الدرس الأول - المقدمة -
نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا، أما بعد:
فإن من المهم في كل فن أن يتعلم المرء من أصوله ما يكون عونا له على فهمه وتخريجه على تلك الأصول، ليكون علمه مبنيًا على أسس قوية ودعائم راسخةً، وقد قيل: من حٌرِم الأصول حرم الوصول.
ومن أجل فنون العلم، بل هو أجلها وأشرفها، علم التفسير الذي هو تبيين معاني كلام الله
ويتلخص ذلك فيما يأتي:
* القرآن الكريم:
متي نزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن نزل به عليه ،وأول من نزل ، نزوله على نوعين، المكي والمدني وبيان الحكمة من نزوله وترتيبه، كتابة القران وحفظه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، جمع القرأن في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما
*التفسير: -
معنى التفسير ، وبيان حكمه، والغرض منه.الواجب على المسلم في تفسيره
*المرجع في التفسير . كلام الله تعالى،- سنة الرسول لأنه مبلغ عن ربه، - كلام الصحابة ـ رضي الله عنهم ،- كلام كبار التابعين الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة - ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق
*أنواع الاختلاف الوارد في التفسير المأثور.
* ترجمة القرآن: تعريفها - أنواعها - حكم كل نوع.
- خمس تراجم مختصرة للمشهورين بالتفسير ثلاث للصحابة واثنتان للتابعين.
* أقسام القرآن من حيث الأحكام من التشابه والحكمة في ذالك وموقف العلماء منه، موهم التعارض من القرأن والجواب عنه
*الْقَسَم:
تعريفه - أداته- فائدته، القصص.الغرض منها - الحكمة من تكرارها واختلافها، *الإسرائيليات التي أقحمت في التفسير وموقف العلماء منها
* الضمير. تعريفه ومرجعه
الدرس الثاني - التفسير -
التفسير لغة: من الفسر، وهو: الكشف عن المغطى
وفي الاصطلاح. بيان معاني القرآن الكريم.
وتعلم التفسير واجب لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ولقوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]
وجه الدلالة من الآية الأولى أن الله تعالى بين أن الحكمة من إنزال هذا القرآن المبارك؛ أن يتدبر الناس آياته، ويتعظوا بما فيها.
والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها، فإذا لم يكن ذلك، فاتت الحكمة من إنزال القرآن، وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها..
ووجه الدلالة من الآية الثانية أن الله تعالى وبخ أولئك الذين لا يتدبرون القرآن،
وكان سلف الأمة على تلك الطريقة، يتعلمون القرآن ألفاظه ومعانيه؛ليتمكنوا من العمل ،
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذي كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر آيات، لم يجاوزوها، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا.
قال الشيخ الإسلام ابن تيميه: والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم ، ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم ،
والغرض من تعلم التفسير هو الوصول إلى الغايات الحميدة والثمرات الجليلة، وهي التصديق بأخباره والانتفاع بها وتطبيق أحكامه على الوجه الذي أراده الله؛ ليعبد الله بها على بصيره.
الواجب على المسلم في تفسير القرآن
الواجب على المسلم في تفسير القرآن أن يشعر نفسه حين يفسر القرآن بأنه مترجم عن الله تعالى، خائفا من أن يقول على الله بلا علم، فيقع فيما حرم الله، فيخزي بذلك يوم القيامة، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [لأعراف:33
المرجع في تفسير القرآن
يرجع في تفسير القرآن إلى ما يأتي:
أ- كلام الله تعالى: فيفسر القرآن بالقرآن، لأن الله تعالى هو الذي أنزله، وهو أعلم بما أراد به.
ومن ذالك .
1-قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]
فقد فسر أولياء الله بقوله في الآية التي تليها: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63].
ب - كلام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيفسر القرآن بالسنة، لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبلغ عن الله تعالى، فهو أعلم الناس بمراد الله تعالى كلامه.
مثل.( قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: من الآية 26] ففسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى، فيما رواه ابن جرير وابن أبي حام صريحا من حديث أبي موسى .
ج- كلام الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لا سيما أولوالعلم منهم والعناية بالتفسير، لأن القرآن نزل بلغتهم وفي عصرهم، ولأنهم بعد الأنبياء أصدق الناس في طلب الحق، وأسلمهم من الأهواء،
مثل -قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: من الآية 43] فقد صح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أنه فسر الملامسة بالجماع .
د- كلام التابعين الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لأن التابعين خير الناس بعد الصحابة، وأسلم من الأهواء ممن بعدهم. ولم تكن اللغة العربية تغيرت كثيرا في عصرهم.
هـ - ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:
فإن اختلف المعنى الشرعي واللغوي، أخذ بما يقتضيه الشرعي، لأن القرآن نزل لبيان الشرع، لا لبيان اللغة إلا أن يكون هناك دليل يترجح به المعنى اللغوي فيؤخذ به.
مثال -ما اختلف فيه المعنيان، وقدم الشرعي: قوله تعالى في المنافقين: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: من الآية 84] فالصلاة في اللغة الدعاء، وفي الشرع هنا الوقوف على الميت للدعاء له بصفة مخصوصة .
ومثال ما اختلف فيه المعنيان، وقدم فيه اللغوي بالدليل: قوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: من الآية 103] فالمراد بالصلاة هنا الدعاء، كما ورد في حديث عبد الله بن أبي أوفي، قال: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أتى بصدقة قوم، صلى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفى).
وأمثلة ما اتفق فيه المعنيان الشرعي واللغوي كثيرة: كالسماء والأرض والصدق والكذب والحجر وغير ذالك كثير
الاختلاف الوارد في التفسير المأثور
أ- اختلاف في اللفظ دون المعنى، فهذا لا تأثير له في معنى الآية
ب- اختلاف في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما، فتحمل الآية عليهما، وتفسر بهما،
ج-اختلاف اللفظ والمعنى، والآية لا تحتمل المعنيين معا للتضاد بينهما، فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلاله السياق أو غيره