القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن عبد الله بن عباس رضيالله عنهما , قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة , فؤتي بضب محنوذ , فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده , فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونه: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل , فقلت: تأكله هو ضب , فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: أحرام هو يا رسول الله ؟ قال:((لا , ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) . قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم .قال رضي الله عنه: الحنوذ المشوي بـ (الرضف): وهي الحجارة المحماة.
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات يأكل الجراد .
وعن زهدم بن مضرب الجرمي قال: كنا عند أبي موسى , فدعى بمائدة عليها لحم دجاج , فدخل رجل من بني تيم الله , أحمر شيبه , بالموالي , فقال: هلم , فتلكأ , فقال له: هلم فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه .
الشيخ: في هذه الأحاديث تتعلق ببعض الأطعمة , وسياقها يدل على أنها في اللحوم التي قد يشك فيها ، فالحديث الأوَّل في حكم أكل الضب ، وهو حيوانٌ معروف ،وصورته كصورة بعض الحشرات , يعني خلقته كخلقة الوزغ ، أو السحلبة ، أو سام أبرص , أو الورل , ولكن استثني فأبيح .
وقد ورد فيه أحاديث كثيرة , منها ما يدل على كراهته ، ومنها ما يدل على إباحته ، فمنها هذا الحديث , وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ميمونة: إحدى أمهات المؤمنين ، ولما دخل ومعه خالد بن الوليد ، وهي خالته , قدم إليه هذا اللحم ، وإذا هو لحم ضب محنوذ , يعني مشوي على رضف وحجارة محماة ، فأهوى بيده ليأكل , وكانوا يخبرونه بما يريد أن يأكل حتى يعرف حكم ذلك الطعام الذي يأكله , هل هو مباح أم مكروه أم حرام ؟ ولم يكن عندهم علم بعد الإسلام بحكم هذا الحيوان الذي هو الضب , فلما أخبروه بأنه الضب تورع منه ، ورفع يده , فسألوه أحرام هو ؟ فقال:((لا, ولكنه لم يكن بأرض قومي , فأجدني أعافه)) . كأنه تورع عنه ؛ لأنه لم يتعود أكله في أول عمره ، وكأنه في ذلك الوقت لم يكن كثيرا حول مكة ، وإن كان يوجد بكثرة حول المدينة ، وحول القرى الأخرى يوجد بكثرة ، ولكن لما لم يكن اعتاده في أول عمره كرهته نفسه فتورع عنه , هذا هو السبب في كونه لم يأكله .
ولكن اجتذبه خالد بن الوليد فأكله , والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر . واستدلوا بإقراره على أنه مباح , فإنه لا يقر على ما هو مكروه أو ماهو حرام , ودلَّ على أن تركه له إنما هو أن نفسه تقززت وتوقفت عن أكل شيء لم يكن اعتاده, ولا تعودت نفسه على استساغته .
وبكل حال فهو دليل على إباحة لحم الضبِّ, فهو من الطيبات ؛ وذلك لأنه يتغذى من الأعشاب , يأكل من الأعشاب التي تنبت في البراري ، فهو من جملة الدواب التي تأكل منها كالظباء والوعول وما أشبهها التي هي من الطيبات , لا يأكل الجيف ولا يأكل الأقذار ونحوها .
وما ورد في بعض الروايات أنه قال:((لا أحلُّه ولا أحرمه)) . يعني لا آكله على أنه تستطيبه نفسي ، ولكن لا أحرِّمه . والصحيح الرواية التي فيها:((لا آكله ولا أحرمه)) . يعني لا تقبله نفسي ، ولا أنهى غيري .
ومع كثرة الأحاديث التي فيه فإن الذين لم يألفوه , ولم يعرفوه في بلادهم , ينكرون أكله ، وتنفر منه نفوسهم , كثير من أهل البلاد النائية الذين ماعرفوه إذا رأوه فإن نفوسهم تتوقف في أكله ، وتتكرهه , وقد كرهه بعضهم لوجود رائحة فيمن أكله , أنه يؤثر أكله رائحة فيمن أكله ، ولكن ليست تلك الرائحة رائحة كريهة ، وإنما هي رائحة واضحة تبين أنه أكل شيئا من لحم الضب ونحوه , وهذا لا يبرر كراهيته , إذن فهو من المباحات .