4 - بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبحَانَ اللهِ ومَا أنَا مِنَ المُشرِكِينَ}[يُوسُف:108].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: ((إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ - فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ)). أَخْرَجَاهُ.
وَلَهُمَا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: ((لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ))، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ، أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: ((أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟)).
فَقِيلَ: هُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرِئ، كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ: ((انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى فِيهِ، فَوَاللهِ لأََنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)).
(يَدُوكُونَ) أَيْ: يَخُوضُونَ.
فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ طَرِيقُ مَنِ اتَّبَعَهُ صلى الله عليه وسلم.
الثَّانِيَةُ: التَّنْبِيهُ عَلَى الإِخْلاَصِ؛ لأَِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَوْ دَعَا إِلَى الْحَقِّ فَهُوَ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْبَصِيرَةَ مِنَ الْفَرَائِضِ.
الرَّابِعَةُ: مِنْ دَلاَئِلِ حُسْنِ التَّوْحِيدِ كَوْنُهُ تَنْزِيهًا للهِ تَعَالَى عَنِ الْمَسَبَّةِ.
الْخَامِسَةُ: أَنَّ مِنْ قُبْحِ الشِّرْكِ كَوْنَهُ مَسَبَّةً للهِ.
السَّادِسَةُ: وَهِيَ مِنْ أَهَمِّهَا: إِبْعَادُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ؛ لِئَلاَّ يَصِيرَ مِنْهُمْ وَلَوْ لَمْ يُشْرِكْ.
السَّابِعَةُ: كَوْنُ التَّوْحِيدِ أَوَّلَ وَاجِبٍ.
الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلاَةِ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّ مَعْنَى: ((أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ)) مَعْنَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
الْعَاشِرَةُ:أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهَا أَوْ يَعْرِفُهَا، وَهُوَ لاَ يَعْمَلُ بِهَا.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: التَّنْبِيهُ عَلَى التَّعْلِيمِ بِالتَّدْرِيجِ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الْبَدَاءةُ بِالأَهَمِّ فَالأَهَمِّ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: مَصْرَفُ الزَّكَاةِ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: كَشْفُ الْعَالِمِ الشُّبْهَةَ عَنِ الْمُتَعَلِّمِ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: النَّهْيُ عَنْ كَرَائِمِ الأَمْوَالِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: اتِّقَاءُ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: الإِخْبَارُ بِأَنَّهَا لاَ تُحْجَبُ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: مِنْ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ مَا جَرَى عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَسَادَاتِ الأَوْلِيَاءِ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَالْجُوعِ، وَالْوَبَاءِ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: ((لأَُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ)) إِلَخ، عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ.
الْعِشْرُونَ: تَفْلُهُ فِي عَيْنَيْهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِهَا أَيْضًا.
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: فَضِيلَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: فَضْلُ الصَّحَابَةِ فِي دَوكِهِم تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَشُغْلِهِمْ عَنْ بشَارَةِ الْفَتْحِ.
الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ لِحُصُولِهَا لِمَنْ لَمْ يَسْعَ لَهَا وَمَنْعِهَا عَمَّنْ سَعَى.
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:الأَدَبُ فِي قَوْلِهِ: ((عَلَى رِسْلِكَ)).
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: الدَّعْوَةُ إِلَى الإِسْلاَمِ قَبْلَ الْقِتَالِ.
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِمَنْ دُعُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَقُوتِلُوا.
السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: الدَّعْوَةُ بِالْحِكْمَةِ لِقَوْلِهِ: ((أَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ)).
الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْمَعْرِفَةُ بِحَقِّ اللهِ تَعَالَى فِي الإِسْلاَمِ.
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: ثَوَابُ مَنِ اهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ.
الثَّلاَثُونَ: الْحَلِفُ عَلَى الْفُتْيَا.