قال بشامة بن عمرو:
هَجَرَتْ أُمامةَ هَجْراً طَوِيلاَ = وحَمَّلَك النَّأْيُ عِبْئاً ثَقيلاً
وحُمِّلْتَ منها عَلى نَأْيِها = خَيالاً يُوَافِي ونَيْلاً قليلاً
ونَظْرَةَ ذِي شَجَنٍ وامِقٍ = إِذَا ما الرَّكائِبُ جاوَزْنَ مِيلاً
أَتتنا تُسائِلُ ما بَثَّنا = فقلنا لها: قد عَزَمْنا الرَّحِيلاَ
وقلتُ لها: كُنْتِ، قد تَعلميـ = ـنَ، منذُ ثَوَى الرَّكْبُ، عَنَّا غَفُولاَ
فبادَرَتَاها بمُسْتَعْجِلٍ = من الدَّمعِ يَنْضَحُ خَدًّا أَسِيلا
وما كان أَكثَرُ ما نَوَّلَتْ = من القَوْلِ إِلاَّ صِفَاحاً وقيلا
وعِذْرَتُها أَنَّ كلَّ امرِىءٍ = مُعِدٌّ لهُ كلَّ يومٍ شُكُولاً
كأَنَّ النَّوَى لم تَكُنْ أَصْقَبَتْ = ولم تَأْتِ قَوْمَ أَدِيمٍ حُلولاَ
فقَرَّبْتُ للرَّحْل عَيْرَانَةً = عُذّافِرَةً عَنْتَرِيساً ذَمُولاَ
مُدَاخَلََة الْخَلْقِ مَضبُورَةً = إِذَا أَخَذَ الحاقِفاتُ المقِيلاَ
لَها قَرِدٌ تامِكٌ نَيُّهُ = تَزِلُّ الوَلِيَّةُ عنهُ زَلِيلا
تَطَرَّدُ أَطْرَافَ عامٍ خَصيبٍ = ولم يُشْلِ عَبْدٌ إِليها فَصِيلا
تَوَقَّرُ شازِرَةٍ طَرْفهَا = إِذا ما ثَنَيْتَ إِليها الجَدِيلا
بعَيْنٍ كعَينِ مُفيضِ القِدَاحِ = إِذا ما أَرَاغَ يُرِيدُ الحَويلا
وحَادِرَةٍ كَنَفَيْها المَسيـ = حُ تَنْضِحُ أَوْبَرَ شَثًّا غَلِيلاَ
وصَدْرٌ لها مَهْيَعٌ كالخَلِيفِ = تَخالُ بأَنَّ عليه شَليلاَ
فمرَّتْ على كشبٍ غُدْوَةً = وحاذَتْ بجَنْبِ أَرِيكٍ أَصِيلاَ
تَوطَّأُ أَغْلَظَ حِزَّانِهِ = كوَطءِ القَوِيِّ العَزِيزِ الذَّلِيلاَ
إِذا أَقبلَتْ قلتَ مَذْعُورَةٌ = من الرُّمْدِ تَلْحَقُ هَيْقاً ذَمُولا
وإِنْ أَدبرتْ قلتَ مَشْحُونةٌ = أَطاعَ لَها الرِّيحُ قِلْعاً جَفُولاَ
وإِنْ أَعرضْت رَاءَ فيها البصيـ = رُ ما لاَ يُكَلِّفهُ أَنْ يَفِيلاَ
يَداً سُرُحاً مَائِراً ضَبْعُها = تَسُومُ وتَقْدُمُ رِجْلاً زَجُولاَ
وعُوجاً تَنَاطَحْنَ تحتَ المَطا = وتَهْدِي بِهنَّ مُشاشاً كُهُولاَ
تَعُزُّ المَطِيِّ جِمَاعَ الطريقِ = إِذا أَدْلَجَ القومُ ليلاً طويلاَ
كَأنَّ يدَيْها إِذَا أَرْقَلَتْ = وقد جُرْنَ ثُمَّ اهتَديْنَ السَّبيلاَ
يَدَا عائِم خَرَّ في غَمْرَةٍ = قَدَ أَدرَكهُ الموتُ إِلاَّ قليلاَ
وخُبِّرْتُ قَومِي ولم أَلْقَهُمْ = أَجَدُّوا علي ذي شُوَيْسٍ حُلُولاَ
فإِمَّا هلكْتُ ولم آتِهِمْ = فأَبْلِغْ أَماثِلَ سَهْمٍ رَسولاَ
بِأَنْ قَوْمُكُمْ خُيِّرُوا خَصلَتيـ = نِ كلْتاهما جَعلُوها عُدُولاَ
خِزْىُ الحياةِ وحَرْبُ الصَّدِيقِ = وكلٌّ أَرَاهُ طَعَاماً وَبِيلاَ
فإِن لم يكنْ غَيرُ إِحداهما = فَسِيرُوا إِلى الموتِ سَيْراً جميلاَ
ولا تَقعدُوا وبِكُمْ مُنَّةٌ = كَفَى بالحوادثِ للمرءِ غُولاَ
وحُشُّوا الحُروبَ إذَا أُوقِدَتْ = رِماحاً طِوَالاً وخيلاً فُحولاَ
ومِن نَسْجِ داؤُودَ مَوْضُونَةً = ترَى لِلْقَواضِبِ فيها صَلِيلاَ
فإِنكُمُ وعَطَاءَ الرِّهانِ = إِذا جَرَّتْ الحربُ جُلاًّ جَليلاَ
كثَوْب ابْنِ بَيْضٍ وَقَاهُمْ بهِ = فَسَدَّ على السالكينَ السَّبيلاَ