قال الأسود بن يعفر النهشلي:
نامَ الخَلِيُّ وما أُحِسُّ رُقادِى = والهَمُّ مُحتَضِرٌ لَدَيَّ وِسَادِي
مِنْ غَيْرِ ما سَقَمٍ ولكنْ شَفَّنِي = هَمٌّ أَرَاهُ قد أصابَ فُؤَادِي
ومنَ الحَوادِثِ، لا أَبا لكِ، أَنَّني = ضُرِبَتْ عليَّ الأَرضُ بالأَسْدَادِ
لا أَهْتَدِى فيها لِمَوْضِعِ تَلْعَةٍ = بينَ العِرَاقِ وبين أَرْضِ مُرَادِ
ولقد علمِتُ سِوَى الذِي نَبَّأْتِني = أَنَّ السَّبِيلَ سبيلُ ذِي الأَعْوَادِ
إِنَّ المَنِيَّةَ والحُتُوفَ كِلاَهُما = يُوفِي المخَارِمَ يَرْقُبانِ سوَاَدِي
لن يَرْضَيَا مِنِّي وَفَاءَ رَهِينَةٍ = مِن دُونِ نَفْسِي، طَارِفي وتلادِي
ماذَا أُؤَمِّلُ بَعْدَ آلٍ مُحرِّقٍ = تَركُوا منَازِلَهُمْ وبعدَ إِيَادِ
أَهْلِ الخَوَرْنَقِ والسَّدِيرِ وبارِقٍ = والقَصْرِ ذِي الشُّرَفَاتِ من سِنْدَادِ
أَرضاً تَخَيَّرَها لِدَارِ أَبيهُمِ = كَعْبُ بنُ مَامَةَ وابنُ أُمِّ دُؤَادِ
جَرَتِ الرِّياحُ على مكانِ دِيارِهِمُ = فكأَنَّما كانوا عَلَى مِيعَادِ
ولقد غَنُوا فيها بِأَنْعَمِ عِيشَةٍ = في ظِلِّ مُلْكٍ ثابتِ الأَوتادِ
نزَلُوا بِأَنْقُرَةٍ يَسِيلُ عليهمُ = ماءُ الفُرَاتِ يَجيءُ مِنْ أَطْوَادِ
أَينَ الذينَ بَنَوْا فطالَ بِنَاؤُهمْ = وتَمتَّعُوا بالأَهلِ والأَولادِ
فإِذَا النَّعيمُ وكلُّ ما يُلْهَى به = يوماً يَصيرُ إِلى بِلىً ونَفَادِ
في آلِ غَرْفٍ لو بَغَيْتِ لِيَ الأُسَى = لَوَجَدْتِ فِيهم إِسْوَةَ العُدَّادِ
ما بَعْدَ زَيْدٍ في فَتَاةٍ فُرِّقُوا = قتْلاً ونَفْياً بعدَ حُسْنِ تآدِي
فَتَخَيَّرُوا الأَرضَ الفَضَاءَ لِعِزِّهِمْء = ويَزِيدُ رَافِدُهُمْ على الرُّفَّادِ
إِمَّا تَرَيْنِي قَدْ بَلِيتُ وغَاضَنِي = ما نِيلَ مِن بَصَرِى ومن أَجْلاَدِي
وعَصَيْتُ أَصحابَ الصَّبابَةِ والصِّبَا = وأَطَعْتُ عَاذِلَتِي ولاَنَ قِيَادِي
فلقد أَرُوحُ على التِّجارِ مُرَجَّلا = مَذِلاً بمَالِى لَيِّناً أَجْيَادِي
ولقدْ لَهَوْتُ ولِلشَّبابِ لَذَاذَةٌ = بِسَلاَفَةٍ مُزِجَتْ بماءِ غَوادِي
مِنْ خَمْرِ ذِي نَطَفٍ أَغَنَّ مُنَطَّقٍ = وَافَى بها لِدَرَاهِمِ الأَسْجَادِ
يَسْعَى بها ذُو تُومَتَيْنِ مُشَمِّرٌ = قَنَأَتْ أَنَامِلُهُ منَ الفِرْصَادِ
والبِيضُ تَمْشِي كالبُدُورِ وكالدُّمَى = ونَوَاعِمٌ يَمْشِينَ بالأَرْفَادِ
والبِيضُ يَرْمِينَ القُلُوبَ كأَنَّها = أُدْحِيُّ بَيْنِ صَرِيمةٍ وجَمَادِ
يَنْطِقْنَ مَعرُوفاً وهُنَّ نوَاعِمٌ = بِيضُ الوُجُوهِ رَقيقَةُ الأَكْبادِ
يَنْطِقْنَ مَخْفُوضَ الحَدِيثِ تَهَامُساً = فَبَلَغْنَ ما حاوَلْنَ غَيْرَ تَنَادِي
ولقدْ غَدَوْتُ لِعَازبٍ مُتَناذَرِ = أَحْوَى المذَانِبِ مُؤْنِق الرُّوَّادِ
جَادَتْ سَوَارِيَهُ وآزَرَ نَبْتَهُ = نُفَأٌ من الصَّفْرَاءِ والزُّبَّادِ
بِالْجوِّ فالأَمَرَاتِ حَوْلَ مُغَامِرِ = فَبِضَارِجٍ فَقَصِيمَةِ الطُّرَّادِ
بِمُشَمِّرٍ عَتِدٍ جَهِيزٍ شَدُّهُ = قَيْدِ الأَوَابِدِ والرِّهانِ جَوَادِ
يَشْوِي لَنَا الوَحَدَ المُدِلَّ بِحُضْرِهِ = بِشَريجِ بَيْنَ الشَّدَّ والإِيرَادِ
ولقَدْ تَلَوْتُ الظَّاعِنينَ بِجَسْرَةٍ = أُجُدٍ مُهَاجِرَةِ السِّقَاب جَمَادِ
عَيْرَانةٍ سَدَّ الرَّبِيعُ خَصاصَهَا = مَا يَسْتَبِينُ بِهَا مَقِيلُ قُرَادِ
فَإِذَا وذَلِكَ لا مهَاهَ لذِكْرِهِ = والدَّهرُ يُعْقِبُ صَالِحاً بِفَسَادِ