فإذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِهَذَا، وَأنه لم يُدْخِلْهُم في التَّوحِيدِ الذي دعت إليه الرسل ودَعَاهُمْ إِليهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَرَفْتَ أَنَّ التَّوْحِيدَ الَّذي جَحَدُوهُ هُوَ تَوْحِيدُ العِبَادَةِ؛ الَّذي يُسَمِّيهِ المشرِكُونَ في زَمَانِنَا: (الاعْتِقَادَ) كَمَا كَانُوا يَدْعُونَ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى لَيْلاً وَنَهَاراً، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الملائِكَةَ لأَجْلِ صَلاحِهِمْ وقُرْبِهِم مِن اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِيَشْفَعُوا لَهُم، أَوْ يَدْعُو رَجُلاً صَالِحاً مِثْل: الَّلاتِّ، أَوْ نَبِيّاً مِثْلَ عِيسَى.
وَعَرَفْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلَهُمْ على هذا الشِّركِ وَدَعَاهُمْ إِلى إِخْلاصِ العِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ لا شريك له؛ كَما قَالَ تَعالى: {وأنَّ المَساجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}، وقَالَ تَعَالى: {لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ}.
وتَحَقَّقْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلَهُمْ لِيكُون الدين كله لله، والدُّعَاءُ كُلُّهُ للهِ، والذَّبْحُ كُلُّهُ للهِ، والنَّذْرُكُلُّهُ للهِ، وَالاسْتِغاثَةُ كُلُّهَا باللهِ، وَجَمِيعُ أَنْواعِ العِبَادَةِ كُلُّها للهِ.وَعَرَفْتَ أَنَّ إِقْرَارَهُمْ بِتَوْحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لَمْ يُدْخِلْهُم في الإِسلاَمِ،وَأَنَّ قَصْدَهُمُ المَلائِكَةَ أو الأَنْبياءَ أو الأَوْلِياءَ، يُريدُونَ شَفَاعَتَهُمْ وَالتَّقَرُّبَ إِلى اللهِ بِذَلكَ هُوَ الَّذي أَحَلَّ دِمَاءهم وأمْوَالَهُمْ.عَرَفْتَ حِينَئذٍ التَّوحِيدَ الَّذي دَعَتْ إِليْهِ الرُّسُلُ،وَأَبى عن الإِقْرار بِهِ المُشْرِكُونَ.