★★تلخيص كﻻم ابن القيم حول قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ولرسول إذا دعاكم لما يحييكم ..."★★
★ مسائل تفسيرية في اﻵية:
●المراد بالحياة في قوله تعالى: "يحييكم ":
-القول اﻷول: الحق، قاله مجاهد.
-القول الثاني : القرآن وفيه الحياة والثقة والنجاة في الدنيا والآخرة، قاله قتادة.
-القول الثالث: اﻹسﻻم أحياهم به بعد موتهم بالكفر، قاله السدي.
-القول الرابع: الجنة فإنها دار الحيوان، حكاه أبو على الجرجاني.
-القول الخامس : إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوكم يريد أن أمرهم إنّما يقوي بالحرب والجهاد فلو تركوا لجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم قلت الجهاد من أعظم ما يحييهم به في الدّنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، أما في الدّنيا فإن قوتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد وأما في البرزخ فقد قال تعالى: {ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون}، وإمّا في الآخرة فإن حظّ المجاهدين والشّهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظّ غيرهم ولهذا قال ابن قتيبة: {لما يحييكم} يعني الشّهادة، قاله الفراء ووافقه الواحدي وابن إسحاق وعروة بن الزبير.
←ذكر ابن القيم أن كل عبارات عن حقيقة واحدة وهي القيام بما جاء به الرّسول ظاهرا وباطنا.
وقال أن الآية تتناول هذا كله فإن الإيمان والإسلام والقرآن والجهاد يحيي القلوب الحياة الطّيبة، وكمال الحياة في الجنّة، والرّسول داع إلى الإيمان وإلى الجنّة، فهو داع إلى الحياة في الدّنيا والآخرة .
● اﻷقوال في المراد بقوله تعالى: {واعلموا أنّ اللّه يحول بين المرء وقلبه}:
-القول اﻷول: أنه يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان، ويحول بين أهل طاعته وبين معصيته، وبين أهل معصيته وبين طاعته، وهذا قول ابن عبّاس وجمهور المفسّرين، وهو المشهور.
←ذكر ابن القيم أن وجه مناسبة هذا القول أن التثاقل عن الاستجابة سبب في أن يحولّ اللّه بين العبد وبين قلبه، فلا يمكنه بعد ذلك من الاستجابة عقوبة له على تركها بعد وضوح الحق واستبانة وذلك كقوله تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ}، وقوله: {فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم}، وقوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل}.
-القول الثاني : أنه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافية فهو بينه وبين قلبه، ذكره الواحدي عن قتادة.
←رجح ابن القيم هذا القول، وقال أن هذا أنسب بالسياق؛ لأن الاستجابة أصلها بالقلب، فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب، فإن الله سبحانه بين العبد وبين قلبه فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه.
★مسائل تفسيرية أخرى:
قوله تعالى: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها}
● المعنى الإجمالي للآية:
كان كافرًا ضالًّا فهديناه، قاله ابن عبّاس وجميع المفسّرين.
●اﻷقوال في المراد ب" نورا يمشي به ":
-أحدها: أنه يمشي في النّاس بالنور وهم في الظلمة فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم اللّيل فضلوا ولم يهتدوا للطريق وآخر معه نور يمشي به في الطّريق ويراها ويرى ما يحذره فيها.
-ثانيها: أنه يمشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه لحاجتهم إلى النّور.
-ثالثها: أنه يمشي بنوره يوم القيامة على الصّراط إذا بقي أهل الشّرك والنفاق في ظلمات شركهم ونفاقهم.
●فائدة: في هذه اﻵية جمع للمؤمن بين النّور والحياة كما جمع لمن أعرض عن كتابه بين الموت والظلمة.
★فوائد :
●أحدها: الحياة الحقيقيّة الطّيبة: هي حياة من استجاب لله والرّسول ظاهرا وباطنا، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان؛ ولهذا كان أكمل النّاس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرّسول. فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة.
●ثانيها: أن الإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة:
- حياة بدنه: الّتي بها يدرك النافع والضار، ويؤثر ما ينفعه على ما يضرّه، ومتى نقصت فيه هذه الحياة ناله من الألم والضعف بحسب ذلك. وهذه الحياة ﻻ تكون إﻻ بعد نفخ الملك.
- حياة قلبه: الّتي بها يميّز بين الحق والباطل، والغي والرشاد، والهوى والضلال ، فيختار الحق على ضدّه. وهذه الحياة ﻻ تكون إﻻ بعد نفخ الرسول بالروح الذي ألقي إليه.
وإذا بطلت هذه الحياة بطل تمييزه، وإن كان له نوع تمييز لم يكن فيه قوّة يؤثر بها النافع على الضار.
●ثالثها: أن وحي الله روح ونور، قال تعالى: {ينزّل الملائكة بالرّوح من أمره على من يشاء من عباده}، وقال: {يلقي الرّوح من أمره على من يشاء من عباده}، وقال أيضا: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا}.
●رابعها: في الآية تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب وإن استجاب بالجوارح.
●خامسها: في الآية سر آخر وهو أنه جمع لهم بين الشّرع والأمر به وهو الاستجابة وبين القدر والإيمان به، فهي كقوله: {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤن إلّا أن يشاء الله رب العالمين}، وقوله: {فمن شاء ذكره وما يذكرون إلّا أن يشاء الله}.