تفسير قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) )
.المقسم به
أقسمَ تعالى بالعصرِ، ذكره السعدي .
.مالعصر :
هو الزمان والدهر ، والليل والنهار،وهذا الارجح والله أعلم حاصل ماذكره ابن كثير والسعدي والاشقر .
وقال مالكٌ: عن زيد بن أسلم: هو العشيّ. والمشهور الأوّل ، أورده ابن كثير .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمُرَادُ بالعَصْرِ صَلاةُ العصرِ، أورده الأشقر .
.السبب بالقسم بالعصر:
هو محلُّ أفعالِ العبادِ وأعمالهمْ، يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍّ، و لِمَا فِيهِ من العِبَرِ منْ جِهَةِ مُرُورِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى التَّقْدِيرِ وَتَعَاقُبِ الظلامِ والضياءِ، وَمَا فِي ذَلِكَ من اسْتِقَامَةِ الْحَيَاةِ ومصالِحِ الأحياءِ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دَلالةً بَيِّنَةً عَلَى الصانعِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى تَوْحِيدِهِ. حاصل ماذكره ابن كثير والسعدي والاشقر .
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) )
.المقسم عليه :
فأقسم تعالى بذلك على أنّ الإنسان لفي خسرٍ، حاصل ماذكره ابن كثير والسعدي .
.معنى خسر :
أي: في خسارةٍ وهلاكٍ، ذكره ابن كثير .
أؤ :النُّقْصَانُ وَذَهَابُ رأسِ الْمَالِ، ذكره الاشقر .
وكلا المعنين صحيح.
.معنى إن الإنسان لفي خسر:
الْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي المَتاجرِ وَالمَسَاعِي وَصَرْفِ الأعمارِ فِي أَعْمَالِ الدُّنْيَا لَفِي نَقْصٍ وَضَلالٍ عَن الْحَقِّ حَتَّى يَمُوتَ، وَلا يُسْتَثْنَى منْ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلاَّ مَا يُذْكَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، والخاسرُ مراتبُ متعددةٌ متفاوتةٌ:
-قدْ يكونُ خساراً مطلقاً، كحالِ منْ خسرَ الدنيا والآخرَةَ، وفاتهُ النعيمُ، واستَحقَّ الجحيمَ، حاصل ماذكره السعدي والاشقر.
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) )
.المستثنى منه:
يكونُ الانسان خاسراً من بَعضِ الوجوهِ دونَ بعضٍ، ولهذا عمَّمَ اللهُ الخسار لكلِّ إنسانٍ ، فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران، حاصل ماذكره ابن كثير والسعدي .
.معنى الذين آمنو وعملوا الصالحات :
{الّذين آمنوا} بقلوبهم {وعملوا الصّالحات} بجوارحهم، فجمعوا بَيْنَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ والعملِ الصالحِ، فَإِنَّهُمْ فِي رِبْحٍ، لا فِي خُسْرٍ؛لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِلآخِرَةِ وَلَمْ تَشْغَلْهُمْ أَعْمَالُ الدُّنْيَا عَنْهَا، وَهُمْ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، حاصل ماذكره ابن كثير والاشقر .
.معنى تواصوا بالحق :
أَيْ: وَصَّى بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِالْحَقِّ الَّذِي يَحِقُّ القيامُ بِهِ، وَهُوَ الإِيمَانُ بِاللَّهِ والتوحيدُ، والقيامُ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ، وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ، فأدوا الطاعات وتركوا المحرمات . حاصل ماذكره ابن كثير والاشقر .
.معنى تواصوا بالصبر:
عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ، والصبرِ عَلَى فَرَائِضِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَقْدَارِهِ المُؤْلِمَةِ، وأذى من يؤذي ممّن يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، حاصل ماذكره ابن كثير والاشقر .
.صفات المستثنون من الخسارة :
يتصفون بأربع صفاتٍ:
-الإيمانُ بما أمرَ اللهُ بالإيمانِ بهِ، ولا يكونُ الإيمانُ بدونِ العلمِ، فهوَ فرعٌ عنهُ لا يتمُّ إلاَّ بهِ.
-والعملُ الصالحُ، وهذا شاملٌ لأفعالِ الخيرِ كلِّها، الظاهرةِ والباطنةِ، المتعلقةِ بحقِّ اللهِ وحقِّ عبادهِ، الواجبةِ والمستحبةِ.
-والتواصي بالحقِّ، الذي هوَ الإيمانُ والعملُ الصالحُ، أي: يوصي بعضهمْ بعضاً بذلكَ، ويحثُّهُ عليهِ، ويرغبهُ فيهِ.
-والتواصي بالصبرِ، على طاعةِ اللهِ، وعنْ معصيةِ اللهِ، وعلى أقدارِ اللهِ المؤلمةِ.
فبالأمرينِ الأولينِ يُكمّلُ الإنسانُ نفسَهُ، وبالأمرينِ الأخيرينِ يُكمّلُ غيرَهُ، وبتكميلِ الأمورِ الأربعةِ، يكونُ الإنسانُ قدْ سلمَ منَ الخسارِ، وفازَ بالربحِ. ذكره السعدي .
.السبب في خص الصبر من خصال الحق :
ولِمَزِيدِ شَرَفِهِ عَلَيْهَا وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ عَنْهَا، ولأنَّ كَثِيراً مِمَّنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ يُعَادَى، فَيَحْتَاجُ إِلَى الصبرِ، ذكره الاشقر.