المبحثُ الثالثُ: في أغراضِ التشبيهِ
الغرَضُ من التشبيهِ: إمَّا بيانُ إمكانِ المشبَّهِ، نحوُ:
فإنْ تَفُق الأنامَ وأنتَ منهمْ ..... فإنَّ الْمِسكَ بعضُ دمِ الغَزَالِ
فإنَّهُ لمَّا ادَّعَى أنَّ الممدوحَ مُبايِنٌ لأصْلِه بخصائصَ جَعَلَتْهُ حقيقةً منفرِدةً، احْتَجَّ على إمكانِ دعواهُ بتشبيهِه بالمسْكِ الذي أصْلُه دمُ الغزالِ.
وإمَّا بيانُ حالِه، كما في قولِه:
كأنَّكَ شمسٌ والملوكُ كواكبُ ..... إذا طَلَعَتْ لم يَبْدُ منْهُنَّ كوكبُ
وإمَّا بيانُ مِقدارِ حالِه، نحوُ:
فيها اثنتانِ وأربعونَ حَلُوبَةً ..... سُودًا كخافِيَةِ الغُرابِ الأسْحَمِ
شَبَّهَ النُّوقَ السُّودَ بخافيةِ الغُرابِ، بيانًا لِمِقدارِ سوادِها.
وإمَّا تقريرُ حالِه، نحوُ:
إنَّ القُلُوبَ إذا تَنَافَرَ وُدُّها ..... مِثْلُ الزجاجةِ كَسْرُها لا يُجْبَرُ
شَبَّهَ تنافُرَ القلوبِ بكَسْرِ الزجاجةِ تثبيتًا لتَعَذُّرِ عَوْدَتِها إلى ما كانت عليهِ من الْمَوَدَّةِ.
وإمَّا تزيينُه، نحوُ:
سوداءُ واضحةُ الْجَبِيـ ..... ـنِ كَمُقلَةِ الظَّبْيِ الغَرِيرِ
شَبَّهَ سوادَها بسوادِ مُقْلَةِ الظَبْيِ، تَحسينًا لها.
وإمَّا تقبيحُه، نحوُ:
وإذا أَشارَ مُحَدِّثًا فكأنَّه ..... قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطُمُ
وقدْ يعودُ الغرَضُ إلى الْمُشَبَّهِ بهِ إذا عُكِسَ طَرَفا التشبيهِ، نحوُ:
وَبَدَا الصباحُ كأنَّ غُرَّتَهُ ..... وجهُ الخليفةِ حينَ يُمتَدَحُ
ومِثلُ هذا يُسَمَّى بالتشبيهِ المقلوبِ.