أما الحديث الثاني ففيه أن الله سبحانه وتعالى رفع النسيان والإثم عليه , عن الصائم , يقول صلى الله عليه وسلم: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ؛ فإنما أطعمه الله وسقاه)) معلوم أن الصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والوقاع في نهار رمضان , ومعلوم أن الإنسان محل النسيان ، وأنه كثيرا ما تعتريه الغفلة وكثيرا ما يسهو وينسى صيامه , سيما إذا كان غير معتاد للصيام وغير منتبه له , فقد يقع منه نسيان صيامه فيتعاطى أكلا أو شربا , ففي هذه الحال لا يؤاخذه الله بذلك , وقد وردت الأدلة في عدم المؤاخذة بالنسيان , قال الله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وقال تعالى:{ولا جناح عليكم فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع ..((أو وضع عن أمتي الخطأ والنسيان)) وفي رواية: ((إن الله تجوز لأمتي عن الخطأ والنسيان)) .
فالله تعالى لا يؤاخذ على النسيان ؛ لأن الإنسان طبيعته النسيان , وما سمي الإنسان إلا لنسيه, ولا القلب إلا أنه يتقلب ، فإذا فعل شيئا هذه المحظورات وهو ناس صيامه فلا يضره , حتى أن السهو والنسيان يقع في الصلاة ولا يبطلها بل تجبر بسجدتي السهو كما هو معروف ، فالسهو في الصلاة يجبر بالسجود ، وأما السهو في الصيام وتعاطي أكل أو شرب فإنه يقع فحينئذ يكمل صيامه , ويقال: أتم صيامك ؛ فإن الله هو الذي أطعمك وهو الذي سقاك , يعني يسر لك ذلك وأعطاك ما أعطاك . فعليه أن يتم صيامه , ولا ينقص ذلك من أجره .
يبقى أن تقول: إذا رأيته يأكل وأنا أعرف أنه ناس فهل أذكره أو لا أذكره ؟ كيف أذكره والله هو الذي أطعمه وسقاه ؟! نقول: عليك أن تذكره , لماذا ؟ لأنه يحب ذلك , الصائم يحب أن يتم صيامه ويحب أن يكمله , ويحب أن يكون صومه أعظم أجرا , وذلك يتصور فيما إذا كمل الصيام كما ينبغي , فكلما كان الصوم أشق وأكثر تعبا كان الأجر أكثر , فهو يحب ذلك , وأيضا فإن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , إذا رأيته يأكل فإن عليك أن تأمره بالإمساك فهو من المعروف , وتنهاه عن الأكل فهو من المنكر , وأيضا فإن في تركه يأكل والناس ينظرون شيء من التهاون بأحكام الصيام , وإساءة للظن به , حتى يظن أكثر الناس أنه لا يبالي بالصوم ، وأنه لم يكن ممن صام ، وأنه , وأنه , فلأجل ذلك يقولون: عليك أن تذكره .
ثم هل يلحق الجماع بذلك , لو وطئ وهو ناس فهل يلحق بذلك ويقال: أتم صومك ولا شيء عليك ؟ تكلم العلماء في ذلك وأكثرهم يقولون: لا يكون ؛ وذلك لأن الجماع غالبا تطول مدته , ثم الجماع يكون بين اثنين , وغالبا أنه لا يتصور ، لا يتصور السهو والنسيان من الزوجين ، ولكن لو قدر نسيان الزوجة والزوج معا واجتماعهما...
الوجـه الثانـي
...على الجماع ولم ينتبها ولم يعرفا إلا بعد الانفصال ، أو بعد ما تذكرا انفصلا , ففي هذه الحال نقول: يعفى عنه؛ لدخوله في الأدلة , ولا يؤاخذ بذلك , هذا الذي اختاره كثير من المحققين ؛ فإنه داخل في قوله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} .