وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ فَرِيقَيِ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ فَهُوَ جَامِعٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ؛ أَمَّا المُعَطِّلُونَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصَفَاتِهِ إِلا مَا هُوَ اللائِقُ بِالْمَخْلُوقِ، ثُمَّ شَرَعُوا فِي نَفْيِ تِلْكَ المَفْهُومَاتِ، فَقَدْ جَمَعُوا بَيْنَ َالتَّعْطِيلِ والتَّمْثِيلِ، مَثَّلُوا أَوَّلاً، وَعَطَّلُوا آخِرًا، وَهَذَا تَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ مِنْهُمْ لِلْمَفْهُومِ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِالْمَفْهُومِ مِنْ أَسْمَاءِ خَلْقِهِ وَصِفَاتِهِمْ، وَتَعْطِيلٌ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ اللاَّئِقَةِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى(1).
فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ القَائِلُ: لَوْ كَانَ اللَّهُ فَوْقَ العَرْشِ لَلَزِمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ مِنَ العَرْشِ، أَوْ أَصْغَرَ أَوْ مُسَاوِيًا، وَكُلُّ ذَلِكَ من المُحَالٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الكَلامِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ كَوْنِ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ إِلاَّ مَا يَثْبُتُ لأَيِّ جِسْمٍ كَانَ عَلَى أَيِّ جِسْمٍ كَانَ، وَهَذَا اللازِمُ تَابِعٌ لِهَذَا المَفْهُومِ.
أما اسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِجَلالِ اللَّهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ، فَلا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّوَزِمِ البَاطِلَةِ الَّتِي يَجِبُ نَفْيُهَا، كما يلزم من سائر الأجسام.
وَصَارَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ المُمَثِّلِ: إِذَا كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا، أَوْ عَرَضًا، وَكِلاهُمَا مُحَالٌ: إِذْ لاَ يُعْقَلُ مَوْجُودٌ إِلاَّ هَذَانِ.
وقَوْلِهِ: إِذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى العَرْشِ فَهُوَ مُمَاثِلٌ لاسْتِوَاءِ الإِنْسَانِ عَلَى السَّرِيرِ أَو الفَلَكِ؛ إِذْ لاَ يُعْلَمُ الاسْتِوَاءُ إِلا هَكَذَا، فَإِنَّ كِليهُمَا مَثَّلَ وَكِليهُمَا عَطَّلَ حَقِيقَةَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، وَامْتَازَ الأَوَّلُ بِتَعْطِيلِ كُلِّ اسم للاسْتِوَاءِ الْحَقِيقِيِّ، وَامْتَازَ الثَّانِي بِإِثْبَاتِ اسْتِوَاءٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ المَخْلُوقِينَ.
وَالْقَوْلُ الفَاصِلُ: هُوَ مَا عَلَيْهِ الأُمَّةُ الوَسَطُ: مِنْ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلالِهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُثْبَتَ لِلْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ خَصَائِصُ الأَعْرَاضِ الَّتِي لعِلْمِ المَخْلُوقِينَ وَقُدْرَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ العَرْشِ وَلا يُثْبُتُ لِفَوْقِيَّتِهِ خَصَائِصُ فَوْقِيَّةِ المَخْلُوقِ عَلَى المَخْلُوقِ وَلوازمُهَا(2).