النَّوْعُ الْأَوَّلُ الصَّحِيحُ
قَالَ : اعْلَمْ -عَلَّمَكَ اللَّهُ وَإِيَّايَ- أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ أَهْلِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ.
(قُلْتُ) : هَذَا التَّقْسِيمُ إِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ, فَلَيْسَ إِلَّا صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ, وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ, فَالْحَدِيثُ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُمْ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ, كَمَا قَدْ ذَكَرَهُ آنِفًا هُوَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا .
تَعْرِيفُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
قَالَ : أَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ, وَلَا يَكُونَ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا .
ثُمَّ أَخَذَ يُبَيِّنُ فَوَائِدَهُ, وَمَا احْتَرَزَ بِهَا عَنْ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُعْضَلِ وَالشَّاذِّ, وَمَا فِيهِ عِلَّةٌ قَادِحَةٌ وَمَا فِي رَاوِيهِ نَوعُ جَرْحٍ .
قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يُحْكَمُ لَهُ بِالصِّحَّةِ, بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ, لِاخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُودِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ, أَوْ فِي اشْتِرَاطِ بَعْضِهَا, كَمَا فِي الْمُرْسَلِ .
(قُلْتُ) : فَحَاصِلُ حَدِّ الصَّحِيحِ : أَنَّهُ الْمُتَّصِلُ سَنَدُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنْ مِثْلِهِ, حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r أَوْ إِلَى مُنْتَهَاهُ, مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ مَنْ دُونَهُ, وَلَا يَكُونُ شَاذًّا, وَلَا مَرْدُودًا, وَلَا مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ, وَقَدْ يَكُونُ مَشْهُورًا أَوْ غَرِيبًا.
وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ فِي نَظَرِ الْحُفَّاظِ فِي مَحَالِّهِ, وَلِهَذَا أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَصَحَّ الْأَسَانِيدِ عَلَى بَعْضِهَا فَعَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ : أَصَحُّهَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ والفَلَّاسُ: أَصَحُّهَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ . وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: أَصَحُّهَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَعَنِ الْبُخَارِيِّ : مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ : الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ, إِذْ هُوَ أَجَلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْه.