8- بَاب مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
{أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى (21) تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيْزَى (22) إنْ هِيَ إلاَّ أسمَاءٌ سَمَّيتُمُوهَا أنتُمْ وءابآؤكُمْ مَا أنزَلَ اللهُ بها مِن سُلْطَانٍ إن يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْـوَى الأَنْفُسُ ولقَدْ جَآءهُم مِّن رَّبِّهِـمُ الهُدَى}[النَّجْم:19-23].
عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حُنَيْنٍ، وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى:{اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}[الأَعْرَاف:138]لَتَرْكَبُنَّ سنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ))رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تَفْسِيرُ آيَةِ النَّجْمِ.
الثَّانِيَةُ: مَعْرِفَةُ صُورَةِ الأَمْرِ الَّذِي طَلَبُوا.
الثَّالِثَةُ:كَوْنُهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا.
الرَّابِعَةُ:كَوْنُهُمْ قَصَدُوا التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ بِذَلِكَ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ يُحِبُّهُ.
الْخَامِسَةُ:أَنَّهُمْ إِذَا جَهِلُوا هَذَا فَغَيْرُهُمْ أَوْلَى بِالْجَهْلِ.
السَّادِسَةُ:أَنَّ لَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالْوَعْدِ بِالْمَغْفِرَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ.
السَّابِعَةُ:أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وَسَلَّم لَمْ يَعْذُرْهُمْ بَلْ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ((اللهُ أَكْبَرُ إِنَّهَا السنَنُ لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)) فَغَلَّظَ الأَمْرَ بِهَذِهِ الثَّلاَثِ.
الثَّامِنَةُ:الأَمْرُ الْكَبِيرُ - وَهُوَ الْمَقْصُودُ-: أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ طِلْبَتَهُمْ كَطِلْبَةِِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَالُوا لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً.
التَّاسِعَةُ:أَنَّ نَفْيَ هَذَا مِنْ مَعْنَى (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) مَعَ دِقَّتِهِ وَخَفَائِهِ عَلَى أُولَئِكَ.
الْعَاشِرَةُ:أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الْفُتْيَا، وَهُوَ لاَ يَحْلِفُ إِلاَّ لِمَصْلَحَةٍ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:أَنَّ الشِّرْكَ فِيهِ أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ؛ لأَِنَّهُمْ لَمْ يَرْتَدُّوا بِهَذَا.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُمْ:(وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ)فِيهِ أَنَّ غَيْرَهُمْ لاَ يَجْهَلُ ذَلِكَ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:التَّكْبِيرُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ خِلاَفًا لِمَنْ كَرِهَهُ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:سَدُّ الذَّرَائِعِ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ:النَّهْيُ عَنِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ:الْغَضَبُ عِنْدَ التَّعْلِيمِ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ:الْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ لِقَوْلِهِ:((إِنَّهَا السُّنَنُ)).
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ:أَنَّ هَذَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ لِكَوْنِهِ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ:أَنَّ كُلَّ مَا ذَمَّ اللهُ بِهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَنَا.
الْعِشْرُونَ:أَنَّهُ مُتَقَرَّرٌ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ مَبْنَاهَا عَلَى الأَمْرِ، فَصَارَ فِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَسَائِلِ الْقَبْرِ، أَمَّا((مَنْ رَبُّكَ؟))فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا((مَنْ نَبِيُّكَ؟)) فَمِنْ إِخْبَارِهِ بِأَنْبَاءِ الْغَيْبِ، وَأَمَّا((مَا دِينُكَ؟)) فَمِنْ قَوْلِهِمْ: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا}إِلَى آخِرِهِ.
الْحَادِيةُ وَالْعِشْرُونَ:أَنَّ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَذْمُومَةٌ كَسُنَّةِ الْمُشْرِكِينَ.
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:أَنَّ الْمُنْتَقِلَ مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي اعْتَادَهُ قَلْبُهُ لاَ يُؤْمَنُ أنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ تِلْكَ الْعَادَةِ؛ لِقَوْلِهِمْ: وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ.