وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: فَهو مَشِيئَةُ اللهُ النَّافِذَةُ، وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ، وَهُوَ الإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ حَرَكَةٍ، وَلاَ سُكُونٍ، إِلاَّ بِمَشِيئَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، لاَ يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إلاَ ما يُرِيدُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِن الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ.
فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ إِلاَّ اللهُّ خَالِقُهُ، سُبْحَانَهُ، لاَ خَالِقَ غَيَرُهُ، وَلاَ رَبَّ سِوَاهُ. وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَمَرَ العِبَادَ بِطَاعَتِهِ، وَطَاعَةِ رُسُلِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُقْسِطِينَ، وَيَرْضَى عَن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ، وَلاَ يَرْضَى عَن الْقَوْمِ الفَاسِقِينَ، وَلاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ، وَلاَ يُحِبُّ الفَسَادَ.
وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، وَاللهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ. وَ الْعَبْدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْمُصَلِّي وَالصَّائِمُ. وَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَإِرَادَةٌ، وَاللهُ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ، كَمَا قَالَ –تَعَالَى-: {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التَّكْوِيرِ: 28-29]، وهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِن القَدَرِ يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ القَدَرِيَّةِ الَّذِينَ سَمَّاهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَيَغْلُو فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الإِثْبَاتِِ حَتَّى يسلبوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ، وَيُخْرِجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ حِكَمَهَا وَمَصَالِحَهَا.