دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > التأريخ > متون التاريخ > قصص الأنبياء

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الأولى 1431هـ/14-04-2010م, 05:15 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قصة عيسى وأمه وزكريا ويحيى عليهم السلام


قصة عيسى وأمه ، وزكريا ويحيى عليهم السلام:
كانت زوجة عمران - وهو من أكابر بني إسرائيل ورؤسائهم وذوي المقامات العالية عندهم - نذرت حين ظهر حملها أن تحرر ما في بطنها لبيت المقدس ، يكون خادما لبيت الله ، معدا لعبادة الله ، ظنا أن الذي في بطنها ذكر ، فلما وضعتها قالت معتذرة إلى الله شاكية إليه الحال :{ رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى } أي أن الذكر الذي له القوة والقدرة على ما يراد منه من القيام بخدمة بيت المقدس ، { وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } [آل عمران : 36] .
فحصنتها بالله من عدوها هي وذريتها ، وكان هذا أول حفظ وحماية من الله لها ، ولهذا استجاب الله لها في هذه الدنيا :{ فتقبلها ربها بقبول حسن } [أي أن الله جبر أمها ، وصار لها عند ربها من القبول أعظم مما للذكور] ، { وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا } [آل عمران : 37] .
فجمع الله لها بين التربية الجسدية والتربية الروحية ، حيث قدر أن يكون كافلها أعظم أنبياء بني إسرائيل في ذلك الوقت ; فإن أمها لما جاءت بها لأهل بيت المقدس تنازعوا أيهم يكفلها ؛ لأنها ابنة رئيسهم ، فاقترعوا وألقوا أقلامهم ، فأصابت القرعة زكريا رحمة به وبمريم ، فكفلها أحسن كفالة ، وأعانه على كفالتها بكرامة عظيمة منه ، فكانت قد نشأت نشأة الصالحات الصديقات ، وعكفت على عبادة ربها ، ولزمت محرابها ، فكان زكريا كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا ، قال : أنى لك هذا ؟ فإنه ليس لها كافل غير زكريا ، قالت :
{ هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } [آل عمران : 37] .
أي : رزقه تعالى يأتي بطرق معهودة وبطرق أخرى ، والله على كل شيء قدير .
فحين رأى هذه الحالة ذكره ذلك لطف ربه ، ورجاه إلى رحمته ، فدعا الله أن يهب له ولدا يرثه علمه ونبوته ، ويقوم بعده في بني إسرائيل في تعليمهم وهدايتهم :
{ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله } [أي : بعيسى] { وسيدا } [آل عمران : 39] .
أي : عظيما عند الله ، وعند الخلق لما جبله الله عليه من الأخلاق الحميدة ، والعلوم العظيمة ، والأعمال الصالحة .
{ وحصورا } [آل عمران : 39] .
أي : ممنوعا بعصمة الله وحفظه ، ووقايته من مواقعة المعاصي ; فوصفه الله بالتوفيق لجميع الخيرات ، والحماية من السيئات والزلات ، وهذا غاية كمال العبد ، فتعجب زكريا من ذلك وقال : { أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا }{ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } [مريم : 8 و 9] .
وهذا أعجب من حملها وهي عاقر على كبرك ، فمن فرحه ورغبته العظيمة في طمأنينة قلبه قال : { رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } [مريم : 10] .
{ واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار } [آل عمران : 41] .
وهذه آية كبرى ، يمنع من الكلام الذي هو أسهل ما يقدر عليه الإنسان ، وهو سوي ، فلا يقدر أن يكلم أحدا إلا بالإشارة ، ومع ذلك لسانه منطلق بذكر الله وتسبيحه وتحميده ، فحينئذ تمت له البشارة من الله ، وعرف أنه لا بد أن يكون ، فولدت زوجته يحيى ، وأنشأه الله نشأة عجيبة ، فتعلم وهو صغير ، ومهر في العلم وهو صغير ، ولهذا قال : { وآتيناه الحكم صبيا } [حتى قيل : إن الله نبأه وهو صغير ، وكما أعطاه الله العلم العظيم فقد من عليه بأكمل الصفات فقال :] { وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا }{ وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا }{ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا } [مريم : 12 - 15] .
ومضمون هذا وصفه بالقيام بحقوق الله ، وحقوق والديه ، وحقوق الخلق ، وأن الله سيحسن له العواقب في أحواله كلها .
وأما مريم فإنها انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ، متجردة لعبادة ربها : { فاتخذت من دونهم حجابا } [مريم : 17] .
لئلا يشغلها أحد عما هي بصدده ; فأرسل الله لها الروح الأمين جبريل في صورة بشر سوي من أكمل الرجال وأجملهم ، فظنت أنه يريدها بسوء ، فقالت : { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا } [مريم : 18] .
فتوسلت بالله في حفظها وحمايتها ، وذكرته وجوب التقوى على كل مسلم يخشى الله ، فكان هذا الورع العظيم منها في هذه الحالة التي يخشى منها الوقوع في الفتنة ، ورفع الله بذلك مقامها ، ونعتها بالعفة الكاملة ، وأنها أحصنت فرجها ، فقال لها جبريل : إنما { أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا }{ قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا }{ قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا } [به وبك وبالناس] { وكان أمرا مقضيا } [مريم : 19 - 21] .
فلا تعجبي مما قدره الله وقضاه :{ فحملته فانتبذت به } [أي : ابتعدت به عن الناس] { مكانا قصيا } [خشية الاتهام والأذية منهم] { فأجاءها } [أي : ألجأها] { المخاض } [أي : الطلق] { إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } [مريم : 22 و 23] .
لما تعرفه مما هي متعرضة له من الناس ، وأنهم لا يصدقونها ، ولم تدر ما الله صانع لها .
{ فناداها } [الملك] { من تحتها } [مريم : 24] .
وكانت في مكان مرتفع ، وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين .
{ ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا } [أي : نهرا جاريا] { وهزي إليك بجذع النخلة } [من دون أن تحوجك إلى صعود] { تساقط عليك رطبا جنيا } [أي : طريا ناضجا] { فكلي } [من الرطب] { واشربي } [من السري] { وقري عينا } بولادة عيسى ، وليذهب روعك وخوفك { فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما } [أي : سكوتا ، وكان معهودا عندهم أنهم يتعبدون بالصمت في جميع النهار ، ولذا فسره بقوله :] { فلن أكلم اليوم إنسيا } [مريم : 24 - 26] .
فاطمأن قلبها ، وزال عنها ما كانت تجد .
ثم لما تعالت من نفاس[مريم : 27] .ها ، وأصلحت من شأنها ، وقويت بعد الولادة : { فأتت به قومها تحمله } علنا غير هائبة ولا مبالية ، فلما رآه قومها ، وقد علموا أنه لا زوج لها ، جزموا أنه من وجه آخر فقالوا :{ يا مريم لقد جئت شيئا فريا }{ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا }{ فأشارت إليه } [مريم : 27 - 29] .
كما أمرت بذلك ، فقالوا منكرين عليها مقالتها لهم : { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } [مريم : 29] .
فقال ، وهو في تلك الحال له أيام يسيرة بعد ولادته :{ إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا }{ وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا }{ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا }{ والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } [مريم : 30 - 33] .
فكان هذا الكلام منه في هذه الحال من آيات الله ، وأدلة رسالته ، وأنه عبد الله لا كما يزعمه النصارى ، وحصل لأمه البراءة العظيمة مما يظن بها من السوء ، لأنها لو أتت بألف شاهد على البراءة وهي على هذه الحال ما صدقها الناس ، ولكن هذا الكلام من عيسى وهو في المهد جلا كل ريب يقع في القلوب ، فانقسم الناس فيه بعد هذا ثلاثة أقسام :
قسم آمنوا به وصدقوه في كلامه هذا ، وفي الانقياد له بعد النبوة ، وهم المؤمنون حقيقة .
وقسم غلوا فيه وهم النصارى ، فقالوا فيه المقالات المعروفة ، ونزلوه منزلة الرب ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .
وقسم كفروا به وجفوه - وهم اليهود - ورموا أمه بما برأها الله منه ، ولهذا قال تعالى : { فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم } [مريم : 37] .
ولما أرسله الله إلى بني إسرائيل آمن به من آمن ، وكفر به من كفر ، وجعل يريهم الآيات والعجائب ، فكان يصور الطين فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، وينبئهم عن كثير مما يأكلون ، ويدخرون في بيوتهم ، ومع ذلك فتكالبت عليه أعداؤه وأرادوا قتله ، فألقى الله شبهه على واحد من الحواريين أصحابه أو من غيرهم ، ورفعه الله إليه ، وطهره من قتلهم ، فأخذوا شبيهه فقتلوه وصلبوه ، وباءوا بالإثم العظيم والجرم الجسيم ، وصدقهم النصارى أنهم قتلوه وصلبوه ، ونزهه الله من هذه الحالة فقال : { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم } [النساء : 157] .
وقد قام عيسى في بني إسرائيل فبشر وأعلن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما جاءهم محمد الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم قالوا :{ قالوا هذا سحر مبين } [النمل : 13] .
كما قالوا في عيسى : { فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين } [المائدة : 110] .

* وفي هذه القصة من الفوائد أمور :
منها : أن النذر ما زال مشروعا في الأمم السابقة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه كلمة جامعة للصحيح النافذ منه للباطل فقال : « من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه » .
ومنها : أن من نعمة الله على العبد أن يكون في كفالة الصالحين الأخيار ; فإن المربي والكافل له الأثر الأعظم في حياة المكفول وأخلاقه وآدابه ، ولهذا أمر الله المربين بالتربية الطيبة المشتملة على الحث على الأخلاق الجميلة ، والترهيب من مساوئ الأخلاق .
ومنها : إثبات كرامات الأولياء ; فإن الله كرم مريم بأمور : يسر لها أن تكون في كفالة زكريا بعدما حصل الخصام في شأنها ، وأكرمها بأن كان رزقها يأتيها من الله بلا سبب ، وأكرمها بوجود عيسى ، وولادتها إياه ، وبخطاب الملك لها بما يطمن قلبها ، ثم بكلامه في المهد ، فهذه الأخيرة جمعت كرامة ولي ومعجزة نبي .
ومنها : الآيات العظيمة التي أجراها الله على يد عيسى ابن مريم : من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ونحوهما .
ومنها : ما أكرم الله به عيسى بأن جعل له حواريين وأنصارا في حياته وبعد مماته في بث دعوته والنصر لدينه ، ولذلك كثر تابعوه ، ولكن منهم المستقيم ، وهو الذي آمن به حقيقة ، وآمن بجميع الرسل ، ومنهم المنحرف ، وهم الذين غلوا فيه ، وهم جمهور من يدعي أنه من أتباعه ، وهم أبعد الناس عنه .
ومنها : أن الله أثنى على مريم بالكمال بالصديقية ، وأنها صدقت بكلمات ربها وكتبه ، وكانت من القانتين ، وهذا وصف لها بالعلم الراسخ ، والعبادة الدائمة ، والخشوع لله ، وأنه اصطفاها وفضلها على نساء العالمين .
ومنها : أن إخبار الله للنبي بهذه القصة وغيرها مفصلة مطابقة للحقيقة من أدلة رسالته وآيات نبوته لقوله :{ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك } [آل عمران : 44] .


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
عيسى, قصة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:36 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir