دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 02:58 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة الإسراء

سورة الإسراء
فإن قيل: كيف قال تعالى: (بعبده ليلًا) ولم يقل بنبيه أو
برسوله أو بحبيبه أو بصفيه ونحو ذلك مع أن المقصود من ذلك الإسراء تعظيمه وتبجيله؟
قلنا: إنما سماه عبدا في أرفع مقاماته وأجلها وهو هذا، وقوله تعالى: (فأوحى إلى عبده ما أوحى) لئلا تغلط فيه أمته وتضل (فيه كما) ضلت أمة المسيح به فدعته إلهًا، وقيل: لئلا يتطرق إليه الكبر والعجب.
فإن قيل: الإسراء لا يكون إلا بالليل فما فائدة ذكر الليل؟
قلنا: فائدته أنه ذكر منكرًا ليدل على قصر الزمان الذي كان فيه الإسراء والرجوع، مع أنه كان من مكة إلى بيت المقدس، مسيرة أربعين ليلة، وذلك لأن التنكير يدل على البعضية، ويؤيده قراءة عبد الله وحذيفة (من الليل) أي من بعض الليل كقوله تعالى: (ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك) فإنه أمر بالقيام في بعض الليل.
فإن قيل: أي حكمة من نقله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس ثم العروج به من بيت المقدس إلى السماء وهلا عرج به من مكة إلى السماء دفعة واحدة؟
قلنا: لأن بيت المقدس محشر الخلائق، فأراد الله تعالى أن تطأها قدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم عيها ببركة أثر قدمه، الثاني: أن بيت المقدس مجمع أرواح الأنبياء، فأراد الله تعالى أن
[أنموذج جليل: 269]
يشرفهم بزيارته عليه الصلاة والسلام. الثالث: أنه أسرى به إلى بيت المقدس ليشاهد من أحواله وصفاته ما يخبر به كفار مكة صبيحة
تلك الليلة، فيدلهم إخباره بذلك مطابقًا لما رأوا وشاهدوا على صدقه في حيث الإسراء.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (باركنا حوله) ولم يقل باركنا عليه أو باركنا فيه، مع أن البركة في المسجد تكون أكثر من خارج المسجد وحوله خصوصًا المسجد الأقصى؟
قلنا: أراد (بها) البركة الدنيوية بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة، وذلك حوله لا فيه، وقيل: أراد بالبركة الدينية، فإنه مقر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومتعبدهم، ومهبط الوحي والملائكة، وإنما قال تعالى: (باركنا حوله) لتكون بركته أعم وأشمل، فإنه أراد بما حوله ما أحاط به من أرض الشام وما قاربه منها، وذلك أوسع من مقدار بيت المقدس، ولأنه إذا كان هو الأصل وقد بارك في لواحقه وتوابعه من البقاع كان هو مباركا فيه بالطريق الأولى، خلاف العكس، وقيل: المراد البركة الدنيوية والدينية ووجهها ما مر.
وقيل: المراد باركنا حوله من بركة نشأت منه فعمت جميع الأرض، لأن مياه الأرض كلها أصل انفجارها من تحت الصخرة التي في بيت المقدس.
فإن قيل: ما وجه ارتباط قوله تعالى: (إنّه كان عبدًا شكورًا) بما قبله ومناسبته له؟
قلنا: معناه لا تتخذوا من دوني ربًا فتكونوا كافرين، ونوح كان عبدا
[أنموذج جليل: 270]
شكورا وأنتم من آمن به وحمل معه، فتأسوا به في الشكر كما تأسى به آباؤكم.
فإن قيل: (وإن أسأتم فلها) ولم يقل فعليها كما قال تعالى: (من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها)؟
قلنا قيل اللام هنا بمعنى على كما في قوله تعالى: (وتلّه للجبين) وقوله تعالى: (ويخرّون للأذقان) وقيل معنى فلها رجاء الرحمة أي فلها مخلص بالتوبة والاستغفار والصحيح أن اللم هنا على بابها لأنها للاختصاص، وقيل عامل مخصص بجزاء عمله حسنة كانت أو سيئة، وقد سبق مثل هذا مستوفى في آخر سورة البقرة في قوله تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين) وقال في قصة مريم وعيسى عليهما السلام (وجعلناها وابنها آيةً للعالمين) (وجعلنا ابن مريم وأمّه) مع أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان وحده آيات شتى حيث كلم الناس في المهد، وكان يحيى الميت، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق الطير بإذن الله إلى غير ذلك من الآيات، وأمه وحدها كانت آية حيث حملت من غير فحل؟
[أنموذج جليل: 271]
قلنا: إنما أراد به الآية التي كانت مشتركة بينهما ولم يتم إلا بها، وهي ولادة ولد من غير فحل، بخلاف الليل والنهار والشمس والقمر، الثاني: أن لفظ الآية الأخرى محذوفة إيجازًا واختصارًا تقديره: وجعلناها آية وابنها آية، وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية.
فإن قيل: كيف قال تعالى (وجعلنا آية النّهار مبصرةً)
(والإبصار) من صفات ما له حياة، والمراد بآية النهار إما الشمس أو النهار نفسه وكلاهما غير مبصرة؟
قلنا: المبصرة في اللغة بمعنى المضيئة، نقله الجوهري وقال غيره:
معناه بينة واضحة مضيئة، ومنه قوله تعالى: (وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً) أي آية واضحة مضيئة وقوله تعالى: (فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً) الثاني: معناه مبصرًا بها إن كانت الشمس أو فيها إن كانت النهار، ومنه قوله تعالى: (والنّهار مبصرًا) أي مبصرًا فيه ونظيره قولهم ليل نائم ونهار صائم أي ينام فيه ويصام فيه، الثالث: أنه فعل رباعي منقول بالهمزة عن الثلاثي الذي هو بصر بالشيء أي علم به فهو بصير أي عالم معناه أنها تجعلهم بصراء فيكون أبصره، بمعنى بصره، وعلى هذا حمل الأخفش قوله تعالى: (فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً) أي تبصرهم فتجعلهم بصراء، الرابع: أن بعض الناس زعم أن الشمس حيوان له حياة وبصر
[أنموذج جليل: 272]
وقدرة، وهو متحرك بإرادته في امتثال أمر الله تعالى كما يتحرك الإنسان.
فإن قيل: ما الفائدة في ذكر عدد السنين في قوله تعالى: (ولتعلموا عدد السّنين والحساب) مع أنه لو اقتصر على قوله: "لتعلموا الحساب " دخل فيه عدد السنين إذ هو من جملة الحساب؟
قلنا: العد كله موضع الحساب كبدن الإنسان موضوع الطب إدخال المكلفين وموضوع الفقه، وموضوع كل علم مغاير له وليس جزء منه، كبدن الإنسان ليس جزءا من الطب، ولا أفعال المكلفين جزءا من الفقه، فكذا العدد ليس جزءا من الحساب، وإنما ذكر عدد
السنين وقدمه على الحساب لأن المقصود الأصلي من محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة علم عدد الشهور والسنين، ثم يتفرع من ذلك علم حساب التاريخ وضرب المدد والآجال.
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا) وقال في موضع آخر: (وكفى بنا حاسبين)؟
قلنا: مواقف القيامة مختلفة، ففي موقف يكل الله تعالى حسابهم إلى أنفسهم وعلمه محيط به، وفى موضع يحاسبهم هو، وقيل: هو الذي يحاسبهم لا غيره، وقال تعالى: (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا)
أي يكفيك أنك شاهد على نفسك بذنوبها عالم بذلك، فهو توبيخ وتقريع لا أنه تفويض لحساب العبد إلى نفسه، وقيل: من يرد مناقشته في الحساب يحاسبه بنفسه، ومن يرد مسامحته فيه يكل
[أنموذج جليل: 273]
حسابه إليه.
فإن قيل: قوله تعالى: (ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى) يرد ما جاء في الأخبار أن في يوم القيامة يؤخذ من حسنات المغتاب والمديون ويزاد في حسنات رب الدين، والشخص الذي اغتيب، فإن لم تكن لهما حسنات يوضع عليهما من سيئات خصميهما، وكذلك جاء هذا في سائر المظالم؟
قلنا: المراد من الآية أنها لا تحمله اختيارًا ردًا على الكافرين حيث قالوا للذين آمنوا: (اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم...الآيتان)
والمراد من الخبر أنها تحمله كرهًا فلا تنافى بينهما، وقد سبق مرة (هذا) في آخر سورة الأنعام.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها)
وقال في آية أخرى: (قل إنّ اللّه لا يأمر بالفحشاء)؟
قلنا: فيه إضمار تقديره: أمرناهم بالطاعة ففسقوا، وقال الزجاج ومثله قولهم: أمرته فعصاني، وأمرته فخالفني، لا يفهم منه الأمر بالمعصية ولا الأمر بالمخالفة، الثاني: أن معناه كثرنا مترفيها يقال: أمرته - بالقصر والمد - بمعنى كثرته وقد قرئ بهما، ومنه الحديث: خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة، أي كثير النتاج والنسل، الثالث: أن معناه أمرنا مترفيها - بالتشديد - يقال أمرت
[أنموذج جليل: 274]
فلانا بمعنى أمرته أي جعلته أميرا فمعنى الآية سلطناهم بالإمارة، ويعضد هذا الوجه قراءة من قرأ أمرنا - بالتشديد - وقال الزمخشري رحمه الله لا يجوز أن يكون معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا، لأن حذف ما لا دليل عليه في اللفظ غير جائز فكيف يقدر حذف ما قام الدليل في اللفظ على نقيضه، وذلك أن قوله: "ففسقوا " يدل على أن المأمور به المحذوف هو الفسق وهو كلام مستفيض، يقال: أمرته فقام وأمرته فقعد وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا المأمور به، القيام والقعود والقراءة بخلاف قولهم أمرته فعصاني وأمرته فخالفني حيث لا يكون المأمور به المحذوف المعصية والمخالفة، لأن ذلك مناف للأمر مناقض له، ولا يكون ما يناقض لأمر وينافيه مأمورًا به فيكون المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوي، والمتكلم بمثل هذا لا ينوى لأمره مأمورًا به بل كأنه قال: كان منى أمر فلم تكن منه طاعة أو فكانت منه مخالفة كما تقول: مر زيدًا يطعمك، وكما تقول فلان يأمر وينهي ويعطى ويمنع ويصل ويقطع ويضر وينفع فإنك لا تنوى فيه مفعولا.
فإن قيل: على هذا حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم أفسقوا وهذا لا يكون من الله تعالى، فلا يقدر الفسق محذوفًا ولا مأمورًا به؟
قلنا: الفسق المحذوف المقدر مجار عن إترافهم وصب النعم عليهم صبًا أفضى بهم إلى جعلها ذريعة إلى المعاصي ووسيلة إلى اتباع الشهوات، فكأنهم أمروا بذلك، لما كان السبب في وجوده الإتراف وفتح باب النعم.
فإن قيل: لم لا يكون ثبوت العلم بأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء،
[أنموذج جليل: 275]
وإنما يأمر بالطاعة والعدل والخير دليلًا على أن ألمراد أمرناهم بالطاعة ففسقوا؟
قلنا: لو جاز مثل هذا الإضمار والتقدير لكان المتكلم مريدًا من مخاطبة علم الغيب، لأنه أضمر ما لا دليل عليه في اللفظ، بل أبلغ، لأنه أضمر في اللفظ ما يناقضه وينافيه، وهو قوله: "ففسقوا"
فكأنه أظهر شيئًا وادعى إضمار نقيضه. فكان صرف الأمر إلى ما ذكرنا من المجاز هو الوجه، هذا كله كلام الزمخشري رحمه الله، ولا أعلم أحدًا من أئمة التفسير صار إليه غيره، ثم أنه أيده فقال ونظيره أمر شاء في أن مفعوله استفاض فيه الحذف لدلالة ما بعده
عليه، تقول: لو شاء فلان لأحسن إليك، ولو شاء لأساء إليك، تريد لو شاء الإحسان لأحسن ولو شاء الإساءة لأساء، فلو ذهبت تضمر خلاف ما أظهرت وتعنى لو شاء الإساءة لأحسن إليك، ولو
شاء الإحسان لأساء إليك، وتقول قد دلت حال من أسندت إليه المشيئة أنه من أهل الإحسان دائمًا أو من أهل الإساءة دائمًا، فيترك
الظاهر المنطوق به ويضمر ما دلت عليه حال صاحب المشيئة لم تكن على سداد.
فإن قيل: على الوجه الأول لو كان المضمر المحذوف الأمر بالطاعة لما كان مخصوصًا بالمترفين، لأن أمر الله تعالى بالطاعة عام للمترفين وغيرهم؟
قلنا: أمر الله تعالى بالطاعة وإن كان عامًا، ولكن لما كان صلاح الأمراء والرؤساء وفسادهم مستلزما لصلاح الرعية وفسادها غالبًا خصتهم بالذكر، ويؤيد هذا ما جاء في الخبر: صلاح الوالي صلاح الرعية وفساد الوالي فساد الرعية.
[أنموذج جليل: 276]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإسراء, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir