بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعـًا قَبْضَـتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَواتُ مَطْوِّيَاتٌ بِيَمِينِهِ سُبحَانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزُّمَرُ:67].
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ)، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعـًا قَبْضَـتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (( وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا اللهُ )).
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: (( يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ )) أَخْرَجَاهُ.
وَلِمُسْلِمٍ عَن ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: (( يَطْوِي اللهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذْهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ السَّبْعَ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ )).
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (( مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ إِلاَّ كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ )).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(( مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلاَّ كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ )).
وَقَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:(( مَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلاَّ كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ )).
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْكُرْسِيِّ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَالْمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زَرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَهُ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قَالَ: وَلَهُ طُرُقٌ.
وَعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ ))، قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (( بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْعَرْشِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاَهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَاللهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ )).
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ.
فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى:تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالأَرْضُ جَمِيعـًا قَبْضَـتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذِهِ الْعُلُومَ وَأَمْثَالَهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْكِرُوهَا وَلَمْ يَتَأَوَّلُوهَا.
الثَّالِثَةُ:أَنَّ الْحَبْرَ لَمَّا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَدَّقَهُ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَقْرِيرِ ذَلِكَ.
الرَّابِعَةُ:وُقُوعُ الضَّحِكِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَكَرَ الْحَبْرُ هَذَا الْعِلْمَ الْعَظِيمَ.
الْخَامِسَةُ: التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْيَدَيْنِ، وَأَنَّ السَّمَاوَاتِ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى وَالأَرَضِينَ فِي الأُخْرَى.
السَّادِسَةُ: التَّصْرِيحُ بِتَسْمِيَتِهَا الشِّمَالَ.
السَّابِعَةُ: ذِكْرُ الْجَبَّارِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ عِنْدَ ذَلِكَ.
الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: كَخَرْدَلَةٍ فِي كَفِّ أَحَدِكُمْ.
التَّاسِعَةُ: عِظَمُ الْكُرْسِيِّ بِالنَّسْبَةِ إِلَى السَّمَاءِ.
الْعَاشِرَةُ:عِظَمُ الْعَرْشِ بِالنَّسْبَةِ إِلَى الْكُرْسِيِّ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:أَنَّ الْعَرْشَ غَيْرُ الْكُرْسِيِّ وَالْمَاءِ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: كَمْ بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْكُرْسِيِّ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:كَمْ بَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَالْمَاءِ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ:أَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ اللهَ فَوْقَ الْعَرْشِ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ:كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: كِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مِائَةُ سَنَةٍ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ الْبَحْرَ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ أَسْفَلُهُ وَأَعْلاَهُ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.