وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرى:
وَهِيَ ما ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ القِيامَةِ يَسْتَغِيثُونَ بآدَمَ، ثُمَّ بِنُوحٍ، ثُمَّ بِإِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ بِمُوسى، ثُمَّ بِعِيسَى، فَكُلُّهُمْ يَعْتَذِرُون حَتَّى يَنْتَهُوا إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: فَهَذا يَدُلُّ عَلى أَنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِغَيْرِ اللهِ لَيْسَتْ شِرْكاً.
فَالجوَابُ:
أَنْ تَقُولَ: سُبْحَانَ مَنْ طَبَعَ على قُلُوبِ أَعْدَائِهِ، فَإِنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِالمَخْلُوقِ على ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ لا نُنْكِرُها، كَمَا قَالَ تَعالى في قِصَّةِ موسى: {فاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} وَكَمَا يَسْتَغِيثُ الإِنْسَانُ بِأَصْحَابِهِ في الحَرْبِ وغيرِه في أَشْياء يَقْدِرُ عَلَيْها المَخْلُوقُ، وَنَحْنُ أَنْكَرْنَا اسْتِغَاثَةَ العِبَادَةِ الَّتِي يَفْعَلُونَها عِنْدَ قُبُورِ الأَوْلِيَاءِ وغيرِهم أَوْ في غَيْبَتِهِم في الأَشْياء الَّتي لا يَقْدِرُ عَلَيْها المخلوق ولا يقدر عليها إلا الله تعالى.
إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فالاستغاثةُ بِالأَنْبِيَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُرِيدُون مِنْهُمْ أَنْ يَدْعُوا اللهَ أَنْ يُحَاسِبَ النَّاسَ حَتَّى يَسْتَرِيحَ أَهْلُ الجَنَّةِ مِنْ كَرْبِ المَوْقِفِ،وَهَذَا جَائِزٌ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، أَنْ تَأْتِيَ عِنْدَ رَجُلٍ صَالحٍ حيٍّ يُجَالِسُكَ ويَسْمَعُ كَلامَكَ تَقُولُ لَهُ: ادْعُ اللهَ لِي، كَمَا كانَ أَصْحابُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ في حَيَاتِهِ؛ في الاستسقاء وغيره، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَحَاشَا وَكَلاَّ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ ذَلِكَ عِنْدَ قَبْرِهِ، بَلْ أَنْكَرَ السَّلَفُ عَلَى مَنْ قَصَدَ دُعَاءَ اللهِ عِنْدَ قَبْرِهِ فَكَيْفَ دُعَاءَه نَفْسِهِ؟.