وَمَعْلُومٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ بِذَلِكَ، وَأَنْصَحُ مِنْ غَيْرِهِ لِلأُمَّةِ(1) وَأَفْصَحُ مِنْ غَيْرِهِ عِبَارَةً وَبَيَانًا(2).
بَلْ هُوَ أَعْلَمُ الخَلْقِ بِذَلِكَ وَأَنْصَحُ الخَلْقِ لِلْأُمَّةِ، وَأَفْصَحُهُمْ، وَقَد اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كَمَالُ العِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ وَالإِرَادَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ المُتَكَلِّمَ وَالْفَاعِلَ إِذَا كَمُلَ عِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ وَإِرَادَتُهُ: كَمُلَ كَلامُهُ وَفِعْلُهُ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ النَّقْصُ إِمَّا مِنْ نَقْصِ عِلْمِهِ وَإِمَّا مِنْ عَجْزِهِ عَنْ بَيَانِ عِلْمِهِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ إِرَادَتِهِ البَيَانَ.
وَالرَّسُولُ صلَّى الله عليه وسلَّم هُوَ الغَايَةُ فِي كَمَالِ العِلْمِ، وَالْغَايَةُ فِي كَمَالِ إِرَادَةِ البَلاغِ المُبِينِ، وَالْغَايَةُ فِي القُدْرَةِ عَلَى البَلاغِ الْمُبِينِ، وَمَعَ وُجُودِ القُدْرَةِ التَّامَّةِ، وَالإِرَادَةِ الجَازِمَةِ: يَجِبُ وُجُودُ المُرَادِ، فَعُلِمَ قَطْعًا أَنَّ مَا بَيَّنَهُ مِنْ أَمْرِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ حَصَلَ بِهِ مُرَادُهُ مِنَ البَيَانِ، وَمَا أَرَادَهُ مِنَ البَيَانِ هُوَ مُطَابِقٌ لِعِلْمِهِ، وَعِلْمُهُ بِذَلِكَ هُوَ أَكْمَلُ العُلُومِ(3).
فَكُلُّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَ الرَّسُولِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَعْلَمُ بِهَذِهِ مِنْهُ، أَوْ أَكْمَلُ بَيَانًا مِنْهُ، أَوْ أَحْرَصُ عَلَى هَدْيِ الخَلْقِ مِنْهُ، فَهُوَ مِنَ المُلْحِدِينَ لاَ مِنَ المُؤْمِنِينَ; وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَ السَّلَفِ هُمْ فِي هَذَا البَابِ عَلَى سَبِيلِ الاسْتِقَامَةِ.