بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص القسم الأول من كتاب (عشريات ابن القيم): من المقدمة إلى الدرس الثاني: عشرة أسباب تعين على الصبر عن المعصية
تلخيص المقدمة
·سبب إعداد المصنف لهذه العشريّات
لتكرار ذكر ابن القيم الأسباب العشرة في كتبه، فهو يقسّم إلى عشرة، ويعدّد إلى عشرة، فأراد المصنف استكشافها وضمّ بعضها إلى بعض، رجاء أن ينتفع بها، وأن ينفع بها.
·أهمية هذه العشريات
- هي أول ما يقرؤه الطالب في علم السلوك.
- جمعها لأبواب متفرّقة فيه.
- جمع ابن القيم في كل باب منها خلاصة ما قيل فيه، وما فتح الله له به.
· من أئمة علم السلوك
من أحسنهم عنايةً بهذا العلم، وتأصيلًا لمسائله، وبيانًا لفوائده: الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي، المعروف بابن القيم رحمه الله.
· أهمية مصنفات ابن القيّم في علم السلوك
- تضمنت كتبه بيان بديع جامع، وتفصيل حسن رائع.
- عنايته بالدراسة الشاملة المستفيضة لكلّ بابٍ من أبوابه، مع حسن التلخيص لأقسامه ومسائله، وحل مشكلاته ومعضلاته، فيبيّن ويفصّل، ويصنّف ويقسّم.
- مع سلامة منهجه في الاعتقاد.
- تحريه العدل والإنصاف.
- وهو رحمه الله واسع الاطلاع كثير القراءة في علم السلوك، ومن ذلك أنه ذكر ثلاثين تعريفًا للمحبة من أقوال علماء السلوك واللغة مع بيان اشتقاقها وأصولها، وقد أحسن نقدها وتصنيفها في كتاب مدارج السالكين.
- هو صاحب نقد وتمحيص، فيجلّي الأقوال الحسنة، ويبيّن علل الأقوال الخاطئة.
· فضل علم السلوك
- يعرف به المؤمن معنى سلوك الصراط المستقيم، المفضي إلى رضوان الله تعالى وجنات النعيم.
- وبه يعرف السالك كيف يُحسن عبادة ربّه تعالى.
- وكيف يتقرّب إليه ويعظّم شأنه.
- وكيف يصلح قلبه ويُداوي علله.
- وكيف يُجاهد نفسه ويزكّيها.
- وكيف ينجو من كيد الشيطان الرجيم.
- وكيف يجاهد أعداءه من سائر الشياطين.
- وكيف يدافع العوارض والعوائق.
- وكيف يصنع في حال الابتلاء.
- وما سبيل خلاصه من آثار الذنوب وأخطارها.
الدرس الأول: عشرة أسباب تجلب محبة الله تعالى.
1: قراءةُ القرآن بالتدبر والتفهّم لمعانيه وما أُريدَ به.
2: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.
3: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال.
4: إيثارُ محابّه على محابّك عند غلَبَات الهوى.
5: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبَّه لا محالة.
6: مشاهدة برِّه وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
7: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.
8: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بين يديه متأدّبًا بأدب العبوديّة، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
9: مجالسةُ المحبين الصادقين، والتقاطُ أطايب ثمرات كلامهم.
10: مباعدةُ كلِّ سببٍ يحولُ بينَ القلب وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وَمَلاكُ ذلك كلِّه أمران:
- استعدادُ الرُّوحِ لهذا الشأن.
- وانفتاحُ عينِ البصيرةِ.
الدرس الثاني: عشرة أسباب تعين على الصبر عن المعصية
1: عِلْمُ العبدِ بقُبْحِها ورذالتها ودناءتها، وهذا السبب يحمِل العاقل على تركها ولو لم يُعَلَّقْ عليها وعيدٌ بالعذاب.
2: شَرَفُ النفس وزكاؤها وفضلها وأنَفَتها وحميَّتُها أن تختارَ الأسبابَ التي تحطُّهَا وتَضَعُ من قَدرِها.
3: الحياءُ من الله سبحانه.
4: خوفُ الله وخشيةُ عقابه، وهذا السببُ يقوَى بالعلم واليقين، ويضعُفُ بضَعْفِهما، قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
5: محبة الله وهي أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه.
لطيفة يجب التنبُّه لها: وهي أن المحبَّة المجرَّدَةَ لا توجب هذا الأثر ما لم تقترن بإجلال المحبوب وتعظيمه؛ فإذا قارنها بالإجلال والتعظيم أوجبت هذا الحياء والطاعة.
فأعظم مواهب الله لعبده: أن يعمر قلبه بمحبته تعالى المقترنة بإجلاله وتعظيمه.
6: مراعاةُ نِعَمِهِ عليك وإحسانه إليك؛ فإنَّ الذنوب تزيلُ النِّعَم ولا بدَّ؛ قال الله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}
7: قِصَرُ الأملِ، وعلمُهُ بسرعةِ انتقالِهِ، وأنه كراكب قال في ظل شجرة ثم سار وتركها.
8: مجانبةُ الفضولِ في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس؛ فإنَّ قوَّةَ الداعي إلى المعاصي إنما تنشأ من هذه الفضلات؛ فإنها تطلب لها مصرفا؛ ومن أعظم الأشياء ضررا على العبد بطالتُه وفراغُه؛ فالنفس إن لم يشغلها بما ينفعها شغَلتْهُ بما يضرُّه ولا بد.
9: قوَّةُ العلمِ بسوءِ عاقبةِ المعصيةِ وَقُبْحِ أثَرِها والضررِ الناشيء، ومن ذلك:
- سواد الوجه
-ظلمة القلب وضيقه وغمِّه، وحزنه وأَلَمِه وانحصاره، وشدَّةِ قَلَقِهِ واضطرابه، وتمزُّقِ شَمْلِه وضعفه عن مقاومة عدوه، وتَعَرِّيهِ من زينته، والحَيرَةِ في أمرِه، ومرضه الذي إذا استحكم به فهو الموت ولا بدّ؛ فإن الذنوب تميت القلوب.
- ذلُّه بعدَ عِزِّه.
- أنه يصيرُ أسيراً في يدِ أعدائه بعد أن كان ملكا متصرفا يخافه أعداؤه.
- أنه يضعفُ تأثيرُه فلا يبقى له نفوذ في رعيته ولا في الخارج؛ فلا رعيته تطيعه إذا أمرَها، ولا ينفذ في غيرهم.
- زوالُ أمنِهِ وتبدّلِهِ به مخافة؛ فأخوف الناس أشدهم إساءة.
- زوالُ الأنسِ والاستبدالُ بهِ وحشةً، وكلما ازداد إساءة ازدادَ وحشة.
- زوالُ الرِّضا واستبداله بالسخط.
- زوالُ الطُّمَأنينةِ بالله والسكونِ إليه والإيواءِ عنده، واستبدالُهُ بالطَّرْدِ والبُعْدِ منه.
- وقوعُه في بئرِ الحسَرَاتِ؛ لأنه يعجز عن نيل جميع لذاته.
- فقرُهُ بعد غِنَاه؛ فإنَّه كان غنيًّا بما معه من رأس مالِ الإيمانِ، فإمَّا أن يسعى بتحصيل رأس مال آخر بالتوبة النصوح والجدّ والتشمير، وإلا فَقَدْ فاتَه ربحٌ كثير بما أضاعه مِن رأسِ ماله.
- نُقصانُ رزقه فإن العبدَ يحرم الرزق بالذنب يصيبه.
- ضعف بدنه.
- زوالُ المهابة والحلاوة التي لبسها بالطاعة؛ فتبدَّلَ بها مهانَة وحقارَة.
- حصول البُغْضَةِ والنُّفْرَةِ منه في قلوبِ الناس.
- ضياعُ أعَزِّ الأشياءِ عليهِ وأنفَسِها وأغلاها، وهو الوقتُ الذي لا عِوَض منه، ولا يعود إليه أبدا.
- طَمَعُ عدوِّهِ فيه وظفره به؛ حتى يصيرَ هو وليُّه دون مولاه الحقّ.
- الطَّبْعُ والرَّيْنُ على قلبه؛ قال الله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}.
- أنه يحرم حلاوة الطاعة.
- أن تمنعَ قلبَه من ترحّله من الدنيا ونزوله بساحة القيامة؛ فيبقى القلب مشتتا مضيَّعا، فإذا نزل في ساحة الآخرة أقبلت إليه وفودُ التوفيقِ والعناية من كل جهة.
- إعراضُ الله وملائكته وعبادُه عنه؛ فإنَّ العبدَ إذا أعرض عن طاعة الله واشتغل بمعاصيه أعرضَ الله عنه؛ فأعرضت عنه ملائكتُهُ وعبادُه.
- أن الذنب يستدعي ذنبا آخر، ثم يقوى أحدهما بالآخر؛ فيستدعيان ثالثا، قال بعض السلف: (إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها).
- علمُه بفواتِ ما هو أحبُّ إليه وخيرٌ له منها من جنسها وغير جنسها؛ فإنه لا يجمع الله لعبده بين لذة المحرمات في الدنيا ولذة ما في الآخرة، كما قال تعالى: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}
- علمُهُ بأنَّ أعماله هي زاده ووسيلته إلى دار إقامته؛ فإن تزوَّدَ من معصية الله أوصله ذلك الزاد إلى دار العصاة والجناة، وإن تزود من طاعته وصل إلى دار أهل طاعته وولايته.
- علمه بأن عمله هو وليُّه في قبره، وأنيسُهُ فيه، وشفيعُه عند ربّه، والمخاصم والمحاجّ عنه؛ فإن شاء جعله له، وإن شاء جعله عليه.
- علمُهُ بأنَّ أعمالَ البرّ تنهضُ بالعبدِ وتقومُ به، وتصعد إلى الله به، وأعمال الفجور تهوي به وتجذبه إلى الهاوية وتجرُّه إلى أسفلِ سافلين قال الله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، وقال تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء}.
- خروجه من حصن الله الذي لا ضيعة على من دخله فيخرج بمعصيته منه إلى حيث يصير نِهْبا للصوص وقطاع الطريق.
- أنه بالمعصية قد تعرَّضَ لِمَحْقِ بركته.
وبالجملة؛ فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبدُ علماً، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيطَ بها علما، فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله، وشرُّ الدنيا والآخرة بحذافيره في معصيته.
10: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: ثباتُ شجرةِ الإيمانِ في القلبِ؛ فَصَبْرُ العبدِ عن المعاصي إنما هو بحسب قوَّةِ إيمانه.
فإذا قوي سراجُ الإيمانِ في القلبِ وأضاءَتْ جهاتُه كلُّها به، وأشرق نوره في أرجائه سرى ذلك النور إلى الأعضاء وانبعث إليها؛ فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان، وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة.
·فصل: أسباب تعين على الصبر على الطاعة
- الصبر على الطاعة ينشأ من معرفة هذه الأسباب (الصبر عن المعصية).
- معرفة ما تجلبه الطاعة من العواقب الحميدة والآثار الجميلة.
- ومن أقوى أسبابها الإيمان والمحبة.
·مسألة: وهي أيُّ الصبرينِ أفضل؟ صبرِ العبدِ عن المعصيةِ أم صبره على الطاعة؟
فطائفة قالت: الصبر عن المعصية أفضل.
وحجتهم:
- أن الصبر عن المعصية من وظائف الصديقين؛ كما قال بعض السلف: (أعمال البِرِّ يفعلها البَر والفاجر، ولا يقوى على ترك المعاصي إلا صديق).
- قالوا: ولأن داعيَ المعصيةِ أشدُّ من داعي تركِ الطاعةِ؛ فإن داعي المعصية إلى أمرٍ وجوديٍّ تشتهيه النفس وتلتذُّ به، والداعي إلى ترك الطاعة الكسل والبطالة والمهانة.
- قالوا: ولأن العصيان قد اجتمع عليه داعي النفس والهوى والشيطان وأسباب الدنيا وقرناء الرجل وطلب التشبه والمحاكاة وميل الطبع.
ورجحت طائفة: الصبر على الطاعة.
وحجتهم:
- أنَّ فعل المأمور أفضل من ترك المنهيات، واحتجت على ذلك بنحو من عشرين حجة.
- ولا ريب أنَّ فعلَ المأموراتِ إنَّما يتمُّ بالصبر عليها؛ فإذا كان فِعْلُها أفضلَ كان الصبرُ عليها أفضلَ.
وفصل النزاع في ذلك: أن هذا يختلف باختلاف الطاعةِ والمعصيةِ؛ فالصبرُ على الطاعة المعظَّمة الكبيرةِ -كالجهاد-أفضلُ من الصبر عن المعصيةِ الصغيرة الدنيَّة، والصبرُ عن المعصيةِ الكبيرةِ -ككبائر الإثم والفواحش-أفضلِ من الصبرِ على الطاعةِ الصغيرة. والله أعلم.