[حَجُّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعُمَرُهُ وغَزَوَاتُهُ]
فصلٌ في حَجِّهِ وعُمَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
روى هَمَّامُ بنُ يَحْيَى، عنْ قَتادةَ قالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ حَجَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ حِجَّةٍ؟ قالَ: حِجَّةً واحدةً، واعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمْرَاتٍ: عُمْرَةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينَ صَدَّهُ المشرِكونَ عن البيتِ، والعُمرةُ الثانيَةُ حيثُ صالَحُوهُ من العامِ الْمُقْبِلِ، وعُمرةٌ من الْجِعْرَانَةِ حيثُ قَسَمَ غَنيمةَ حُنَيْنٍ في ذي القَعْدَةِ، وعُمْرَتُهُ معَ حِجَّتِهِ. صحيحٌ مُتَّفَقٌ عليهِ [1].
هذا بعدَ قُدومِهِ المدينةَ، وأمَّا ما حَجَّ بِمَكَّةَ واعْتَمَرَ فلمْ يُحْفَظْ [2].
والذي حَجَّ حِجَّةُ الوَداعِ، وَدَّعَ الناسَ فيَها وقالَ: ((عَسَى أَلَّا تَرَوْنِي بَعْدَ عَامِي هَذَا)) [3].
فصلٌ في غزواتِهِ
غَزَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسِهِ خَمْسًا وعشرينَ غَزوةً. هذا هوَ المشهورُ، قالَهُ مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ، وأبو مَعشَرٍ، وموسى بنُ عُقبةَ، وغيرُهم.
وقيلَ: غَزَا سَبْعًا وعِشرينَ [4].
والبُعوثُ والسَّرَايَا خَمسونَ، أوْ نَحْوُها.
ولمْ يُقاتِلْ إلَّا في تِسْعٍ [5]: بَدْرٌ، وأُحُدٌ، والخَنْدَقُ، وبَنِي قُريْظَةَ، والْمُصْطَلِقُ، وخَيْبَرُ، وفتحُ مَكَّةَ، وحُنَيْنٌ، والطَّائِفُ.
وقدْ قيلَ: إنَّهُ قاتَلَ بِوَادِي الْقُرَى، وفي الغابةِ [6]، وبَنِي النَّضِيرِ.
تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
[1] (صحيحُ البخاريِّ) في مَواضِعَ منها (1778)، و(صحيحُ مُسلِمٍ) (1253)، ورواهُ أبو دَاوُدَ (1994)، والترمذيُّ (815).
[2] لكنْ ثَبَتَ في (الصحيحيْنِ) وغيرِهما، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ وهوَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الهجرةِ، فَعَنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ قالَ: أَضْلَلْتُ بَعيرًا لي، فذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يومَ عَرَفَةَ، فرأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقفًا بعَرفةَ، فقُلْتُ: هذا واللَّهِ من الْحُمْسِ، فما شَأْنُهُ ها هنا. رواهُ البخاريُّ (1664)، ومسلِمٌ (1220)، والنَّسائيُّ (5/255)، والدَّارِمِيُّ (1/384).
وبَيَّنَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في (الفَتْحِ) (3/ 516 - 517) أنَّ وَقْفَةَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَرفةَ المذكورةَ في الحديثِ إنَّمَا هيَ قبلَ الهجرةِ.
[3] رواهُ مسلمٌ (1297)، وأبو داودَ (1970)، والنَّسائيُّ (5/270)، وابنُ مَاجَهْ (3023)، وأحمدُ (3/ 318، 337، 378، 367) بلفْظِ: ((فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حِجَّتِي هَذِهِ))، ولفظِ: ((فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا))، أوْ نحوِهِمَا.
[4] في (صحيحِ مسلِمٍ) (1813) عنْ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ما يَدُلُّ على أنَّ غَزَوَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى وعشرينَ أوْ نحوًا منْ ذلكَ.
ويَرْجِعُ التفاوُتُ في إحصاءِ عددِ الغزواتِ إلى أنَّ بعْضَهُم رُبَّما دَمَجَ الغزْوَتَيْنِ باسمٍ واحدٍ، وآخرونَ يَجْعَلُونَ للغَزوةِ أَكثرَ من اسمٍ؛ لاختلافِ زَمانِها أوْ مكانِها، ونحوُ ذلكَ.
نَبَّهَ لهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتحِ البارِي) (7/280)، وقَارِنْ بـ(مِنهاجِ السُّنَّةِ النبويَّةِ) (4/ 81) لشيخِ الإسلامِ، وانْظُر التعليقَ التالِي.
[5] قالَ ابنُ تَيميَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا يُعْلَمُ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتَلَ في غَزاةٍ إلَّا في أُحُدٍ، ولمْ يَقْتُلْ أَحَدًا إلَّا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فيها، فلا يُفْهَمُ منْ قولِهم: قاتَلَ في كذا أنَّهُ بنَفْسِهِ، كما فَهِمَهُ بعضُ الطلَبَةِ مِمَّنْ لا اطِّلاعَ لهُ على أحوالِهِ عليهِ السلامُ. اهـ (حاشيَةُ مُحَقِّقِ المواهبِ اللَّدُنِّيَّةِ للقسطلانيِّ 1/335).
[6] وادِي الْقُرَى والغابةُ: مَوضعانِ بينَ المدينةِ والشامِ قُرْبَ المدينةِ.