كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار)): فيه تأديب السلف لأولادهم ولذراريهم على تعظيم الله-جل وعلا- فإن الشهادة والعهد يجب أن يقترن بالتعظيم لله-جل وعلا-والخوف من لقائه، والخوف من الظلم، فكانوا يؤدبون أولادهم على ذلك حتى يتمرنوا وينشئوا على تعظيم توحيد الله وتعظيم أمر الله ونهيه.
الفائدة/48-حديث: ((إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه)): فيه تنبيه عظيم لأهل التوحيد وطلبة العلم الذين يهتمون بهذا العلم، ويعرِف الناس منهم أنهم يهتمون بهذا العلم، ألا يبادر منهم ألفاظ وأفعال تدل على عدم تخلقهم بهذا العلم، فإن التوحيد هو مقام الأنبياء والمرسلين، ومقام أولياء الله الصالحين، فأن يتعلم طالب العلم مسائل التوحيد، ثم لا تظهر على لسانه، أو على جوارحه، أو على تعامله لا شك أن هذا يرجع-ولو لم يشعر-إلى اتهام ما يحمله من التوحيد والعلم الذي هو علم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، فتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم ((وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه)) لأجل أنه قد يُدخَل على أهل الإسلام أو على الدين نفسه من جهة فعلهم؛ لأنهم إذا خفروا هذه الذمة رجع إخفارهم إلى ما حملوه من الإسلام ومن الدين، فهذه مسألة عظيمة، فينبغي أن تستحضر أن الناس ينظرون إليك-خاصة في هذا الزمان الذي هو زمان شبه وزمان فتن-على أنك تحمل سنة، وتحمل توحيدا، وعلما شرعيا، فلا تعاملهم إلا بشيء فيه تعظيم الرب-جل وعلا-وحتى تجعل أولئك يعظمون الله-جل وعلا-بتعظيمك له، ولا تستهن بشأن اليمين، ولا تخفر ذمة الله؛ لأن ذلك منقص لأثر ما تحمله من العلم والدين، فتذكَّر هذا، وتذكَّر أيضا قوله عليه الصلاة والسلام هنا: ((وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا)) وذلك حتى إذا حصل غلط فيكون الغلط منسوبا إلى من حكم إلى هذا البشر، ولا يكون منسوبا إلى حكم الله، فيصد الناس عن دين الله، وكم من الناس ممن يحملون سنة وعلما أو يشار إليهم بالاستقامة يسيئون بأفعالهم وأقوالهم لأجل عدم تعظيمهم لله-جل وعلا-وما يجب لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما يدعوهم إليه الرب الكريم-جل وعلا وتعالى وتقدس-، -نبرأ إلى الله-جل وعلا-من كل نقص ونسأله أن يعفو ويتجاوز عنا ويرحمنا جميعا.
الفائدة/49-من الابتلاء والإيذاء للشخص ما يكون أعظم أسباب الخير له. فليست العبرة باحتقار الناس، ولا بكلامهم، ولا بإيذائهم، ولا بتصنيفهم للناس، بل العبرة بحقيقة الأمر بما عند الله-جل جلاله-.
الفائدة/50-أوصي بالعناية بهاذا الكتاب عناية عظيمة، وحفظه ودراسته، وتأمل مسائله، ومعرفة ما فيه، فإنه الحق الذي كان عليه الأنبياء والمرسلون ومن تبعهم من صالحي عباد الله، هذا وإن الانصراف عن مدارسة ما احتواه مما يجب على العبد اتجاه ربه لنذير سوء، وإن الإقبال عليه لمؤذن بالخير والبشرى، وأسأل الله أن يغفر لنا زللنا وخطلنا، وأن يعفو عنا ما أخطأنا فيه، وأن يجعلنا من المعفو عنهم، ونسأل الله التسامح، وأن يجعلنا من المحققين لتوحيده، وأنه لا حول لنا ولا قوة إلا به، اللهم فكن لنا يا كريم، اللهم فكن لنا يا كريم، اللهم فكن لنا يا كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
تم بحمد الله، وفضله، وتوفيقه، وإعانته-وحده لا شريك له- الانتهاء من تدوين هذه (الفوائد العلمية والتربوية) من كتاب (التمهيد لشرح كتاب التوحيد) طبعة (دار التوحيد) بالرياض، الطبعة الأولى: سنة/1453هـ-2002م، وكان ذلك ليلة الأحد، بتاريخ: 19/صفر/1432هـ، المصادف لـ:23/جانفي/2011م.