وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ، وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ، وَيَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهمْ شَيْئًا)، وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) فَالتَّقْوَى فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، فَأَمَرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ بِالصَّبْرِ، فَإِنَّ الْعِبَادَ لاَ بُدَّ لَهُمْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ أَوَّلَهمْ وَآخِرَهمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً )، وَقَالَ: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ).
وَكَانَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي، وَهَزْلِي وَجِدِّي، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ).
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَابَ إِلَيْهِ، فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ وَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَاهُ، وَعَنْ إِبْلِيسَ أَبِي الْجِنِّ أَنَّهُ أَصَرَّ مُتَعَلِّقًا بِالْقَدَرِ فَلَعَنَهُ وَأَقْصَاهُ، فَمَنْ أَذْنَبَ فَتَابَ وَنَدِمَ فَقَدْ أَشْبَهَ أَبَاهُ، وَمَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، قَالَ تَعَالَى: ( وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
وَلِهَذَا قَرَنَ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي غَيْرِ آيَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)، وَقَالَ تَعَالَى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍِ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمْتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى).
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَغَيْرُه: يَقُولُ الشَّيْطَانُ أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ، وَأَهْلَكُونِي بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ بَثَثْتُ فِيهِمُ الْأَهْوَاءَ فَهُمْ يُذْنِبُونَ وَلاَ يَتُوبُونَ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَنْ ذِي النُّونِ أَنَّهُ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ (أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) قَالَ تَعَالَى: ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فَرَّجَ اللَّهُ بِهَا كَرْبَهُ).