وَمَعَ هَذَا فَلاَ بُدَّ من اخْتِلافٍ مُحَقَّقٍ بَينَهُم كَما يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ في الأحْكَامِ .
ونحنُ نَعلَمُ أنَّ عامَّةَ مَا يُضطَرُّ إِلَيْهِ عُمُومُ النَّاسِ مِن الاتّفَاقِ مَعلُومٌ بَلْ مُتَواتِرٌ عنْدَ العَامَّةِ أَو الخَاصَّةِ . كَمَا في عَدَدِ الصَّلواتِ وَمَقَادِيرِ رُكُوعِهَا ومواقيتِهَا ، وَفَرَائِضِ الزَّكاةِ ونُصُبِهِا ، وَتَعْيِينِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، والطَّوَافِ والوُقُوفِ ورَمْيِ الْجِمَارِ والمواقِيتِ ، وغَيْرِ ذلِكَ .
ثُمَّ إنَّ اخْتِلافَ الصَّحابَةِ في الجَدِّ والإِخْوَةِ ، وَفِي الْمُشَرَِّكَةِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لا يُوجِبُ رَيْبًا في جُمْهُورِ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ ، بَلْ فيمَا يَحْتَاجُ إليه عَامَّةُ النَّاسِ ، وَهُوَ عَمُودُ النَّسَبِ من الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ ، وَالكَلالَةِ من الإِخْوَةِ وَالأَخَواتِ ، وَمنْ نِسَائِهِمْ كالأزْوَاجِ . فإِنَّ اللهَ أَنزَلَ في الفَرَائِضِ ثَلاَثََ آياتٍ مُنْفَصِلَةً . ذَكَرَ في الأُولَى الأُصُولَ وَالفُرُوعَ ، وَذكَرَ في الثَّانيَةِ الحاشِيَةَ الَّتِي تَرِثُ بالفَرْضِ كَالزَّوجَيْنِ وَوَلَدِ الأُمِّ ، وفي الثَّالثَةِ الحاشِيَةَ الوارِثَةَ بالتَّعْصِيبِ ؛ وَهُم الإِخْوَةُ لأَبَوَيْنِ أَوْ لأَبٍ .
وَاجْتِمَاعُ الْجَدِّ وَالإِخْوَةِ نَادِرٌ ، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الإسْلامِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالاخْتِلاَفُ قَدْ يَكُونُ لِخَفَاءِ الدَّليلِ والذُّهولِ عَنْهُ ، وقَدْ يكونُ لِعدمِ سَماعِهِ ، وقَدْ يكُونُ لِلْغَلَطِ في فَهْمِ النَّصِّ ، وقَدْ يكونُ لاعتقَاد مُعَارِضٍ رَاجِحٍ . فَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّعريفُ بِمُجْمَلِ الأَمْرِ دُونَ تفاصيلِهِ .