دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 02:53 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة إبراهيم

سورة إبراهيم عليه السلام
فإن قيل: قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسولٍ إلّا بلسان قومه ليبيّن لهم)
هذا في حق غير النبي عليه الصلاة والسلام من الرسل مناسب لأن غيره لم يبعث إلى الناس كافة بلى إلى قومه فقط، فأرسل بلسانهم ليفقهوا عنه الرسالة، ولا يبقى لهم حجة بأنا لم نفهم رسالتك، فأما النبي عليه الصلاة والسلام فإنه بعث إلى الناس كافة: (قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا) (وما أرسلناك إلّا كافّةً للنّاس) فإرساله بلسان قومه إن كان لقطع حجة العرب، فالحجة باقية لغيرهم من أهل الألسن الباقية، وإن لم يكن لغير العرب حجة فلو نزل القرآن بلسان غير العرب لم يكن للعرب حجة؟
قلنا: نزله على النبي صلى الله عليه وسلم بلسان واحد كاف، لأن الترجمة لأهل بقية الألسن تغنى عن نزوله بجميع الألسن، ويكفى التطويل كما جرى في القرآن العزيز، الثاني: أن نزوله بلسان واحد
أبعد عن التحريف والتبديل، وأسلم من التنازع والخلاف، الثالث: أنه لو نزل بألسنة كل الناس، وكان معجزا في كل واحد منها، وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها كما كلم أمته التي هو منها لكان ذلك قريبًا من القسر والإلجاء، وبعثة الرسل لم تبن على قسر والجاء بل على التمكين من الاختيار، فلما كان نزوله بلسان واحد كافيا كان أولى الألسنة لسان قوم الرسول لأنهم أقرب إليه وأفهم عنه.
[أنموذج جليل: 232]
فإن قيل: كيف قال تعالى في سورة البقرة: (يذبحون) وفى سورة الأعراف (يقتلون) بغير واو فيهما، وقال هنا: (ويذبحون) بالواو والقصة واحدة؟
قلنا: حيث حذف الواو جعل التذبيح والتقتيل تفسيرًا للعذاب وبيانا له، وحيث أثبتها جعل التذبيح كأنه جنس آخر غير العذب، لأنه أوفى على بقية أنواعه، وزاد عليها زيادة ظاهرة، فعلى هذا يكون إثبات الواو أبلغ.
فإن قيل: ما معنى التبعيض في قوله تعالى: (ليغفر لكم من ذنوبكم)؟
قلنا: ما جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين كقوله تعالى في سورة نوح: (يغفر لكم من ذنوبكم) وقوله تعالى في سورة الأحقاف: (يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم وقال تعالى في خطاب المؤمنين في سورة الصف: (ا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم... إلى قوله: (يغفر لكم ذنوبكم)
وقال في آخر سورة الأحزاب: (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وقولوا قولًا سديدًا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم)
[أنموذج جليل: 233]
وكذا باقي الآيات في خطاب الفريقين إذا تتبعتها، وما ذلك إلا للتفرقة بين الخطابين لئلا يسوى بين الفريقين في الوعد، مع اختلاف رتبتهما، لا لأنه يغفر للكفار مع بقائهم على الكفر بعض ذنوبهم، والذي يؤيد ما ذكرناه من العلة أنه في سورة نوح عليه الصلاة والسلام، وفى سورة الأحقاف وعدهم مغفرة بعض الذنوب بشرط الإيمان (لا مطلقًا) وقيل: معنى التبعيض أنه يغفر لهم ما بينهم وبينه، لا ما بينهم وبين العباد من المظالم ونحوها، وقيل: من زائدة.
فإن قيل: كيف كرر تعالى الأمر بالتوكل وكيف قال أولا: (وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون) وقال ثانيا: (وعلى اللّه فليتوكّل المتوكّلون)؟
قلنا: الأمر الأول لاستحداث التوكل، والثاني: لتثبيت المتوكلين على ما استحدثوا من توكلهم فلهذا كرره، وقالى أولًا المؤمنون، وثانيا المتوكلون.
فإن قيل: كيف قالوا لرسلهم: (أو لتعودنّ في ملّتنا) والرسل لم يكونوا على ملة الكفار قط، والعود هو الرجوع إلى ما كان فيه الإنسان؟
قلنا: العود في كلام العرب يستعمل كثيرًا بمعنى الصيرورة، يقولون
[أنموذج جليل: 234]
عاد فلان لا يكلمني، وعاد لفلان ماله وأشباه ذلك، ومنه قوله تعالى: (حتّى عاد كالعرجون القديم).
الثاني: أنهم خاطبوا الرسل بذلك بناء على زعمهم الفاسد، واعتقادهم أن الرسل كانوا أولا على ملل قومهم ثم انتقلوا عنها، الثالث: أنهم خاطبوا كل رسول
ومن آمن به فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد، ونظير هذا السؤال ما سبق في سورة الأعراف من قوله تعالى: (أو لتعودنّ في ملّتنا) وفى سورة يوسف عليه الصلاة والسلام من قوله: (إنّي تركت ملّة قومٍ...الآية).
فإن قيل: كيف طابق الجواب السؤال في قوله تعالى: (وبرزوا للّه جميعًا فقال الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعًا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب اللّه من شيءٍ قالوا لو هدانا اللّه لهديناكم)؟
قلنا: لما كان قول الصعفاء توبيخا وتقريعا وعتابًا للذين استكبروا على استتباعهم إياهم واستغوائهم أحالوا الذنب على الله تعالى في ضلالهم وإضلالهم، كما قالوا: (لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا)
وقوله: (لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيءٍ)
يقولون ذلك في الآخرة، كما كانوا يقولونه في الدنيا،
[أنموذج جليل: 235]
كما حكى الله تعالى عن المنافقين: (يوم يبعثهم اللّه جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم...الآية)، وقيل معني جوابهم لو هدانا الله في الآخرة طريق النجاة من العذب لهديناكم أي لأغنينا عنكم، وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة في الدنيا.
فإن قيل: كيف اتصل وارتبط قولهم: (سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا) بما قبله؟
قلنا: اتصاله به من حيث إن عتاب الضعفاء للذين استكبروا كان جزعا مما هم فيه، وقلقا من ألم العذاب، فقال لهم رؤساؤهم: (سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ)
يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين عليها في الدنيا، كأنهم قالوا للضعفاء ما هذا الجزع والتوبيخ، ولا فائدة فيه كما لا فائدة في الصبر، فإن الأمر أطم من ذلك وأعم.
فإن قيل: كيف قال الله تعالى: (وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر) عبر عنه بلفظ الماضي، وذلك القول من الشيطان لم يقع بعد، وإنما هو مترقب منتظر يقوله يوم القيامة؟
قلنا: يجوز وضع المضارع موضع الماضي، ووضع الماضي موضع المضارع إذا أمن اللبس، قال الله تعالى: (واتّبعوا ما تتلو الشّياطين على ملك سليمان)
[أنموذج جليل: 236]
أي ما تلت، وقال تعالى: (فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين)
وقال الحطيئة:
شهد الخطيئة يوم يلقى ربه *** أن الوليد أحق بالعذر
فقوله: "على ملك سليمان " نفى اللبس، وكذا قوله تعالى: "من قبل "، وقول الحطيئة: يوم يلقى ربه، وقوله تعالى: "لما قضى الأمر" لأن قضاء الأمر إنما يكون يوم القيامة.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ويضلّ اللّه الظّالمين)
وقد رأينا كثيرًا من الظالمين هداهم الله بالإسلام وبالتوبة، وصاروا من الأتقياء؟
قلنا: معناه أنه لا يهديهم ما داموا مصرين على الكفر والظلم، معرضين عن النظر والاستدلال، الثاني: أن المراد منه الظالم الذي سبق له القضاء في الأزل أنه يموت على الظلم، فالله تعالى يثبته على الضلالة بخذلانه، كما يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت وهو كلمة
التوحيد، الثالث: أن معناه (أنه) يضل المشركين عن طريق الجنة يوم القيامة.
فإن قيل: كيف قال الله تعالى: (وجعلوا للّه أندادًا ليضلّوا عن سبيله) والضلال والإضلال لم يكن غرضهم في اتخاذ الأنداد وهي الأصنام وإنما عبدوها لتقربهم إلى الله تعالى، كما حكى الله
[أنموذج جليل: 237]
تعالى عنهم ذلك بقوله: (ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى)؟
قلنا: وقد شرحنا ذلك في سورة يونس عليه الصلاة والسلام، إذ قلنا هذه لام العاقبة والصيرورة، لا لام الغرض، والمقصود كما في قوله تعالى: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزنًا) وقول الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب........
وقال الآخر:
فللموت تغدوا الوالدات سخالها *** كما لخراب الدهر تبنى المساكن.
والمعنى فيه أنه لما أفضى لهم اتخاذ الأنداد إلى الضلال أو الإضلال صار كأنهم اتخذوها لذلك، وكذا الالتقاط والولادة البناء، ونظائره كثيرة في القرآن العزيز وفى كلام العرب.
فإن قيل: كيف طابق الأمر بإقامة الصلاة وإنفاق المال وصف اليوم بأنه لا بيع فيه ولا خلال؟
قلنا: معناه قل لهم يقدمون من الصلاة والصدقة متجرًا يجدون ربحه يوم لا تنفعهم متاجر الدنيا من المعاوضات والصدقات التي يجلبونها بالهدايا والتحف لتحصيل المنافع الدنيوية فجاءت المطابقة.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
سورة, إبراهيم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir