تلخيص صدر سورة العنكبوت
موقف الناس من الرسل :
بعث الله تعالى الرسل للناس مبشرين ومنذرين واختلفوا في استجابة الدعوة على نوعين
-أن يقولوا : آمنا ، فيمتحن الله تعالى إيمانه ليتبين الصادق من الكاذب
-أن لايقولوا : أمنا ويستمروا في طغيانهم ، وهم يحسبون أنهم يعجزون الله أو يفوتونه ، لكن هيهات
هل لكل نفس نصيب من الألم ؟
لكل نفس نصيب من الألم ولكن :
-المؤمن : يحصل له من الألم ابتداء في الدنيا فتكون له التمكين فيها و له العاقبة في الآخرة . سأل رجل الامام الشافعي فقال : يا أبا عبد الله : أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى ؟ فقال : لا يمكّن حتى يبتلى .
قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
-الكافر : تحصل له النعمة ابتداء في الدنيا ثم يصير إلى الألم في العاقبة .
حظ المؤمن من الابتلاء :
هذا أصل عظيم : أن الانسان مدني بطبعه ، والمسلم ولا بد له أن يخالط الآخرين ، وهو في هذا بين حالتين مع من خالفه :
-قد يخالفونه في معتقده وملته ولا يوافقهم : فيؤذوه ويعذبوه
- قد يخشاهم فيوافقهم : فيحصل له الأذى تارة منهم إن لم يجبهم إلى مرادهم ، وإن أجابهم تسلطوا عليه يهينونه أضعاف ما كان يخافه منهم ، وإلا عذب بغيرهم ، وهو في هذا عليه أن يمتثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة رضي الله عنها :
( من أرضى الله بسخط الناس كفاه مؤنة الناس ) وفي لفظ ( رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا) وفي لفظ ( عاد حامده من الناس ذاما )
الابتلاء وحكمته
سنة الله في الابتلاء : وقال تعالى: {فإمّا يأتينّكم منّي هدىً فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}، وقال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين
وقال تعالى : (أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين
إذ المقصود هنا أنه لا بد من الابتلاء بما يؤذي النّاس فلا خلاص لأحد ممّا يؤذيه البتّة.
الحكمة من الابتلاء :لأن النّفس لا تزكو وتصلح حتّى تمحص بالبلاء كالذهب الّذي لا يخلص جيده من رديئه حتّى يفتن في كير الامتحان؛ إذْ كانت النّفس جاهلة ظالمة وهي منشأ كل شرّ يحصل للعبد؛ فلا يحصل له شرّ إلّا منها ،قال تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك}، وقال تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم}، وقال: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثيرٍ}، وقال تعالى: {ذلك بأنّ اللّه لم يك مغيّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال} وفي الحديث الإلهي حديث أبي ذر الّذي يرويه الرّسول عن ربه عز وجل: (يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفيكم إيّاها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلّا نفسه
وقد ذكر عقوبات الأمم من آدم إلى آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنّهم ظلموا أنفسهم؛ فهم الظّالمون لا المظلومون، وأول من اعترف بذلك أبواهم : {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}،
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ؟
صرح الله تعالى أن الناس هم من ظلموا أنفسهم وأن الله تعالى لا يظلم أحدا تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا ...
فكيف يظلم الناس أنفسهم ؟؟؟
اتباع الهوى والصد عن الحق :
إبليس إنّما اتبعه الغواة من الناس كما قال: {فبما أغويتني لأزيّننّ لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين إلّا عبادك منهم المخلصين}، وقال تعالى: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلّا من اتّبعك من الغاوين}؛ والغي اتّباع هوى النّفس، ولهذا فمن اتبع هوى نفسه ظلم نفسه وفيه قال تعالى وفي ابليس : لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين}
ولهذا تشبه النّفس بالنّار في سرعة حركتها وإفسادها وغضبها وشهوتها من النّار، والشيطان من النّار
وللجهل نصيب من غواية النفس وفي هذا قال صلى الله عليه وسلم : إنّي آخذ بحجزكم عن النّار وأنتم تهافتون تهافت الفراش)؛ شبَّههم بالفراش لجهله وخفة حركته، وهي صغيرة النّفس فإنّها جاهلة سريعة الحركة
ولتقلب القلوب نصيب :.
في الحديث: (مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلاة)، وفي حديث آخر: (للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا) ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع الجهل، ولهذا يقال لمن أطاع من يغويه أنه استخفّه؛ قال عن فرعون: إنّه استخف قومه فأطاعوه، وقال تعالى: {فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون}؛
والناس في التقلب على ضربين :
-الخفيف : الذي لا يثبت بل يطيش، ولهذا يتبع الغواية لأن اليقين لم يستقر في قلبه وإن كان عنده علم جيدا ، فقد يكون علم العبد جيدا، لكن نفسه لا تصبر عند المصائب، بل تطيش.
قال الحسن البصريّ: (إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرًا لا بصيرة له رأيته؛ فإذا رأيت بصيرًا صابرًا فذاك).
ولهذا تشبه النّفس بالنّار في سرعة حركتها وإفسادها وغضبها وشهوتها من النّار، والشيطان من النّار.
-الثابت الذي تميز باستقرار اليقين فثبت ،وصاحب اليقين ثابت يقال: أيقن إذا كان مستقرًّا، واليقين: استقرار الإيمان في القلب علما وعملا؛ وهو الذي قال عنه الحسن البصري : (؛ فإذا رأيت بصيرًا صابرًا فذاك)
قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
للغضب تسلط على النفس : وفي السّنن عن النّبي أنه قال: (الغضب من الشّيطان، والشيطان من النّار، وإنّما تطفأ النّار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)، وفي الحديث الآخر: (الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه)؛ وهو غليان دم القلب لطلب الانتقام ،وفي الحديث المتّفق على صحّته: (إن الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم)،
وعلاجه : الاستعاذة بالله :
وفي الصّحيحين: أن رجلين استبّا عند النّبي وقد اشتدّ غضب أحدهما فقال النّبي: (إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم
كيف يسلم المسلم من عداوة الانس والجن ؟؟
كما علمنا رب العالمين أن نرد عداوة الانس واساءته بالتي هي أحسن ، أما عداوة الجن فلا مرد لها إلا من الله تعالى بالالتجاء والاعتصام به سبحانه .
وقد قال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ وما يلقّاها إلّا الّذين صبروا وما يلقّاها إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه هو السّميع العليم}، وقال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}، وقال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة نحن أعلم بما يصفون وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشّياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون}).
حرص السلف من اتباع الهوى والغواية :
وما زال السّلف معترفون بذلك كقول أبي بكر وعمر وابن مسعود: (أقول فيها برأبي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشّيطان والله ورسوله بريئان منه).
وفي الحديث الصّحيح حديث سيد الاستغفار: (أن يقول العبد اللّهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شرّ ما صنعت وأبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من يومه دخل الجنّة ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنّة).
وفي حديث أبي بكر الصّديق من طريق أبي هريرة وعبد الله بن عمرو: أن رسول الله علّمه ما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه: (اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا اله إلّا أنت أعوذ بك من شرّ نفسي وشر الشّيطان وشركه وان أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم؛ قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك).
وكان النّبي يقول في خطبته: (الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
أنواع الابتلاء :
-الابتلاء في السراء : قال تعالى : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) وقال تعالى : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون )
الابتلاء في الضراء: قال تعالى : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون )
وقال الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب
موقف الناس في الابتلاء :
فالناس في الابتلاء على حالتين :
-إما صابرا شاكرا عارفا بأمر الله وحكمته خاضعا له . قال تعالى : ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ}.
-إما لا هيا غافلا متسخطا لا يعلم شئيا من أمر الله وحكمته ، جاهلا بحقيقة نفسه وعبوديته لربه ، وتصرفه سبحانه كما يريد لحكم جليلة ، قال تعالى : ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أو ليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين (10) وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين (11)}
وهو على هاتين الحالتين عاملا لنفسه إما خيرا وإما شرا والعياذ بالله ، قال تعالى : (ومن جاهد فإنّما يجاهد لنفسه إنّ اللّه لغنيٌّ عن العالمين (6
هل ابتلى الله خاصة عباده ؟
فإن الله ابتلي نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلمّا صبروا مكّنهم؛ فلا يظنّ أحد أنه يخلص من الألم البتّة، هذه سنته -تعالى- يرسل الرّسل إلى الخلق، فيكذبهم النّاس ويؤذونهم، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ}، وقال تعالى: {كذلك ما أتى الّذين من قبلهم من رسولٍ إلّا قالوا ساحرٌ أو مجنون}، وقال تعالى: {ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرّسل من قبلك}.ولصبرهم ولثباتهم وشدة اليقين كانوا الخاصة من عباده عليهم أفضل الصلاة والسلام
.