دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > رسائل التفسير

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى: {وأنتم سامدون}

سامدون جمع سامد، ولهذه المفردة في لسان العرب معانٍ متعددة، بين بعضها تقارب، فتطلق على الغناء، وعلى القيام الطويل، والسير الشديد الدائم، والغفلة والذهول، واللهو، والعبوس والوجوم، والشموخ بالرأس تكبراً، وهذه المعاني المتعددة في اللغة لها شواهدها ودلالاتها.
وقد فسّر المفسرون من الصحابة والتابعين وتابعيهم قول الله تعالى: {وأنتم سامدون} بعامّة هذه المعاني، وهي معانٍ صحيحة تحتملها الآية، وظاهر حال المشركين في وقت النزول وسائر المخالفين إلى وقتنا الحاضر أنهم لا يخلون من حالة منها؛ فدلّت الآية بهذه المفردة على كلّ هذه الحالات من غير تعارض.

فالمعنى الأول: وهو الغناء؛ هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، ومولاه عكرمة.
- قال عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {سامدون} قال: (هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنَّوا ولعبوا، وهي بلغة أهل اليمن، يقول اليماني إذا تغنَّى: اسْمُد). رواه عبد الرزاق وابن جرير من طرق عن عكرمة.
- وقال عكرمة: {وأنتم سامدون} قال: (يعني تتغنون، وهي بالحِمْيرية) رواه ابن جرير وعلّقه البخاري في صحيحه.
والأظهر أن هذه اللغة لا تختص بأهل اليمن؛ فقد قال أبو زبيد الطائي من قصيدة له:
فتخالُ العزيفَ فيها غِناءً ... للندامَى من شاربٍ مسمودِ
"العَزِيف" فعيل بمعنى مفعول، يريد به الأصوات التي تُسمع بالليل في الخلاء كأنّها عزفُ ألحان، ومن العرب من ينسبها للجنّ،كما قال الأعشى:
وبَلْدَةٍ مثلِ ظَهْرِ التُّرْسِ موحشة ... للجنّ بالليل في حافاتها زَجَلُ
وقال جران العود:
حَمَلْنَ جِرَانَ العَوْدِ حتى وَضَعْنَه ... بعَلْياءَ في أرجائها الجنّ تَعْزِفُ
فشبَّه أبو زبيد ما سمعه من الأصوات بالغناء الذي يُغنَّى به شاربُ الخمر المسمود؛ فالمسمود هو المغنَّى له، والسامد الذي يغنّي.
وأبو زبيد من قبيلة طيء، وكانت منازلها في حائل وما جاورها في شمال جزيرة العرب، وهو شاعر نصراني أدرك الجاهلية والإسلام ولم يسلم، وكان في العراق زمن خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وهذا المعنى يؤيده ما دلّ من الأدلة على أنّ من الكفار من كان يعارض القرآن باللغو فيه، كما قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}
- قال ابن أبي نجيح والقاسم بن أبي بزة عن مجاهد: «المكاء والتصفير، وتخليط من القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ، قريش تفعله» رواه ابن جرير.
فالسمود الذي وقع من المشركين عند سماع القرآن ضرب من اللغو فيه.

والمعنى الثاني: القيام الطويل، والانتصاب للشيء، يقال: سمدت له أي قمت له.
- قال أبو خالد الوالبي: خرج علينا عليّ رضي الله عنه ونحن قيام أي: ننتظر الصلاة، فقال: (مالي أراكم سامدين؟!) رواه ابن جرير.
- وقال إبراهيم النخعي: (كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياماً ولكن قعوداً، ويقولون: ذلك السمود). رواه أبو عبيد وابن جرير.
ولذلك نُسب إلى إبراهيم النخعي أنه فسر آية النجم بهذا المعنى.
وهذا يصدق على حال بعض المشركين الذين كانوا ينتصبون قائمين لسماع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قياماً طويلاً، يتعجّبون منه، وتجذبهم حلاوة ألفاظه وعذوبة معانيه، وعجائب أخباره، وحسن بيانه الذي لا يضاهيه بيان، ثم يمنعهم الكبر من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم واتّباعه.
وهذا المعنى يؤيّده قول الله تعالى قبلها: {أفمن هذا الحديث تعجبون}.
فهم يسمدون أنفسهم قياماً لاستماع القرآن وتعجّبا منه ثمّ لا يؤمنون، وهذا توبيخ لهم، وتعريض بضعف عقولهم وسوء اختيارهم لأنفسهم.

والمعنى الثالث: السير الشديد الدائم ، يقال لمن أدأب نفسه في السير: سَمَدَ نفسه، وسمد دابّته، وهو سامد إذا ألزمها السير الشديد الطويل الذي فيه عنت ومشقة، قال ذو الرمّة:
وبعد سَمْدِ القَرَبِ المسْمُود ... يخرجْن من ذي ظُلَمٍ منضودٍ
- قال أبو نصر الباهلي: ("السَّمْد": سير الليل، يسمدون عليها إلى الصباح، يبيتون على إبلهم، "القَرَب": إذا كان بينك وبين الماء ليلةٌ تصبح من غدها على الماء، و"المنضود": المتراكب).
وقال أبو نخيلة:

وَقلت للعيسِ اعتلي وجدّي ... فَهِيَ تخْدِى أحسنَ التخَدّي
قدِ ادَّرَعْن فِي مسيرٍ سَمْدِ ... لَيْلًا كلون الطيلسان الجرْدِ
وقال رؤبة بن العجاج:
ما زال إسآد المطايا سمداً ... تستلبُ السير استلاباً مَسْداً
وهذا المعنى من أشهر معاني هذا اللفظ عند العرب، وبينه وبين الذي قبله تناسب.
وتفسير الآية على هذا المعنى له ما يؤيّده من دلالة الأدلّة الكثيرة على تبكيت المشركين وتوبيخهم على ما أمعنوا فيه من الغواية والضلال، وأدأبوا أنفسهم عليه وسمدوها له، في مسيرهم الشديد الدائم في طرق الباطل.
ومن شأن السامد في مسيره أنه لا يلوي على شيء؛ ولا يلتفت إلى غير غايته، فوصف حالهم أحسن الوصف إذ شبّه السير المعنوي بالسير الحسي.

والمعنى الرابع: الغفلة والذهول عن الشيء، ومنه قول عبد الله بن الزبير الأسدي من أسد بن خزيمة:
رمى الحَدَثَانُ نسوةَ آلِ حربٍ ... بمقدارٍ سَمَدْنَ له سمودا
فردَّ شعورهنَّ السودَ بيضاً ... وردَّ وجههنَّ البيضَ سُودا

والمقدار مفرد المقادير، وهو الأمر الذي قدّر من المصائب التي أصابتهنّ فأذهلتهنّ، وأعقبتهنّ الغفلة عن شؤونهن.
فالسمود حالة تعتري الإنسان تذهله عما حوله، وهذا الوصف يصدق على بعض من كان يسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين، وحال أشباههم إلى قيام الساعة.
وعلى هذا المعنى قول الحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد في تفسير آية النجم {سامدون}: أي غافلون.

والمعنى الخامس: اللهو، وهو قريب من المعنى الذي قبله وبينهما فرق.
قال الضحاك في تفسير قول الله تعالى: ({وأنتم سامدون} قال: لاهون معرضون). رواه ابن جرير، وهو رواية عن ابن عباس.

والمعنى السادس: الوجوم والعبوس.
- قال مجاهد: ({وأنتم سامدون} قال: (البَرْطَمة). رواه ابن جرير، وقدّمه البخاري في صحيحه، وفي رواية عند ابن جرير قال: «كانوا يمرّون على النبي صلى الله عليه وسلم غضابا مُبَرْطِمين»
والبرطمة من آثار العبوس بالوجه، وهو وصف لحال بعض المشركين عند سماع القرآن.
وهذا المعنى يدلّ له قول الله تعالى: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)}

والمعنى السابع: الشموخ والاستكبار، وهو رواية عن الضحاك.
الشامخ الذي يرفع رأسه، وقال الخليل بن أحمد: (كل رافع رأسه فهو سامد).
وفي تفسير ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن حكيم بن الديلم، عن الضحاك، عن ابن عباس، {وأنتم سامدون} قال: «كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم شامخين، ألم تروا إلى الفحل في الإبل عَطِنا شامخا».
وهذا وصف يصدق على طائفة منهم.

فانظر كيف دلّت مفردة واحدة على معانٍ متعددة تصدق على طوائف كثيرة من الكفار والمشركين، وكيف دلَّت على تبكيتهم وتوبيخهم بأسلوب عربيّ مبين.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir