دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الفتوى الحموية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 4 محرم 1432هـ/10-12-2010م, 01:35 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي 15: كلام الإمام الحارث المحاسبي

وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَسَدٍ الْمُحَاسَبِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى: ( فَهْمُ الْقُرْآنِ ) قَالَ فِي كَلامِهِ -عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَأَنَّ النَّسْخَ لاَ يَجُوزُ فِي الأَخْبَارِ - قَالَ: ( لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَدْحَ اللَّهِ وَصفاته ولا أَسْمَاءهِ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ مِنْهَا شَيْءٌ ).
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ إِذَا أَخْبَرَ أَنَّ صِفَاتِهِ حَسَنَةٌ عُلْيَا أَنْ يُخْبِرَ بَعْدَ ذَلِكَ أنَّها دَنِيَّةٌ سُفْلَى، فَيَصِفُ نَفْسَهُ بِأنَّه جَاهِلٌ بِبَعْضِ الْغَيْبِ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ أنَّه عَالِمٌ بِالْغَيْبِ وأنَّه لاَ يُبْصِرُ مَا قَدْ كَانَ، وَلاَ يَسْمَعُ الأَصْوَاتََ، وَلا قُدْرَةَ لَهُ، وَلا يَتَكَلَّمُ وَلاَ الْكَلامُ كَانَ مِنْهُ، وأنَّه تَحْتَ الأَرْضِ لاَ عَلَى الْعَرْشِ جلَّ وعلا عَنْ ذَلِكَ.
فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ وَاسْتَيْقَنْتَهُ: عَلِمْتَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّسْخُ وَمَا لاَ يَجُوزُ، فَإِنْ تَلَوْتَ آيَةً فِي ظَاهِرِ تِلاوَتِهَا تَحْسَبُ أنَّها نَاسِخَةٌ لِبَعْضِ أَخْبَارِهِ كَقَوْلِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ: { فلما أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ }، وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ }.
وَقَالَ: قَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ أَنَّ اللَّهَ عَنَى أَنْ يُنْجِيَهُ بِبَدَنِهِ مِنَ النَّارِ لأنَّه آمَنَ عِنْدَ الْغَرَقِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ أن قَوْمَ فِرْعَوْنَ يَدْخُلُونَ النَّارَ دُونَهُ، وَقَالَ: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ }، وَقَالَ: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }، وَلَمْ يَقُلْ بِفِرْعَوْنَ. قَالَ: وَهَكَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَة وَالأُولَى }، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا } فَأَقَرَّ التِّلاوَةَ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْعِلْمِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عِلْمًا بِشَيْءٍ؛ لأنَّه مَنْ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَهُ - نَجِدُهُ ضَرُورَةً -
قَالَ: { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }، وَقَالَ: وَإِنَّمَا قَوْلُهُ {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ } إِنَّمَا يُرِيدُ حَتَّى نَرَاهُ، فَيَكُونُ مَعْلُومًا مَوْجُودًا؛ لأنَّه لاَ جَائِزَ أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ الشَّيْءَ مَعْدُومًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَكُونَ، وَيَعْلَمُهُ مُوْجُودًا كَانَ قَدْ كَانَ، فَيَعْلَمُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعْدُومًا مَوْجُودًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا مُحَالُ.
وَذَكَرَ كَلاَمًا فِي هَذَا فِي الإِرَادَةِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ } لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ سَمْعًا، وَلا تَكَلَّفَ بِسَمْعِ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ لِلَّهِ اسْتِمَاعًا فِي ذَاتِهِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَا يُعْقَلُ مِنَ أنَّه يَحْدُثُ مِنْهُمْ عِلْمُ سَمْعٍ لِمَا كَانَ مِنْ قَوْلٍ; لأَنَّ الْمَخْلُوقَ إِذَا سَمِعَ حَدَثَ لَهُ عَقْلٌ فَهِمَ عَمَّا أَدْرَكَتْهُ أُذُنُهُ مِنَ الصَّوْتِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ }، لاَ يَسْتَحْدِثُ بَصَرًا، مُحدَثًا فِي ذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ الشَّيْءُ فَيَرَاهُ مُكَوَّنًا كَمَا لَمْ يَزَلْ يَعْلَمُه قَبْلَ كَوْنِهِ.

إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }، وَقَوْلُهُ {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }، وَقَالَ تَعَالَى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ }، وَقَالَ تَعَالَى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ }، وَقَالَ لِعِيسَى {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ومطهرك من الذين كفروا }وَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ }
وَذَكَرَ الآلِهَةَ: أَنْ لَوْ كَانُوا آلِهَةً لاَبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً، إِلَى طَلَبِهِ حَيْثُ هُوَ، فَقَالَ: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }، أي طلبه وَقَالَ تَعَالَى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى }.
وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَلَنْ يُنْسَخَ ذَلِكَ لهذا أَبَدًا.
كَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَـهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَـهٌ }، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ } فَلَيْسَ هَذَا بِنَاسِخٍ لِهَذَا، وَلا هَذَا ضِدٌّ لِذَلِكَ(1).
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الآيَاتِ لَيْسَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ الْكَوْنَ بِذَاتِهِ فَيَكُونُ فِي أَسْفَلِ الأَشْيَاء، أَوْ يَنْتَقِلُ فِيهَا لاَنتقالِهَا، وَيَتَبَعَّضُ فِيهَا عَلَى أَقْدَارِهَا، وَيَزُولُ عَنْهَا عِنْدَ فَنَائِهَا، جَلَّ وَعَزَّ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ نَزَعَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الضَّلاَلِ، فَزَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مكان بِنَفْسِهِ كَائِنًا، كَمَا هُوَ على الْعَرْشِ، لاَ فرقان بَيْنَ ذَلِكَ ثُمَّ أَحَالُوا فِي النَّفْيِ بَعْدَ تَثْبِيتِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ مَا نَفَوْهُ؛ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يُثْبِتُ شَيْئًا فِي الْمَعْنَى ثُمَّ نَفَاهُ بِالْقَوْلِ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ نَفْيُهُ بِلِسَأنَّه، وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الآيَاتِ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ شَيْءٍ بِنَفْسِهِ كَائِنًا ثُمَّ نَفَوْا مَعْنَى مَا أَثْبَتُوا، فَقَالُوا: لاَ كَالشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لنا قَوْلُهُ: {حَتَّى نَعْلَمَ }، وَ{سَيَرَى اللَّهُ }، وَ{إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ } فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: حَتَّى يَكُونَ الْمَوْجُودُ فَيَعْلَمَهُ مَوْجُودًا، وَيَسْمَعَهُ مَسْمُوعًا، وَيُبْصِرَهُ مُبْصَرًا لاَ عَلَى اسْتِحْدَاثِ عِلْمٍ وَلا سَمْعٍ وَلا بَصَرٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذَا أَرَدْنَا ): إِذَا جَاءَ وَقْتُ كَوْنِ الْمُرَادِ فِيهِ.
وَأَنَّ قَوْلَهُ: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ } {إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً } فَهَذَا وَغَيْرُهُ مِثْلُ قَوْلِهِ: { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ } { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } هَذَا مُنْقَطِعٌ يُوجِبُ أنَّه فَوْقَ الْعَرْشِ، فَوْقَ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا مُنَزَّهٌ عَنِ الدُّخُولِ فِي خَلْقِهِ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ؛ لأنَّه أَبَانَ فِي هَذِهِ الآيَاتِ أنَّه أراد أنَّه بنَفْسِهِ فَوْقَ عِبَادِهِ؛ لأنَّه قَالَ: {َأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } يَعْنِي فَوْقَ الْعَرْشِ، وَالْعَرْشُ على السَّمَاءِ؛ لأَنَّ مَنْ قَدْ كَانَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى السَّمَاءِ فِي السَّمَاءِ، وَقَدْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ في قوله: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ } يَعْنِي: عَلَى الأَرْضِ، لاَ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي جَوْفِهَا، كذلك قوله (يتيهون في الأرض) يعني على الأرض لا يريد الدخول في جوفها وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } يَعْنِي: فَوْقَهَا عَلَيْهَا.
وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } ثُمَّ فَصَلَ فَقَالَ: {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ } وَلَمْ يَصِلْ فَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ مَعْنًى - إِذا فَصَلَ قَوْلَهُ: {مَنْ فِي السَّمَاءِ } ثُمَّ اسْتَأْنَفَ التَّخْوِيفَ بِالْخَسْفِ - إِلاَّ أنَّه عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ السَّمَاءِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ }، وَقَالَ {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} فَبَيَّنَ عُرُوجَ الأَمْرِ وَعُرُوجَ الْمَلائِكَةِ، ثُمَّ وَصَفَ وَقْتَ صُعُودِهَا بِالارْتِفَاعِ صَاعِدَةً إِلَيْهِ فَقَالَ: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } فَقَالَ صُعُودُهَا إِلَيْهِ، وَفَصَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ (إِلَيْهِ). كَقَوْلِ الْقَائِلِ: اصْعَدُ إِلَى فُلانٍ فِي لَيْلَةٍ أَوْ يَوْمٍ وَذَلِكَ أنَّه فِي الْعُلُوِّ وَأَنَّ صُعُودَكَ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ، فَإِذَا صَعِدُوا إِلَى الْعَرْشِ فَقَدْ صَعِدُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَرَوْهُ، وَلَمْ يُسَاوُوهُ فِي الارْتِفَاعِ فِي عُلُوِّهِ فأنَّهمْ صَعِدُوا مِن الأَرْضِ وَعَرَجُوا بِالأَمْرِ إِلَى الْعُلُوِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } وَلَمْ يَقُلْ: عِنْدَهُ(2).
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَـلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَـهِ مُوسَى } ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلامَ فَقَالَ { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا } فِيمَا قَالَ لِي أَنَّ إِلَهَهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ.
فَبَيَّنَ اللَّهُ سبحانه أَنَّ فِرْعَوْنَ ظَنَّ بِمُوسَى أنَّه كَاذِبٌ فِيمَا قَالَ، وَعَمَدَ لِطَلَبِهِ حَيْثُ قَالَهُ مع الظَّنِّ بِمُوسَى أنَّه كَاذِبٌ وَلَوْ أَنَّ مُوسَى قَالَ: إنَّه فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ لَطَلَبَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ في بَدَنِهِ، أَوْ في َحْشِهِ، فَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُجْهِدْ نَفْسَهُ بِبُنْيَانِ الصَّرْحِ(3).
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا الآي الَّتِي يَزْعُمُونَ أنَّها قَدْ وَصَلَهَا - وَلَمْ يَقْطَعْهَا كَمَا قَطَعَ الْكَلامَ الَّذِي أَرَادَ بِهِ أنَّه عَلَى عَرْشِهِ فَقَالَ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } فَأَخْبَرَ بِالْعِلْمِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أنَّه مَعَ كُلِّ مُنَاجٍ ثُمَّ خَتَمَ الآيَةَ بِالْعِلْمِ بِقَوْلِهِ: { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ، وَخَتَمَ بِالْعِلْمِ، فَبَيَّنَ أنَّه أَرَادَ أنَّه يَعْلَمُهُمْ حَيْثُ كَانُوا لاَ يَخْفُونَ عَلَيْهِ، وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ مُنَاجَاتُهُمْ وَلَو اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فِي أَسْفَلَ وَنَاظَرَ إِلَيْهِمْ فِي الْعُلُوِّ. فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَزَلْ أَرَاكُمْ، وَأَعْلَمُ مُنَاجَاتِكُمْ لَكَانَ صَادِقًا - وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى أَنْ يُشْبِهَ الْخَلْقَ - فَإِنْ أَبَوْا إِلاَّ ظَاهِرَ التِّلاوَةِ، وَقَالُوا: هَذَا مِنْكُمْ دَعْوَى. خَرَجُوا عَنْ قَوْلِهِمْ فِي ظَاهِرِ التِّلاوَةِ; لأَنَّ مَنْ هُوَ مَعَ الاثْنَيْنِ فأَكْثَرَ هُوَ مَعَهُمْ لاَ فِيهِمْ، وَمَنْ كَانَ مَعَ شَيْء خَلا جِسْمُهُ وَهَذَا خُرُوجٌ مِنْ قَوْلِهِمْ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }؛ لأَنَّ مَا قَرُبَ مِنَ الشَّيْءِ لَيْسَ هُوَ فِي الشَّيْءِ فَفِي ظَاهِرِ التِّلاوَةِ عَلَى دَعْوَاهُمْ أنَّه لَيْسَ فِي حَبْلِ الْوَرِيدِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَـهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَـهٌ } لَمْ يَقُلْ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ قَطَعَ - كَمَا قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } ثُمَّ قَطَعَ فَقَالَ: {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ } - فَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَـهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَـهٌ } يعني إِلَه أَهْلِ السَّمَاءِ وَإِلَه أَهْلِ الأَرْضِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي اللُّغَةِ تَقُولُ: فُلاَنٌ أَمِيرٌ فِي خُرَاسَانَ وَأَمِيرٌ فِي بَلْخَ، وَأَمِيرٌ فِي سَمَرْقَنْدَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَيَخْفَى عَلَيْهِ مَا وَرَاءَهُ، فَكَيْفَ الْعَالِي فَوْقَ الأَشْيَاءِ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن الأَشْيَاءِ يُدَبِّرُهُ، فَهُوَ إِلَهٌ فِيهِمَا إِذَا كَانَ مُدَبِّرًا لَهُمَا، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ وفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ تَعَالَى عَنِ الأشباه والأَمْثَالِ. أ هـ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
15, كمال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir