دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة النساء

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الأول 1440هـ/18-11-2018م, 09:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (97) إلى الآية (99) ]

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} يعنى به: المشركون الذين تخلفوا عن الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فـ
{توفاهم}، إن شئت: كان لفظها ماضيا، على معنى: إن الذين توفتهم الملائكة، وذكّر الفعل لأنه فعل صحيح.

ويجوز أن يكون: على معنى الاستقبال، على معنى: أن الذين تتوفاهم الملائكة، وحذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين، وقد شرحنا ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.
وقوله:
{ظالمي أنفسهم}: نصب على الحال، المعنى: تتوفاهم في حال ظلمهم أنفسهم، والأصل: ظالمين أنفسهم إلا أن النون حذفت استخفافا.
والمعنى معنى ثبوتها، كما قال جلّ وعزّ
{هديا بالغ الكعبة}.
والمعنى معنى ثبوت التنوين، معنى بالغا الكعبة.
وقوله:
{قالوا فيم كنتم} هذه الواو للملائكة، أي: قال الملائكة للمشركين {فيم كنتم} أي: أكنتم في المشركين أم في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا سؤال توبيخ قد مر نظراؤه مما قد استقصينا شرحه.
وقوله: {كنّا مستضعفين في الأرض}فأعلم اللّه أنهم كانوا مستضعفين عن الهجرة، فقالت لهم الملائكة: {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا * إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} ). [معاني القرآن: 2/94-95]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا (97) إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا (98) فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا (99) ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورًا رحيمًا (100)
المراد بهذه الآية إلى قوله مصيراً جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا مع قومهم، وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر، فنزلت الآية فيهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما، كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يستخفون بإسلامهم، فأخرجهم المشركون يوم بدر فأصيب بعضهم، فقال المسلمون كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت إنّ الّذين توفّاهم الملائكة الآية. قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية، أن لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية الأخرى، ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه [العنكبوت: 10] الآية فكتب إليهم المسلمون بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير. ثم نزلت فيهم ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ [النحل: 110] فكتبوا إليهم بذلك، أن الله قد جعل لكم مخرجا فخرجوا فلحقهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل، وقال عكرمة: نزلت هذه الآية في خمسة قتلوا ببدر، وهم قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود بن أسد، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاصي بن منبه بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف، قال النقاش: في أناس سواهم أسلموا ثم خرجوا إلى بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: غر هؤلاء دينهم.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وكان العباس ممن خرج مع الكفار لكنه نجا وأسر، وكان من المطعمين في نفير بدر، قال السدي: لما أسر العباس وعقيل ونوفل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: افد نفسك وابن أخيك، فقال له العباس: يا رسول الله، ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال «يا عباس: إنكم خاصمتم فخصمتم»، ثم تلا عليه هذه الآية ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها قال السدي: فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر، إلا من لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وفي هذا الذي قاله السدي نظر، والذي يجري مع الأصول أن من مات من أولئك بعد أن قبل الفتنة وارتد فهو كافر ومأواه جهنم على جهة الخلود، وهذا هو ظاهر أمر تلك الجماعة وإن فرضنا فيهم من مات مؤمنا وأكره على الخروج، أو مات بمكة فإنما هو عاص في ترك الهجرة، مأواه جهنم على جهة العصيان دون خلود، لكن لما لم يتعين أحد أنه مات على الإيمان لم يسغ ذكرهم في الصحابة، ولم يعتد بما كان عرف منهم قبل، ولا حجة للمعتزلة في شيء من أمر هؤلاء على تكفيرهم بالمعاصي، وأما العباس فقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله أنه أسلم قبل بدر، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر من لقي العباس فلا يقتله، فإنما أخرج كرها.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق- رحمه الله- وذكر أنه إنما أسلم مأسورا حين ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أمر المال الذي ترك عند أم الفضل، وذكر أنه أسلم في عام خيبر، وكان يكتب إلى رسول الله بأخبار المشركين، وكان يحب أن يهاجر، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لكن عامله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر على ظاهر أمره.
وقوله تعالى: توفّاهم يحتمل أن يكون فعلا ماضيا لم يستند بعلامة تأنيث، إذ تأنيث لفظ الملائكة غير حقيقي، ويحتمل أن يكون فعلا مستقبلا على معنى تتوفاهم، فحذفت إحدى التاءين ويكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي من هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية. وقرأ إبراهيم «توفاهم» بضم التاء، قال أبو الفتح: كأنه يدفعون إلى الملائكة ويحتسبون عليهم. و «توفاهم» بفتح التاء معناه: تقبض أرواحهم، وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى: تحشرهم إلى النار وظالمي أنفسهم نصب على الحال أي ظالميها بترك الهجرة، قال الزجّاج: حذفت النون من «ظالمين» تخفيفا، كقوله تعالى: بالغ الكعبة [المائدة: 95]، وقول الملائكة فيم كنتم؟ تقرير وتوبيخ، وقول هؤلاء كنّا مستضعفين في الأرض اعتذار غير صحيح، إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل ثم وقفتهم الملائكة على ذنبهم بقولهم ألم تكن أرض اللّه واسعةً والأرض في قول هؤلاء هي أرض مكة خاصة، وأرض اللّه هي الأرض بالإطلاق. والمراد فتهاجروا فيها إلى موضع الأمن، وهذه المقالة إنما هي بعد توفي الملائكة لأرواح هؤلاء. وهي دالة على أنهم ماتوا مسلمين، وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا، وإنما أضرب عن ذكرهم في الصحابة لشدة ما واقعوه، ولعدم تعين أحد منهم بالإيمان، ولاحتمال ردته، وتوعدهم الله تعالى بأن مأواهم جهنّم). [المحرر الوجيز: 2/640-643]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا (97) إلا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا (98) فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوًّا غفورًا (99) ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورًا رحيمًا (100)}
قال البخاريّ: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، حدّثنا حيوة وغيره قالا حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن أبو الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي، ثمّ قال: أخبرني ابن عبّاسٍ أنّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين، يكّثرون سواد المشركين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأتي السّهم فيرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب عنقه فيقتل، فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} رواه اللّيث عن أبي الأسود.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّمادي، حدّثنا أبو أحمد -يعني الزبيري-حدثنا محمّد بن شريك المكّيّ، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: كان قومٌ من أهل مكّة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدرٍ معهم، فأصيب بعضهم بفعل بعضٍ قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [قالوا فيم كنتم} إلى آخر] الآية، قال: فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية: لا عذر لهم. قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت هذه الآية: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه} الآية [البقرة: 8].
وقال عكرمة: نزلت هذه الآية في شبابٍ من قريشٍ، كانوا تكلّموا بالإسلام بمكّة، منهم: عليّ بن أميّة بن خلف، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاص بن منبّه بن الحجّاج، والحارث بن زمعة.
وقال الضّحّاك: نزلت في ناسٍ من المنافقين، تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكة، وخرجوا مع المشركين يوم بدرٍ، فأصيبوا فيمن أصيب فنزلت هذه الآية الكريمة عامّةً في كلّ من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادرٌ على الهجرة، وليس متمكّنًا من إقامة الدّين، فهو ظالمٌ لنفسه مرتكبٌ حرامًا بالإجماع، وبنصّ هذه الآية حيث يقول تعالى: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} أي: بترك الهجرة {قالوا فيم كنتم} أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة؟ {قالوا كنّا مستضعفين في الأرض} أي: لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذّهاب في الأرض {قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً [فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا]}.
وقال أبو داود: حدّثنا محمّد بن داود بن سفيان، حدّثني يحيى بن حسّان، أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود، حدّثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب: أما بعد، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " من جامع المشرك وسكن معه فإنّه مثله ".
وقال السّدّيّ: لمّا أسر العبّاس وعقيل ونوفل، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للعبّاس: " افد نفسك وابن أخيك " قال: يا رسول اللّه، ألم نصلّ قبلتك، ونشهد شهادتك؟ قال: " يا عبّاس، إنّكم خاصمتم فخصمتم". ثمّ تلا عليه هذه الآية: {ألم تكن أرض اللّه واسعةً [فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا]} رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/388-389]

تفسير قوله تعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان)
{المستضعفين} نصب على الاستثناء من قوله: {مأواهم جهنّم... إلّا المستضعفين}، أي: إلا من صدق أنّه مستضعف غير مستطيع حيلة ولا مهتد سبيلا، فأعلم الله أن هؤلاء راجون العفو، كما يرجو المؤمنون فقال: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}). [معاني القرآن: 2/95]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم استثنى منهم من كان استضعافه على حقيقة من زمنة الرجال وضعفة النساء والولدان، كعياش بن أبي ربيعة والوليد بن هشام وغيرهما، قال ابن عباس: كنت أنا وأمي من المستضعفين، هي من النساء وأنا من الولدان، والحيلة: لفظ عام لأسباب أنواع التخلص، و «السبيل»: سبيل المدينة فيما ذكر مجاهد والسدي وغيرهما والصواب أنه عام في جميع السبل). [المحرر الوجيز: 2/643]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إلا المستضعفين [من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا]} هذا عذرٌ من اللّه تعالى لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك أنّهم لا يقدرون على التّخلّص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطّريق، ولهذا قال: {لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا} قال مجاهدٌ وعكرمة، والسّدّيّ: يعني طريقًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/389-390]

تفسير قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}
و {عسى} ترج، وما أمر اللّه به أن يرجى من رحمته فبمنزلة الواقع كذلك الظن بأرحم الراحمين.

وقوله:
{وكان اللّه عفوّا غفورا}.
تأويل {كان} في هذا الموضع قد اختلف فيه الناس
:
- فقال الحسن البصري: كان غفورا لعباده، عن عباده قبل أن يخلقهم.
- وقال النحويون البصريون: كأنّ القوم شاهدوا من الله رحمة فأعلموا أن ذلك ليس بحادث، وأنّ الله لم يزل كذلك.
- وقال قوم " من النحويين:.. " كان " و" فعل " من اللّه بمنزلة ما في الحال، فالمعنى - والله أعلم - والله عفو غفور.
والذي قاله الحسن وغيره أدخل في اللغة، وأشبه بكلام العرب.
- وأما القول الثالث، فمعناه: يؤول إلى ما قاله الحسن وسيبويه، إلا أن يكون الماضي بمعنى الحال يقل.
وصاحب هذا القول له من الحجة قولنا " غفر الله لفلان " بمعنى ليغفر اللّه له فلما كان في الحال دليل على الاستقبال وقع الماضي مؤديا عنها استخفافا، لأن اختلاف ألفاظ الأفعال إنما وقع لاختلاف الأوقات، فإذا أعلمت الأحوال والأوقات استغني بلفظ بعض الأفعال عن لفظ بعض، الدليل على ذلك: قوله جلّ وعزّ
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
وقوله:
{ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى اللّه متابا} معناه: من يتب ومن يجئ بالحسنة يعط عشر أمثالها). [معاني القرآن: 2/95-96]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم رجّى الله تعالى هؤلاء بالعفو عنهم، وعسى من الله واجبة. أما أنها دالة على ثقل الأمر المعفو عنه، قال الحسن: عسى من الله واجبة، قال غيره: هي بمنزلة الوعد، إذ ليس يخبر ب عسى عن شك ولا توقع، وهذا يرجع إلى الوجوب، قال آخرون: هي على معتقد البشر، أي ظنكم بمن هذه حاله ترجّي عفو الله عنه). [المحرر الوجيز: 2/643]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم} أي: يتجاوز عنهم بترك الهجرة، وعسى من اللّه موجبةٌ {وكان اللّه عفوًّا غفورًا}.
قال البخاريّ: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي العشاء إذ قال: " سمع اللّه لمن حمده " ثمّ قال قبل أن يسجد " اللّهمّ نج عيّاش بن أبي ربيعة، اللّهمّ نجّ سلمة بن هشامٍ، اللّهمّ نجّ الوليد بن الوليد، اللّهمّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللّهمّ اجعلها سنين كسنيّ يوسف".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو معمرٍ المقريّ حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسّيب، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رفع يده بعدما سلّم، وهو مستقبلٌ القبلة فقال: " اللّهمّ خلّص الوليد بن الوليد، وعيّاش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشامٍ، وضعفة المسلمين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا من أيدي الكفّار".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا المثنّى، حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ عن عبد اللّه -أو إبراهيم بن عبد اللّه القرشيّ-عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يدعو في دبر صلاة الظّهر: " اللّهمّ خلّص الوليد، وسلمة بن هشامٍ، وعيّاش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا ".
ولهذا الحديث شاهدٌ في الصّحيح من غير هذا الوجه كما تقدّم.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا ابن عيينة، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: كنت أنا وأمّي من المستضعفين من النّساء والولدان
وقال البخاريّ: أنبأنا أبو النّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا المستضعفين} قال: كانت أمّي ممّن عذر اللّه عزّ وجلّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/390]



* للاستزادة ينظر: هنا

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:41 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir