البابُ الثامِنُ
في الإِيْجَازِ والإِطْنَابِ والمساواةِ
كلُّ ما يَجولُ في الصدْرِ من المعاني يُمكِنُ أنْ يُعبَّرَ عنهُ بثلاثِ طُرُقٍ:
1- المساواةُ: وهيَ تَأديةُ المعنى المرادِ بعبارةٍ مساوِيةٍ له، بأنْ تكونَ على الحدِّ الذي جَرَى بهِ عُرْفُ أوساطِ الناسِ، وهم الذينَ لم يَرْتَقُوا إلى درجةِ البلاغةِ، ولم يَنْحَطُّوا إلى درجةِ الفَهاهةِ، نحوُ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
2- والإيجازُ: وهوَ تَأديةُ المعنى بعبارةٍ ناقصةٍ عنه معَ وفائِها بالغرَضِ، نحوُ: قِفَا نَبْكِ منْ ذِكرى حبيبٍ ومَنزلِ. فإذا لم تَفِ بالغَرَضِ سُمِّيَ إخلالًا، كقولِه:
والعيشُ خيرٌ في ظِلا ..... لِ النُّوكِ ممَّنْ عاشَ كدَّا
مرادُه أنَّ العيشَ الرَّغَدَ في ظِلالِ الحُمقِ خيرٌ من العَيْشِ الشاقِّ في ظلالِ العقْلِ.
3- والإطنابُ: وهوَ تَأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنه معَ الفائدةِ، نحوُ: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، أيْ: كَبِرْتُ.
فإذا لم تكنْ في الزيادةِ فائدةٌ سُمِّيَ تطويلًا إنْ كانت الزيادةُ غيرَ مُتعيَّنةٍ، وحشْوًا إنْ تَعيَّنتْ. فالتطويلُ نحوُ:
وأَلْفَى قَوْلَها كَذِبًا ومَيْنًا
والحشْوُ نحوُ: وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه.
ومن دواعي الإيجازِ تسهيلُ الحفْظِ، وتقريبُ الفهْمِ، وضِيقُ الْمَقامِ، والإخفاءُ، وسآمةُ المحادَثَةِ.
ومن دواعي الإطنابِ تثبيتُ المعنى، وتوضيحُ المرادِ، والتوكيدُ، ودفْعُ الإيهامِ.