وَيَتَبَرَّءُونَ مِنْ طَرِيقةِ الرَّوَافِضِِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ ، وَطَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُؤْذُونَ أَهْلَ البَيْتِ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ المَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ ، وَمِنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ ، وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ : إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ ، وَإمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُون .
وَهُمْ - مَعَ ذَلِكَ - لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِن الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِه ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِم الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَة ، وَلَهُمْ مِن السَّوَابِقِ وَالفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إِنْ صَدَرَ ، حَتَّى إِنَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ مِن السَّيِّئَاتِِ مَا لاَ يُغفرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ؛ لأَنَّ لَهُمْ مِن الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ خَيْرُ القُرُونِ ، وَأَنَّ المُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلََ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ ، ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ عَنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ ، أَوْ أَتَى بِحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ ، أَوْ غُفِرَ لَهُ بِفَضْلِ سَابِقَتِه ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ ، أَو ابْتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنْيَا كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ .
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ فَكَيْفَ بِالأُمُورِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ : إِنْ أَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ ، وَإِنْ أَخْطَأُوا فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ ، وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ؟
ثُمَّ القَدْرُ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ القَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ مِن الإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَالِجهَادِ فِي سَبيِلِهِ ، وَالْهِجْرَةِِ ، وَالنُّصْرةِ ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِِ . وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ , وَمَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِن الفَضَائِلِ ، عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ ، لاَ كَانَ وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهُمْ ، وَأَنَّهُم هم الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى الله تعالى .