تفسير قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) }
تفسير قوله تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يسبّح للّه ما في السّماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (1) هو الّذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ واللّه بما تعملون بصيرٌ (2) خلق السّماوات والأرض بالحقّ وصوّركم فأحسن صوركم وإليه المصير (3) يعلم ما في السّماوات والأرض ويعلم ما تسرّون وما تعلنون واللّه عليمٌ بذات الصّدور (4) }
هذه السّورة هي آخر المسبّحات، وقد تقدّم الكلام على تسبيح المخلوقات لبارئها ومالكها؛ ولهذا قال: {له الملك وله الحمد} أي: هو المتصرّف في جميع الكائنات، المحمود على جميع ما يخلقه ويقدّره.
وقوله: {وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ} أي: مهما أراد كان بلا ممانعٍ ولا مدافعٍ، وما لم يشأ لم يكن).[تفسير القرآن العظيم: 8/135]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ * يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ *}.
(1) هذه الآياتُ الكريماتُ مُشتَمِلاتٌ على جُملةٍ كثيرةٍ واسعةٍ مِن أوصافِ البارِي العَظيمةِ، فذَكَرَ كَمالَ أُلُوهِيَّتِه سُبحانَه وتعالى وسَعَةَ غِناهُ، وافْتقارَ جَميعِ الخلائقِ إليه، وتَسْبِيحَ مَن في السماواتِ والأرضِ بِحَمْدِ رَبِّها، وأنَّ الْمُلْكَ كُلَّه للهِ، فلا يَخرُجُ عن مُلْكِه مخلوقٌ.
والحمْدُ كلُّه له: حَمْدٌ على ما له مِن صِفاتِ الكمالِ، وحَمْدٌ على ما أَوْجَدَه مِن الأشياءِ، وحَمْدٌ على ما شَرَعَه مِن الأحكامِ وأَسداهُ مِن النِّعَمِ، وقُدْرَتُه شاملةٌ لا يَخرُجُ عنها مَوجودٌ، فلا يُعْجِزُه شيءٌ يُريدُه). [تيسير الكريم الرحمن: 866]
تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {هو الّذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ} أي: هو الخالق لكم على هذه الصّفة، وأراد منكم ذلك، فلا بدّ من وجود مؤمنٍ وكافرٍ، وهو البصير بمن يستحقّ الهداية ممّن يستحقّ الضّلال، وهو شهيدٌ على أعمال عباده، وسيجزيهم بها أتمّ الجزاء؛ ولهذا قال: {واللّه بما تعملون بصيرٌ} ).[تفسير القرآن العظيم: 8/135]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (2) وذَكَرَ أنَّه خَلَقَ العِبادَ، وجَعَلَ مِنهم المؤْمِنَ والكافرَ، فإيِمَانُهم وكُفْرُهم كلُّه بقَضاءِ اللَّهِ وقَدَرِه، وهو الذي شاءَ ذلكَ مِنهم بأنْ جَعَلَ لهم قُدرةً وإرادةً، بها يَتَمَكَّنُونَ مِن كلِّ ما يُرِيدونَ مِن الأمرِ والنَّهْيِ، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ). [تيسير الكريم الرحمن: 866]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2- {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} اللهُ تعالى خلَقَ الكافرَ، وكُفْرُه فعْلٌ له وكسْبٌ، وخلَقَ المؤمنَ، وإيمانُه فعْلٌ له وكَسْبٌ, والكافرُ يَكْفُرُ ويَختارُ الكفْرَ، والمؤمنُ يُؤمنُ ويَختارُ الإيمانَ والكلُّ بإذْنِ اللهِ: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أنْ يَشَاءَ اللهُ ربُّ العَالَمِينَ} ). [زبدة التفسير: 556]
تفسير قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {خلق السّماوات والأرض بالحقّ} أي: بالعدل والحكمة، {وصوّركم فأحسن صوركم} أي: أحسن أشكالكم، كقوله تعالى: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الّذي خلقك فسوّاك فعدلك في أيّ صورةٍ ما شاء ركّبك} [الانفطار: 6-8]
وكقوله: {اللّه الّذي جعل لكم الأرض قرارًا والسّماء بناءً وصوّركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطّيّبات} الآية [غافرٍ: 64] وقوله: {وإليه المصير} أي: المرجع والمآب).[تفسير القرآن العظيم: 8/135-136]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (3) فلَمَّا ذَكَرَ خَلْقَ الإنسانِ المأمورِ الْمَنْهِيِّ، ذكَرَ خَلْقَ باقِي المَخلوقاتِ، فقالَ: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}؛ أيْ: أَجْرَاهُما وجميعَ ما فيهما فأحْسَنَ خَلْقَهما {بِالْحَقِّ}؛ أيْ: بالحِكْمةِ والغايةِ المقصودةِ له تعالَى، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}؛ كما قالَ تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، فالإنسانُ أحسَنُ المخلوقاتِ صُورةً، وأَبْهَاها مَنْظَراً.
{وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}؛ أي: الْمَرجِعُ يومَ القِيامةِ، فيُجازِيكُم على إيمانِكم وكُفْرِكُم، ويَسْأَلُكم عن النِّعَمِ والنعيمِ الذي أَوْلاَكُم؛ هل قُمْتُمْ بشُكْرِه أمْ لم تَقُومُوا به؟). [تيسير الكريم الرحمن: 866]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3- {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} أيْ: إنه سبحانَه خَلَقَهم في أكمَلِ صُورةٍ وأحسَنِ تقويمٍ وأجْمَلِ شَكلٍ, ولا يَخْفَى امتيازُ بني آدَمَ في حسْنِ الصورةِ وجَمالِ القامةِ، وأنَّ ذلك بدَلالةٍ بيِّنَةٍ، لقومٍ يَعقلونَ، على قُدرةِ الخالِقِ وحِكمتِه وعَظَمتِه، وكذا الصورةُ النفسيَّةُ للإنسانِ وقُدْرَاتِه العَقليَّةِ الهائلةِ دَلالةٌ أعْظَمُ مِن ذلك، كما قالَ اللهُ تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} ). [زبدة التفسير: 556]
تفسير قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى عن علمه بجميع الكائنات السّمائيّة والأرضيّة والنّفسيّة، فقال: {يعلم ما في السّماوات والأرض ويعلم ما تسرّون وما تعلنون واللّه عليمٌ بذات الصّدور} ).[تفسير القرآن العظيم: 8/136]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (4) ثم ذَكَرَ عُمومَ عِلْمِه، فقالَ: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}؛ أيْ: مِن السرائرِ والظواهِرِ والغيْبِ والشَّهادةِ، {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أيْ: بما فيها مِن الأسرارِ الطَّيِّبَةِ والْخَبَايَا الخَبِيثةِ والنِّيَّاتِ الصالحةِ والمقاصِدِ الفاسدةِ.
فإذا كانَ عَلِيماً بذاتِ الصُّدورِ، تَعَيَّنَ على العاقِلِ البصيرِ أنْ يَحْرِصَ ويَجْتَهِدَ في حِفْظِ باطِنِه مِن الأخلاقِ الرَّذيلةِ واتِّصافِه بالأخلاقِ الْجَميلةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 866]
* للاستزادة ينظر: هنا